في الجمعة الخامسة من «مسيرة العودة» التي حملت تسمية «جمعة الشباب الثائر»، توافد آلاف الفلسطينيين إلى نقاط التجمع على امتداد الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل. غير أن هذه الجمعة لم تكن كسابقاتها، إذ إضافة إلى الاقتراب بخيام العودة المنصوبة إلى مسافة نحو 300 متر من الحدود، بعدما كانت على بعد نحو 700 متر، حاول عدد من الشبان منذ الصباح الباكر قطع السياج، قبل أن يتمكن عدد آخر من اجتيازه بعد الظهر. وكانت حصيلة المواجهات الحدودية مع قوات الاحتلال الإسرائيلية 3 شهداء و900 جريح.
وفي نقطة التجمع في مدينة رفح، على بعد 100 مترٍ من الحدود الشرقية للقطاع مع إسرائيل، ونحو 300 متر من الحدود الجنوبية مع مصر، أقام ناشطون عشرات «خيام العودة» وسواتر ترابية متعاكسة بغية حماية المحتجين والزائرين، وبعضهم لم يتجاوز الخمسين، ولم يصل المنطقة في حياته قط.
أراد الناشطون في رفح أن يقدموا شيئاً غير روتيني في إطار مسيرة العودة»: «وحدة الكاوتشوك» لا تفوت فرصة لنقل مئات الإطارات التالفة لإشعال النار فيها، من دون احتفاء «يليق» بها. أما «وحدة الأطباق الطائرة»، فلا تكتفي بوضع شعلة صغيرة في ذيل «الطبق»، بل إطار دراجة نارية صغير لإشعال نار كبيرة في الأحراج الإسرائيلية خلف السياج.
تبدو الأجواء الوطنية مختلفة في رفح، فالوحدة بين الفصائل والتيارات السياسية هي السمة الأبرز في المدينة الحدودية، التي تُعتبر آخر بقعة في الدول العربية في قارة آسيا، ومن توأمها رفح المصرية حيث تبدأ القارة السوداء أفريقيا.
يشعر سكان مدينة رفح «بوابة فلسطين الجنوبية»، البالغ عددهم أكثر من 250 ألف فلسطيني، بالشجاعة والفخر. قال أحدهم: «هنا قتلنا جنودهم وخطفنا (الجندي الإسرائيلي غلعاد) شاليت (عام 2006)، وهنا أيضاً قتلناهم مجدداً، وخطفنا جثة (الضابط هدار) غولدن» في الأول من آب (أغسطس) 2014 خلال الحرب الإسرائيلية الثالثة على القطاع.
«لا صحافيين كُثراً في رفح»، قال ماجد أبو ضاحي (40 عاماً) لـ «الحياة». وبينما تصدح عبر مكبرات الصوت أغنية «يا قلعة الجنوب يا رفح»، أشار أبو ضاحي بيده إلى برج عسكري إسرائيلي خلف السياج الفاصل مطلي باللون الأحمر ويرتفع نحو 30 متراً في السماء، وقال: «إلى هذا البرج صعد أحد مقاتلي لجان المقاومة الشعبية قبل أن يستشهد برصاص أحد الجنود». وتابع: «قرب البرج، خرج المقاتلون لليهود وقتلوا عدداً منهم وخطفوا شاليت، ومن المنطقة نفسها خرجوا لهم من تحت الأرض مجدداً، وقتلوا عدداً آخر وخطفوا غولدن».
لا يأبه الناشطون كثيراً لمصير غولدن، ولا أحد يعلم، يقيناً، إن كان قُتل أم لا يزال على قيد الحياة، فيما تلتزم حركة «حماس» الصمت المطبق، وترفض الإفصاح عن أي معلومات عنه، أو عن الجندي شاؤول أورون، أو الإسرائيليين الآخرين المحتجزين لدى الحركة، من دون مقابل.
لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا قبل أيام قليلة إن هناك مفاوضات سرية غير مباشرة مع «حماس» لاستعادة الأربعة، فيما لدى الفلسطينيين جميعاً يقين بأن إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً في مقابل إطلاقهم في أي صفقة تبادل أسرى مستقبلية.
ويصل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، ويُلقي أمام الحشود كلمة «عاطفية حماسية». يوجه التحية لأهالي رفح «قلعة الجنود»، ويستذكر خطف شاليت، لكنه يتعمد عدم ذكر غولدن ورفاقه الثلاثة المحتجزين لدى الحركة.