“فتش عن إسرائيل”، ربما تنطبق هذه العبارة على ما يدور في كواليس اتصالات مثلث “عمان موسكو واشنطن” لتجنب مواجهة في جنوب سوريا بين قوات النظام والمعارضة، وفي الخفاء تدخل طهران وتل أبيب ودمشق على الخط لمحاولة عقد تسوية قد تغير موازين القوى في درعا والجولان.
ويقرأ مراقبون في تراجع قوات النظام السوري عن البدء بحملة عسكرية لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الجنوب، أنها انعكاس للتهديد الأميركي بالتصدي لهذه القوات.
وبين الحشود العسكرية والتهديد الأميركي، عكفت الأطراف الفاعلة في معادلة الجنوب على التحضير للقاء ثلاثي أردني روسي أميركي “بأسرع وقت”، وفقا لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
خارطة السيطرة
وتتوزع السيطرة في المناطق الخارجة عن سلطة النظام في جنوب سوريا على فصائل “الجبهة الجنوبية” التي دعمتها دول إقليمية بالسلاح عبر ما عرف بـ”غرفة الموك” في الأردن، وهي صاحبة السيطرة الكبرى على الأرض، إضافة لوجود المئات من عناصر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، وحضور محدود لحركة أحرار الشام، فيما يحتفظ تنظيم الدولةبوجود محدود عبر “جيش خالد بن الوليد” في منطقة واقعة بين سوريا والأردن وفلسطين المحتلة.
وتتوزع السيطرة في المناطق الخارجة عن سلطة النظام في جنوب سوريا على فصائل “الجبهة الجنوبية” التي دعمتها دول إقليمية بالسلاح عبر ما عرف بـ”غرفة الموك” في الأردن، وهي صاحبة السيطرة الكبرى على الأرض، إضافة لوجود المئات من عناصر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، وحضور محدود لحركة أحرار الشام، فيما يحتفظ تنظيم الدولةبوجود محدود عبر “جيش خالد بن الوليد” في منطقة واقعة بين سوريا والأردن وفلسطين المحتلة.
مقترحات ساترفيلد
وكانت تسريبات قد تحدثت عن “سلة حل” طرحها مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفد ساترفيلد، صاغه مع دول إقليمية مؤثرة في الملف السوري، بشأن تسوية في محافظة درعا جنوب سوريا.
وتضمن المقترح -وفقا لصحيفة الشرق الأوسط- انسحاب جميع المليشيات الأجنبية والتابعة للنظام إلى عمق 20-25 كيلومترا من الحدود الأردنية وهضبة الجولان المحتلة، مقابل خروج مقاتلي الفصائل العسكرية المعارضة وأسرهم إلىإدلب في شمال سوريا.
وينص العرض أيضا على استعادة قوات النظام سيطرتها على الحدود مع الأردن، وإعادة فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا تحت رقابة روسية أميركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أفكار ساترفيلد تضمنت احتمال تفكيك معسكر التنف الأميركي في زاوية الحدود السورية الأردنية العراقية.
الأردن: تجنب المواجهة
ويبدو الأردن حريصا أكثر من غيره على تجنب المواجهة في جنوب سوريا، بعد أن نجح العام الماضي بإدخال المحافظات الواقعة على حدوده الشمالية في مناطق خفض التصعيد، إثر اتصالات مكثفة مع موسكو وواشنطن أدت لفتح غرفة مراقبة ثلاثية للاتفاق الذي نجح حتى الآن في فرض الهدوء جنوب سوريا.
تتوزع السيطرة في المناطق الخارجة عن سلطة النظام في جنوب سوريا على فصائل “الجبهة الجنوبية” التي دعمتها دول إقليمية بالسلاح عبر ما عرف بـ”غرفة الموك” في الأردن، وهي صاحبة السيطرة الكبرى على الأرض |
يوم أمس الاثنين نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أردني كبير تأكيده على استمرار اتفاق الأردن وروسيا والولايات المتحدة على ضرورة الحفاظ على منطقة خفض التصعيد.
وتنظر عمّان بأهمية بالغة للحفاظ على اتفاق خفض التصعيد جنوب سوريا، كونه يؤمن حدودها الشمالية ويوقف تدفق موجات اللاجئين إلى المملكة التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ، بدأ الآلاف منهم بالعودة مستفيدين من حالة الهدوء في محافظة درعا.
