اجرى المراسل الأجنبي المخضرم ريس إرليخ، مقابلات مع القادة الاكراد والمقاتلين البيشمركة ومسؤولين أمريكيين، في شمال العراق مع بداية حملة القصف الأمريكية ضد “داعش”، وقال إن الواقع على الأرض مختلف عن الدعاية المقبلة من واشنطن.
-“الدولة الإسلامية” تمثل تهديدا فوريا ضد مواطني الولايات المتحدة
في تبرير الهجمات الجوية على سوريا في 23 ايلول/ سبتمبر قال الرئيس باراك أوباما “لن نتسامح مع الملاذات الآمنة للإرهابيين الذين يهددون شعبنا”. رأيت بنفسي عشرات الآلاف من الايزيديين الذين أجبروا على الفرار من مقاتلي “داعش” ، والاخيرة مجموعة غير إسلامية، يمينية تشكل تهديدا حقيقيا لشعب سوريا والعراق. ولهذا فليس بمقدور الولايات المتحدة هزيمة “الدولة الاسلامية”، فمن يهزمها هم ابناء المناطق التي يوجد بها مقاتلو هذا التنظيم،علماً ان تهديد هؤلاء للشعب الأمريكي لا يقل عن تهديد القاعدة وفروعها.
وفي غضون أسابيع، اعترفت إدارة أوباما بان تهديد “داعش” الارهابي لا يعد خطراً ملحاً على الولايات المتحدة، لتركز على مجموعة اخرى غير معروفة، تدعى “تنظيم خراسان”، وتشير الآن الأدلة الى أن تهديد هذا التنظيم مبالغ فيه، لتبرير توسيع نطاق القصف الامريكي الى سوريا.
– لا تشن الولايات المتحدة الحرب، انما هي “عملية لمكافحة الإرهاب”
كل من إدارتي بوش وأوباما تمكنتا من إعادة تعريف الحرب، على أنها تعني تلك الصراعات التي يموت فيها اميركيون فقط، وتبلغ تكاليف معاركها أكثر من 10 مليارات دولار. ولكن ما رأيته من داخل شمال العراق، بدا حرباً فعلية. وقد قتلت القنابل الامريكية بالفعل المدنيين، وخاصة في سوريا، حيث لا تمتلك الولايات المتحدة اية معلومات استخباراتية على ارض الواقع. ومرة أخرى، فإن الولايات المتحدة تشن حربا مفتوحة على المدى الطويل، دون الاهتمام الناس في المنطقة.
– لا تملك الولايات المتحدة الأحذية على الأرض
تمتلك الولايات المتحدة قوات قتالية في العراق، حيث اعترف لي دبلوماسي أمريكي بذلك، قيام الراصدين الاميركيين في المنطقة الكردية بتحديد إحداثيات الضربات الجوية، اما المستشارون الامريكيون فهم مسلحون، وعلى استعداد لاطلاق النار اذا ما تعرضوا لهجوم، وفي حال اسقط المتمردين طائرة أمريكية، فإن فرق انقاذ مكونة من طائرات مروحية مسلحة تذهب إلى أرض العدو لإنقاذ الطيارين. من خلال إعادة تعريف “القوات القتالية” ليس على مستوى شن الحرب في الشرق الأوسط، ولكن على صعيد اللغة الإنجليزية.
وخلال الاسبوع الاول من حملة القصف، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي ان الولايات المتحدة قد تضطر إلى إدخال القوات القتالية البرية في العراق، سرعان ما تنصل البيت الأبيض من هذا التصريح، ولكن قادة الحزب الديمقراطي وصقور الحزب الجمهوري يضغطون بالفعل على أوباما لجهة ارسال قوات قتالية. إذ أثبتت الحرب الجوية انها غير قادرة على تدمير “داعش”، فإن من المرجح إدخال المزيد من القوات البرية، وربما اعادة تسميتها “محدودة ومؤقتة، واستشارية لمكافحة التمرد.”
–شكلت الولايات المتحدة تحالفا قابلا على هزيمة “الدولة الإسلامية“
تباهى الرئيس أوباما بتشكيل ائتلاف واسع يشمل المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن وبريطانيا واستراليا وفرنسا وبلجيكا، بينما تبقى إسرائيل شريكا صامتا، ولا تزال الولايات المتحدة القوة العسكرية الرئيسة فيه، وتتولى توجيه الضربات الجوية. ولكن لابد من قتال في الميدان، وحلفاء الائتلاف لن يفعلوا ذلك. في العراق تشكلت حديثا الحكومة برئاسة حيدر العبادي وبتأييد من السنة والأكراد، وهما المكونان الرئيسان لاي نظام قابل للحياة في المستقبل، والحقيقة ان الوزارة الجديدة لديها من الوزراء السنة أقل من مما كانت عليه الحكومة التي فقدت مصداقيتها السابقة بزعامة نوري المالكي.
