كان من شعارات الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي ترامب قبل عام ونصف العام تقريباً وعده للشعب الأمريكي أنه سيمزق الاتفاق النووي مع إيران، الذي وصف قبل ثلاث سنوات بـ»اتفاق خمسة زائد واحد» مع إيران، نسبة إلى خمس دول هي دول مجلس الأمن دائمة العضوية زائد ألمانيا. هذه الدول شاركت جميعها بالاتفاق النووي مع إيران، ووقعت عليه في يونيو 2015. وقبل توقيع ذلك الاتفاق أجرت أمريكا مفاوضات طويلة مع إيران، زادت على عشر سنوات، بما فيها سنوات العقوبات الاقتصادية المتواصلة، التي أثرت على الشعب الإيراني كثيرا، فنصفهم الآن يعيش تحت خط الفقر، بينما تواصل قيادة الحرس الثوري الإيراني بناء ترسانة عسكرية تقليدية هائلة، لا تعود بالنفع على الشعب الإيراني، ولن إيران تنفعه في حروبها مع أمريكا وإسرائيل، وإنما لتهديد جيرانها من الدول العربية والاسلامية، كما هو ثابت حتى الآن، إضافة لما تدعي أنه لحماية الثورة الإيرانية.
الحرس الثوري الإيراني يظن انه يستطيع من خلال توجيه ضربات صاروخية تقليدية غير جدية إيصال رسالة إلى إسرائيل أولاً، وإلى امريكا ثانياً، أنه يستطيع ان يستخدم قوته الصاروخية ضد إسرائيل، بينما اختارت الحكومة الإسرائيلية إيصال رسالة للقادة الإيرانية بقدرتها على تدمير مقرات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وبالنظر إلى عدم التكافؤ العسكري والتكنولوجي بين الضربات الإيرانية والضربات الإسرائيلية، فإن الرسالة الإسرائيلية تؤكد للإيرانيين أنهم عاجزون عن إلحاق الأذى بالدولة الإسرائيلية أو جيشها، فإسرائيل بتأكيد روسي، أرسلت ثمان وعشرين طائرة حربية وقصفت خمسين موقعا عسكريا إيرانيا بسبعين صاروخاً، بدون أن تتمكن إيران أو جيش بشار من إسقاط طائرة منها.
وحسب ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو: «فإن إيران خرقت الخط الأحمر في سوريا»، لمجرد محاولة الحرس الثوري الإيراني توجيه ضربة غير جدية لأراضي الجولان، بدون ان تحدث شيئاً.
مستوى هذه المعركة البسيطة دليل على ضعف إيران عسكريا، رغم ما بذلته في السنوات الماضية من اختيار مبدأ التسلح لحماية نفسها، ووقوع هذه المواجهة بين إيران وإسرائيل دليل على أن الفرصة التي قدمتها إدارة أوباما لإيران لتوسيع نفوذها ونفوذه في سوريا والمنطقة قد انتهت، كما انتهى الاتفاق النووي أيضاً. انتهاء الاتفاق النووي يعني عدم حاجة أمريكا لتوسيع نفوذ إيران في سوريا والمنطقة أيضاً، وبالتالي فإن عليها أن تلتزم بالحدود المسموح بها في سوريا عسكريا وسياسياً، بداية عبر الاتفاق مع إدارة أوباما للقضاء على الثورة السورية مقابل تنازل مؤقت عن مشروعها النووي ورفع العقوبات عنها. أما الآن فالحاجة الأمريكية لها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، أقل من ذي قبل بكثير، بينما ظنت أن هذا التمدد سيكون طويل الأمد، وأنها بتوسيع نفوذها في الوطن العربي ستجعل من نفسها رقماً صعباً في المعادلة العسكرية والسياسية في المنطقة، وهذا ما صرح به قادة إيرانيون عديدون، بأن إيران أصبحت لاعبا مهما في المنطقة، ولا يمكن تجاوز دورها، خاصة أن جنودها وميلشياتها على مسافات متقاربة مع الجيش الأمريكي في العراق وسوريا والخليج، وفي ظنها أن الأشد خطورة هو قرب ميليشياتها من الحدود الإسرائيلية، وبالتالي تستطيع التحرش بها عسكريا للضغط من خلالها على علاقاتها مع الغرب أولاً، ومع الدول العربية ثانياً، وهو ما تعارضه أمريكا وإسرائيل والدول العربية أيضاً.
ما ترسم له إيران أصبح في مهب الريح بعد أن انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي معها ، رغم معارضة الدول الخمس روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا هذا الانسحاب، ولكن ترامب التزم بوعده الانتخابي أولاً، ويعتبر الاتفاق كارثة بالنسبة لأمريكا والغرب والشرق الأوسط، وقد أعطيت إيران فرصة تاريخية لتهديد دول المنطقة بتفاهماتها مع وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري، وموافقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لأن أمريكا كان من أهدافها عام 2012 السماح لإيران بالتدخل العسكري في سوريا للحيلولة دون سقوط بشار الاسد، خاصة أن أمريكا واسرائيل وجدتا لدى ميليشيات بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني الجرأة على القتل الدموي للمعارضين بدرجة غير متوقعة، فغضتا النظر عنه، بدليل أن أمريكا والدول الغربية، فضلا عن روسيا والصين غضت النظر عن استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية والغازات السامة، طالما استخدمها ضد العرب والمسلمين أولاً، وطالما هي بدرجة غير فاضحة ولا محرجة لأمريكا والدول الغربية، فأمريكا لم تتحرك إلا بعد مجزرتي الغوطة الشرقية 2013 ومجزرة دوما 2018 الكيماويتين فقط، بينما استخدم بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد الأبرياء مئات المرات قبل هذا التاريخ.