في المقابل، تبدو عمّان متفقة مع دمشق على انتشار القوات الحكومية السورية على طول الحدود الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، بما يشمل الجولان المحتل الذي اختبرت فيه إسرائيل من جهة، ونظام بشار الأسد وإيران من جهة أخرى، تصعيدا محدودا تخشى الأطراف الإقليمية والدولية من تحوله إلى حرب مفتوحة.
الأردن وإسرائيل
وتتفق عمّان مع تل أبيب على أمرين رئيسيين:
– الأول: السماح بانتشار قوات النظام السوري على حدودهما مع سوريا.
– الثاني: منع تواجد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها -ولا سيما حزب الله اللبناني- على حدود البلدين، على أن تضمن موسكو وواشنطن ذلك.
وفي إسرائيل أيضا، تتحدث مصادر هناك عن أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرلمان سيتوجه إلى موسكو لإبلاغها بموافقتها على السماح لقوات الحكومة السورية بالانتشار على حدودها الشمالية ومع الجولان المحتل.
إسرائيل وافقت
وفي هذا الإطار، نقلت القناة الإسرائيلية الثانية عن “مصدر رفيع المستوى” أن إسرائيل وافقت على انتشار قواتالجيش السوري على حدودها الشمالية.
ونقلت وكالة نوفوستي الروسية أن الاتفاق تم بوساطة روسية، وأنه يضمن “انتشار الجيش السوري في مواقع على الحدود مع إسرائيل، ولقاء ذلك يعد الروس بعدم وجود الإيرانيين وحزب الله هناك”.
وعلى صعيد الموقف الروسي لا يبدو أن هناك جديدا، حيث أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -أمس الاثنين- التأكيد على أن “قوات الحكومة السورية هي الوحيدة التي يجب أن توجد على الحدود الجنوبية لسورية القريبة من الأردن وإسرائيل”.
مفاوضات إسرائيل وإيران
أما طهران التي تواجه موقفا أميركيا إسرائيليا أردنيا موحدا يرفض وجودها والمليشيات التابعة لها على الحدود الجنوبية السورية، فقد نفت يوم أمس بشدة أن تكون طرفا في أي محادثات مباشرة مع تل أبيب بخصوص ترتيبات جنوب سوريا.
إذ نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي صحة الأنباء التي تحدثت عن مفاوضات سرية غير مباشرة إيرانية إسرائيلية عبر الأردن بشأن جنوب سوريا، مؤكدا أن تلك الأنباء مجرد ادعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة.
النظام السوري: بأي ثمن
موقف النظام السوري يبدو حريصا على نتيجة رئيسية تتلخص في استكمال سيطرته على محافظات الجنوب، ويفضل الحل السلمي لذلك، على أن يترك لموسكو صياغة التفاصيل التي تتضمن تقديم ضمانات لإسرائيل، وربما إقناع إيران بالابتعاد عن الحدود الجنوبية.
وقبل يومين صرّح القائم بأعمال السفارة السورية بالأردن أيمن علوش أن دمشق ليست بحاجة لعملية عسكرية في المناطق الجنوبية ضد المسلحين، وتحدث عن اتصالات “للخروج من الموقف عن طريق الحوار”.
وفق مقال له اليوم، وضع المحلل السياسي والباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، ثلاث سيناريوهات للحل:
– السيناريو الأول:
إبقاء اتفاق خفض التصعيد الحالي قائما في درعا.
– السيناريو الثاني:
تنفيذ هجوم سوري إيراني على درعا في محاولة للوصول إلى الحدود الأردنية والإسرائيلية، والسيطرة على هذه المنطقة التي تعطي نقاطا إستراتيجية للنظام السوري.
ومما يعيق هذا السيناريو: “الفيتو الأميركي”، وبالتالي فإن الاستمرار فيه يعني الدخول في وضع جديد تماما، يتمثل بانهيار المعادلات الحالية كاملة، وحدوث مواجهة قد تكون شاملة.
– السيناريو الثالث:
يتمثل في إعادة تصميم الاتفاق الحالي الخاص بدرعا، والوصول إلى تفاهمات جديدة، وفقا لما تسرب من أفكار مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي ديفد ساترفيلد.
وبرأي أبو رمان فإن هذا السيناريو “ربما يكون أكثر استقرارا وضمانا للأردن ولأهل درعا، ويتيح الحديث عن إعادة فتح معبر نصيب، لكنّه مرتبط بقضايا أكثر تعقيدا، مع وجود خلافات داخل الإدارة الأميركية نفسها حوله، وسط حديث عن معارضة كل من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو هذه المقترحات، واحتمالية مغادرة ساترفيلد موقعه.
محمد النجار
الجزيرة