في مواجهة العدو الإرهابي المشترك العنيد، ينبغي على الولايات المتحدة مواصلة توسيع دعمها العسكري لتحسين قدرات الجيش المصري على مواجهة تنظيم “داعش” في سيناء. فمن دون تعزيز القدرات والدعم العسكري الأمريكي، لا تتمتع بمصر بالتجهيزات الكافية لمجابهة هذا الخطر المتنامي، وسيحصل تنظيم “داعش” على موطئ قدم أساسي يمكّنه من التوسع باتجاه أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. أما الجانب المصري، فعليه دمج تقنيات حديثة لمكافحة الإرهاب مع عقيدته العسكرية.
خلال السنوات القليلة الماضية، خسر تنظيم “داعش ” معظم أراضيه في العراق وسوريا، ولكن بعد نجاحه في تأسيس قاعدة قوية له في مصر منذ عام 2013، حول التنظيم أنشطته من العراق وسوريا إلى مصر، حيث استمر التمرد الإسلامي في شمال سيناء بقيادة أكثر من ألف مقاتل من التنظيم. وكان للتمرد في سيناء عواقب جسيمة شملت إسقاط طائرة الركاب الروسية في 2015 ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224 شخصًا، والهجوم على “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” و”فرقة العمل الأمريكية لسيناء”، ومقتل أكثر من 250 شخصًا في تفجير مسجد الروضة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، واستهداف وزيري الدفاع والداخلية المصريين خلال زيارتهما إلى مطار العريش في كانون الأول/ديسمبر 2017.
وفى مطلع شهر شباط/فبراير 2018، أطلق الجيش المصري “عملية سيناء” بمشاركة قوات برية وبحرية وجوية ورجال شرطة وحرس الحدود، لاستهداف التنظيمات الإرهابية شمال وجنوب سيناء. وبعد أسبوعين من العمليات العسكرية المستمرة، طلب رئيس أركان القوات المسلحة محمد فريد من السيسي تمديد عملية “سيناء 2018” لأكثر من ثلاثة أشهر. وبرر فريد طلبه باستحواذ التنظيمات الإرهابية على كميات كبيرة من المتفجرات وبالمشقات التي تواجهها القوات في المناطق السكنية. وكان الجيش المصري عاجزًا عن مواجهة تمدد التنظيم بسبب افتقار طواقم طائراته إلى التدريب المتقدم والحاجة إلى تعزيز تدريبات القوات البرية على قتال الشوارع.
وقد عززت المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة حاليًا إلى مصر قدرة هذه الأخيرة على شنّ حرب تقليدية لكنها لم توفر القدرات الضرورية لدحر تنظيم “داعش” في شمالي سيناء. ويسلّط فشل الجيش المصري في مواجهة التهديدات الإرهابية في شمالي سيناء الضوء على الحاجة إلى إعادة تقييم فاعلية الدعم العسكري الأمريكي السنوي بقيمة 1.3 مليار دولار. وقد بدأت هذه المساعدة كمكافأة لقاء اتفاق السلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل، من خلال توفير مزود أسلحة بديل إلى القاهرة وإقامة رادع شبه عسكري بين مصر وإسرائيل. فالولايات المتحدة لا تستطيع ولا يجدر بها تحمل هذه المسؤولية بمفردها. وتولي الدول الأوروبية وحلف “الناتو” وإسرائيل اهتمامًا لمواجهة التهديد الذي يطرحه تنظيم “داعش” في هذه المنطقة ويجب أن تضطلع بدور فعال في تعزيز قدرة مصر على مكافحة الإرهاب.
ويكمن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في كيفية إقناع الحكومة المصرية بالموافقة على تلقي التدريب على مكافحة الإرهاب ودمجه في عقيدتها العسكرية. وعلى الولايات المتحدة إعادة توجيه علاقاتها العسكرية مع مصر وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التمرد الإسلامي المتنامي في سيناء. وعلى الولايات المتحدة أيضًا إقناع نظرائها الأوروبيين بإجراء تدريبات على مكافحة التمرد للقوات البرية والجوية المصرية. فالمناورات العسكرية المصرية-الأوروبية لا تزال محصورة بالمناورات البحرية التي لعبت تاريخيًا دورًا محوريًا في تسيير مصر دوريات جنوبي البحر المتوسط ومنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وعلى ضوء توسع “تنظيم “داعش” نفوذه في سيناء، يُعتبر التعاون البحري غير كافٍ ولا بدّ من تعزيزه فورًا.
وكانت الشكوك تساور الجيش المصري حيال أي ضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة على عمليات مصر العسكرية. ولطالما اعتبرت مصر المساعدات العسكرية الأمريكية بشكلها الحالي بمثابة مكافأة عن معاهدة السلام مع إسرائيل وستعتبر أي مراجعة لها تصرفًا غير ودي. لكن المشهد الحالي يشكل الوقت الأكثر ملاءمةً لإعادة هيكلة الجيش المصري ليتمكن من محاربة تمرد تنظيم “داعش” في سيناء نظرًا إلى حاجة نظام السيسي العميقة إلى تحقيق مكاسب سريعة من أجل إنعاش شرعيته بين أوساط المصريين. ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة ممارسة ضغوط على القيادة المصرية لتغيير أولويات اتفاقات الأسلحة التي تبرمها كي تشمل الأدوات اللازمة لمكافحة الإرهاب. وبدلا من ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اشترت مصر مؤخرًا غواصات ألمانية وحاملتي مروحيات برمائيتين فرنسيتين العام الفائت من الأموال الوطنية. وختاماً، وعلى الصعيد غير العسكري، يجب أن تتضمن الأولويات المصرية إزاء شمالي سيناء خطة تطوير تشمل توفير بنية تحتية أساسية واستحداث فرص عمل للسكان المحليين من البدو في سيناء، الذين جرى تهميشهم لعقود من الزمن.
محمد سليمان
معهد واشنطن