ففي 2013 اكتفت أمريكا بمحاولة أخذ أداة الجريمة من الأسلحة الكيماوية من جيش بشار ولم تحاسبه على المجزرة، وفي 2018 اكتفت بتنسيق ضربات صاروخية مع بريطانيا وفرنسا، بدون أن تردع المجرم أولاً، ولا تردع حلفاءه الإيرانيين والروس، والغريب أن البنتاغون الأمريكي اعترف بأن الضربات الأمريكية والبريطانية والفرنسية تمت بالتنسيق مع روسيا، وبالتالي مع جيش بشار وجيش إيران وحرسها الثوري، فلماذا هذا التنسيق إذا كانت هذه الضربات عقوبة لمن استخدم السلاح الكيماوي ضد الأبرياء، كل ذلك يؤكد أن استخدام السلاح الدولي في سوريا هو جزء من تفاهمات دولية، وليس حربا حقيقية، فروسيا هي خط التواصل الإيراني الإسرائيلي اليوم، ونتنياهو كان في موسكو قبل ساعات من الضربة الإيرانية أولاً، وكذلك الضربة الإسرائيلية المدمرة للمواقع الإيرانية في سوريا ولمواقع الدفاع الجوي لجيش بشار، وكأن روسيا تنسق بين هذه الضربات ومدى تأثيرها على الخيارات السياسية المقبلة.
فلماذا قامت إيران بهذه الضربة التي لم تؤثر على إسرائيل، بل استفادت منها إعلامياً على المستوى الدولي، وقد تستفيد منها إيران داخل حدودها فقط، ما حصلته إيران هو تلقي قواتها في سوريا ضربات أدت إلى تدمير البنية التحتية لمعظمها، كما أدت إلى مقتل أربعة وعشرين منهم أربعة من جيش بشار، وحيث أن إيران لم تجرؤ على الاعتراف بأنها قامت بهذه الضربة على الجولان، وقالت إن قوات الأسد هي التي نفذتها، وبالأخص بعد توجيه كافة التنديدات الدولية الغربية لإيران وتحميلها المسؤولية، فإن تنصل إيران هو بمثابة تنصلها عن حق الدفاع عن نفسها. إسرائيل قتلت لها سبعة من كبار ضباطها في القاعدة العسكرية 47 قبل شهر، وكأن إيران تدرك أنها لا تستطيع خوض معركة علنية مع إسرائيل في سوريا، ومن باب أولى أنها لا تستطيع ذلك على أراضيها أيضاً، ومرد ذلك علمها وتيقنها بأن روسيا لن تدافع عنها في سوريا، وأن أسلحتها لا ترقى لمستوى الحرب التي قد تخوضها مع إسرائيل أو امريكا.
روسيا أوصلت الرسائل الاسرائيلية إلى إيران، وأبلغتها بالأماكن المحظور عليهم الوصول إليها، كما أبلغتهم نوع الأسلحة المحظور عليهم إرسالها إلى سوريا أو لبنان، وإلا فإن إسرائيل ستقوم بتدمير هذه القوات، وقد وصلت هذه الرسائل إلى القيادة الإيرانية بكل وضوح، ولكن إيران هدفت بافتعال مثل هذه الضربة البسيطة لتكون ورقة مشاركة في مفاوضات مستقبل سوريا السياسي، الذي تضغط أمريكا واوروبا على أن يكون من خلال مؤتمر جنيف وليس في مؤتمر أستانا.
هذه الرسالة استعجلت إيران بإيصالها إلى أمريكا عبر توجيه ضربة غير جدية لإسرائيل، لتقول إنها موجودة عسكريا وجاهزة لتوجيه قوتها في سوريا لما يؤذي المصالح الأمريكية والإسرائيلية في سوريا، إذا تم طردها واستبعادها من جني المكاسب في سوريا، مع إعلانها أنها لا تسعى لخوض حرب مع إسرائيل، وحجتها ان ذلك يوتر الأوضاع في المنطقة على ذمة الرئيس الإيراني حسن روحاني، أي أن إيران لا تسعى لتوتير المنطقة مع إسرائيل، في الوقت الذي قتلت فيه أكثر من مليون عراقي، ومثلهم في سوريا، فضلا عن تدميرها لعواصم الحضارة العربية الإسلامية في العراق وسوريا واليمن كفاتورة صداقة مع المشروع الأمريكي الغربي والصهيوني للمنطقة.
محمد زاهد غول
القدس العربي