ويبدو ان التحالف الأمريكي مع إسرائيل والدول السنية مثل السعودية، يغضب الحكومة العراقية التي لا تزال حليفا وثيقا لإيران. وهو تحالف زائف ومحكوم منذ البداية، يشبه تحالف عام 2003، وستتولى الولايات المتحدة عمليتا تمويل وخوض هذه الحرب حتى دحر المعارضة المنظمة أو تستفد طاقات الجمهور. والملاحظ ان إدارة أوباما نسيت أن الإنفاق العسكري غير المقيد في بداية الالفية الثانيةعجلت في ظهور أسوأ أزمة اقتصادية مرت بها البلاد منذ الكساد العظيم.
–يمكن للولايات المتحدة محاربة “داعش” وغيرها من المتطرفين دون مساعدة من بشار الأسد وإيران و”حزب الله”
كانت إدارة أوباما قبل عام مضى تقرع طبول الحرب، ضد استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه، واليوم تقصف الولايات المتحدة المسلحين المعارضين للأسد. فالحرب الأهلية السورية هي لعبة محصلتها صفر، فإضعاف أعداء الأسد يقوى النظام، فإضعاف أعداء الأسد يقوى النظام، وليست الهجمات الامريكية على “داعش”، الا مصدر سعادة للأسد وحلفائه ولكن إذا تم إضعاف المتطرفين، فان المعارضين الموالين للولايات المتحدة سوف يملأون الفراغ. والسؤال هو كم من الوقت سوف يستغرق بالنسبة للولايات المتحدة لتبدأ بقصف أهداف للجيش السوري؟
– الولايات المتحدة تدعم المعارضة المعتدلة
خلافا لانتقادات المحافظين، حاولت إدارة أوباما ايجاد جماعات مدنية ومسلحة موالية للولايات المتحدة. لكنها فشلت في ذلك، ليس بسبب “عدم وجود قيادة” بسبب عدم قبول السوريين السياسات الامريكية. وفي المقابلات التي أجريتها داخل سوريا والدول المجاورة، أدلى نشطاء المعارضة بأنهم يعارضون الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، ودعم واشنطن لإسرائيل. فالسوريون الذين التقيت بهم تريدون انسحاب اسرائيل من مرتفعات الجولان التي احتلتها في عام 1967، علماً بان الولايات المتحدة ليست لهذه المناقشة.
وفي الوقت نفسه، فان حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية لديها متطرفين ينتمون الى “جبهة النصرة” وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة. والتي تشابه في مقارباتها الايديولوجية ما تعتنقه “داعش” إلا أن خطط الولايات المتحدة بخصوص دعم السعودية للمعارضة السورية المعتدلة، كمثل من يسأل آل كابوني لتدريب طلاب الشرطة في شيكاغو.
– الولايات المتحدة تحارب للدفاع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون وليس من اجل النفط
على مدى السنوات الثلاث الماضية واجهت سوريا والعراق أزمات إنسانية هائلة، فالتدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة، جاء بسبب تهديد المنطقة الكردية الغنية بالنفط في العراق. إذ يحتل اقليم كردستان المرتبة التاسعة من حيث الاحتياطيات النفطية في العالم، ويمكنه في نهاية المطاف ان يحل محل روسيا كمورد رئيس للنفط والغاز إلى أوروبا.
ولدى الاقليم أكثر من 50 شركة نفط أجنبية، ويجري توقيع العديد من صفقات بيع النفط مع المسؤولين الأكراد، بل ان بعض المديرين التنفيذيين لشركات النفط يدعون بلا خجل لمزيد من الدعم العسكري لاقليم كردستان.
النفط هو عامل واحد فقط، فالولايات المتحدة تريد حكومات صديقة في بغداد ودمشق، ولن يضر احد انشاء عدد قليل من أكثر القواعد العسكرية في المنطقة. أيا كان فان هناك مزيجا من الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية وراء هذه الحرب الاخيرة، ليس من بينها احترام حقوق الإنسان.
–الرئيس أوباما لديه السلطة القانونية لقصف كل من العراق وسوريا
للرئيس أوباما لديه السلطة بشن الحرب الحالية على أساس، التصويت الذي اجراه الكونغرس في عام 2001 لمحاربة القاعدة على هجومها في 9/11. بالطبع، “فداعش” ليست جزء من تنظيم القاعدة، وعصر تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن لم يعد موجوداً، ويبدو ان من هم في السلطة، يمكنهم الحصول على محاميهم لإيجاد مبرر قانوني لأي شيء.
لقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى تصويت الامم المتحدة، كما دعا بعض الجمهوريين والديمقراطيين الى تصويت الكونغرس بموجب قانون سلطات الحرب. أوباما مثل بوش، يعتقد أن الرئيس يمكن شن حرب في أي وقت، وسوف يتسامح مع تصويت الكونغرس فقط في حال فوزه.
–القادة الأكراد هم حلفاء مقربون ضد “داعش”
في يونيو 2014 لم تقاتل البشمركة الكردية عندما استولت “الدولة الاسلامية” على الموصل والمناطق السنية الأخرى من العراق. وفي الواقع، كان قادة من الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم قد اجتمعوا سرا مع زعماء العشائر السنية، والاتفاق على عدم اعتداء.
وبسبب انهيار الجيش العراقي، وسعت القيادات الكردية من مساحة الارض التي تحكمها بنسبة 40 %. وسيطرت على كركوك الغنية بالنفط، وهي منطقة متنازع عليها منذ فترة طويلة بين الأكراد والعرب. قال لي قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ليس لديهم نية لإعادتها إلى سيطرة الحكومة المركزية، انهم يستعدون للقيام باستفتاء على الاستقلال في المناطق التي توسعوا بها حديثا.
وفي شهر أغسطس الفائت، عندما هاجمت “داعش” المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، مهددة اربيل انخرط البيشمركة لمحاربة هذا التنظيم. ويعتبر قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ان مقاتلة “داعش” خطوة تكتيكية نحو تأسيس كردستان المستقلة. وإذا ما توقف تهديدها لكردستان، فلا مصلحة للأكراد في القتال داخل المناطق العربية من العراق. وتوفر الولايات المتحدة والقوى الأوروبية أسلحة جديدة إلى البشمركة، التي تستهدف اليوم “داعش” وقد تستخدم غدا، ضد الجيش العراقي.
-عدم تفاوض الولايات المتحدة مع الإرهابيين
يدعي قادة اميركيون ان الولايات المتحدة لم تدفع فدية لمواطنينها المختطفين، على غرار ما تفعله بعض البلدان الأخرى، واعتبر أحد قادة الجيش الامريكي، انه بسبب هذه السياسة فان عددا أقل من الأمريكيين سيتم اختطاف، ولعلها أسطورة أخرى.
لقد سبق ان تفاوضت الولايات المتحدة مع طالبان، باستخدام طرف ثالث، للافراج عن سجين أمريكي في أفغانستان مقابل خمسة سجناء من غوانتانامو. وأفرج عن اثنين من المتنزهين الأميركيين المحتجزين في ايران، بعد وساطة من السلطان قابوس، ودفعوا لايران ما كان يسمى مجازا “كفالة”.
باعتباري صحفي مستقل اكتب عن الشرق الأوسط ممنذ 28 عاما، ولدي اهتمام خاص في الإفراج عن المخطوفين. ولكن تعلمت أيضا أن جريمة الخطف الانتهازية يتم فيها أولا، خطف شخص. ثم معرفة جنسيتة والفدية المحتملة التي يمكن للخاطفين الحصول عليها، الذين يعرفون جيداً أن الولايات المتحدة ستوم بدفع الفدية عندما يكون الضغط عليها كبيرا بما فيه الكفاية.
وتبدو واشنطن اليوم سعيدة بهذه الحرب الجديدة، ويتبين من خلال تقديم المسؤولين للرئيس تقارير متفائلة بشأن الغارات، فضلاً عن قيام وسائل الإعلام بالدعاية لهذه الحرب. وتظهر استطلاعات الرأي العام دعم إدارة التصميم لادارة اوباما.
ولكن كما رأينا في فيتنام وأفغانستان والعراق فان القوة العسكرية للولايات المتحدة لها حدود. وفي حال خسارة الحرب سياسياً، سيتحول الرأي العام ضد حرب غير ضرورية أخرى. وسوف ينضم أوباما الى بوش كرئيس آخر فشل في زمن الحرب.
ريس إرليخ هو المراسل الأجنبي الذي اشتغل في الهجاء السياسي من خلال كتابه مؤلفه “انتفاضة سوريا: الأسد والمتمردين، وسياسة الولايات المتحدة.”
http://www.globalresearch.ca/ten-myths-about-obamas-latest-war-in-iraq-and-syria/5406061