حرب كلامية تنذر بمواجهة بين ترامب وإيران

حرب كلامية تنذر بمواجهة بين ترامب وإيران

بدا بشكل واضح أن الردود الإيرانية على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو تخفي مخاوف حقيقية من أن ينزلق التصعيد مع الولايات المتحدة من بعده الخطابي الاستعراضي إلى حرب مباشرة مع إدارة أميركية من الصعب التكهن بسقف تهديداتها.

ووجه ترامب، الأحد، تهديدا شديد اللهجة للرئيس الإيراني حسن روحاني وطالبه بألا يهدد الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا فإنه سيواجه العواقب، وذلك بعد أن قال روحاني لترامب إن السياسات العدائية تجاه طهران قد تؤدي إلى “أم الحروب كلها”.

وقال ترامب في تغريدة على تويتر موجهة لروحاني “إياك أبدا أن تهدّد الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا فستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ”، مضيفا “لم نعد دولة تقبل كلماتكم المختلة عن العنف والموت.. احترسوا!”.

واعتبر محللون أن تصريحات ترامب القوية جاءت كرد مباشر على تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي وقبله روحاني بشأن غلق مضيق هرمز، وما تحمله من تهديد بتعطيل شحنات النفط من الدول المجاورة، والتي جاءت ردا على مساعي واشنطن لإرغام الشركات الدولية على التوقف عن شراء النفط الإيراني.

ويعتقد فراس إلياس، في تقرير لمعهد واشنطن، أنه حتى لو نجحت إيران في إغلاق المضيق لفترة وجيزة، فإنها لن تستطيع الصمود في مواجهة أي هجوم مباشر من قبل البحرية الأميركية، وهو ما أشار إليه عضو مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بشه، الذي قال إن إيران لا يمكن لها أن تغلق مضيق هرمز، وإن تصريحات روحاني الأخيرة هي للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.

وأخطر ما في الكلام الجديد لترامب، أنّه يصدر عن إدارة أميركية تعرف تماما، بالتفاصيل المملّة، الدور الذي لعبته إيران منذ العام 1979.

ولم يتردد ترامب في تعداد كلّ المآخذ الأميركية على إيران، بما في ذلك احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في سفارة طهران لمدة 444 يوما. وذهب إلى أبعد من ذلك، فتحدث عن دور إيران في تفجير السفارة الأميركية في بيروت في العاشر من أبريل 1983 وفي نسف مقر المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانية في الثالث والعشرين من أكتوبر من تلك السنة. وكانت تلك أكبر ضربة عسكرية، من زاوية عدد الضحايا، توجه إلى الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

وقال المحلل السياسي اللبناني خيرالله خيرالله إن إيران تتعاطى مع إدارة أميركية مختلفة كليّا عن إدارة باراك أوباما التي راهنت على الاتفاق في شأن الملف النووي واعتبرته الإنجاز الأهم للرئيس الأسود الأول الذي يدخل البيت الأبيض.

وأشار خيرالله في تصريح لـ”العرب” إلى أن ما يعطي فكرة عن بداية استيعاب إيراني لكلام ترامب وأفعاله تلك التحذيرات التي صدرت عن الرئيس حسن روحاني الذي استعان بلغة صدّام حسين، لعلّ ذلك يوفّر له دعما داخليا.

ولفت إلى أنه من الأكيد أن روحاني أذكى من أن يكون جاهلا بموازين القوى. إضافة إلى ذلك، فهو يعرف تماما أن رهانه مع وزير خارجيته محمّد جواد ظريف على إدارة أوباما سقط فجأة وأنّ هناك وضعا جديدا في واشنطن لا مفرّ من التعاطي معه.

وجاء التصعيد في لهجة التصريحات في وقت قال فيه مسؤولون أميركيون إن إدارة ترامب بدأت هجوما من خلال الخطب ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف إثارة القلاقل والضغط على إيران لإنهاء برنامجها النووي ودعمها لجماعات متشددة.

وقد واجهت إيران ضغوطا أميركية جديدة كما تلوح في الأفق عقوبات بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وندد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بقادة إيران في كلمة ألقاها مساء الأحد ووصفهم بأنهم “مافيا” ووعد بتقديم دعم لم يحدده للإيرانيين المستائين من حكومتهم.

وسخر روحاني من تهديد ترامب بإيقاف صادرات النفط الإيرانية قائلا إن إيران تتمتع بموقع مهيمن في الخليج ومضيق هرمز، الممر الرئيسي لشحن النفط.

وكانت واشنطن تعتزم في البداية منع إيران من دخول أسواق النفط العالمية بالكامل بعد أن تخلى ترامب عن الاتفاق الذي يهدف إلى تقليص طموحات طهران النووية. غير أن الولايات المتحدة خففت من حدة موقفها وقالت إنها قد تمنح استثناءات لبعض الحلفاء الذين يعتمدون على الإمدادات الإيرانية.

وتقول إدارة ترامب علنا إن سياستها إزاء إيران لا تهدف إلى “تغيير النظام” وإنما تغيير مسلك طهران حتى توقف نشاطها النووي والصاروخي وتتوقف عن دعم وكلاء في الشرق الأوسط وجماعات مسلحة.

وقال بومبيو “يرجع الأمر في النهاية إلى الإيرانيين لتحديد مسار بلدهم، والولايات المتحدة ستدعم صوت الشعب الإيراني الذي تعرض للتجاهل لفترة طويلة”.

ويخشى الكثير من الإيرانيين أن تؤدي حرب الكلمات إلى مواجهة عسكرية، ولكن مطلعين على بواطن الأمور في طهران يستبعدون أن تكون السلطات الإيرانية على استعداد لمواجهة من هذا الحجم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والغضب الشعبي الواسع بسببها.

وتتخوف السلطات في طهران من أن تنجح واشنطن في استثمار تلك الأزمات لتوجيه ضربات ولو محدودة لمواقع رمزية إيرانية، خاصة في محيط مضيق هرمز، لذلك ركز المسؤولون على وحدة الإيرانيين لمواجهة التهديدات الأميركية.

وقال بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “مثل هذه السياسات ستوحّد الإيرانيين الذين سيتغلبون على المؤامرات التي تحاك ضد بلدهم”.

ووفق ما نقلته وسائل إعلام إيرانية عن قائد قوات الباسيج الإيرانية غلام حسين غيب برور، أنه سعى إلى التهوين من التصريحات الأميركية، معتبرا أن تهديدات ترامب إنما تدخل في إطار “الحرب النفسية”.

وقال الجنرال برور، وفق ما نقلت عنه وكالة إيسنا، إن “تصريحات ترامب الموجهة ضد إيران هي حرب نفسية. إنه ليس في موقع يسمح له بالتحرك ضد إيران”.

العرب