طرحت جماعة الإخوان المسلمين بمصر مؤخرا مبادرة جديدة مكونة من عشرة بنود؛ بهدف إخراج الوطن مما اعتبرته “نفقا مظلما” أدخله فيه “الانقلابيون”.
ومن أهم هذه البنود إجراء انتخابات رئاسية جديدة، يدعو لها الرئيس المعزول محمد مرسي، واستعداد الجماعة لإجراء مراجعات حقيقية لمواقفها السابقة، والدعوة لـ “حوار وطني مجتمعي شامل في مناخ صحي”.
وقالت الجماعة -في بيانها- إن أفضل طريق للخروج من النفق المظلم هو عودة مرسي إلى سدة الحكم على رأس حكومة ائتلافية يتم التوافق عليها من القوى الوطنية لمدة محددة وكافية، يتم خلالها تهيئة البلاد لإجراء انتخابات حرة نزيهة، تُشرف عليها هيئة قضائية مستقلة، تتوافق عليها القوى الوطنية دون إقصاء أحد.
ورأى خبراء ومراقبون أن الجماعة بهذا الطرح تبدي وللمرة الأولى تجاوزها الحديث عن عودة كاملة “للشرعية” التي يُعبر عنها عادة بضرورة عودة مرسي لاستكمال فترة رئاسته السابقة (ثلاث سنوات) بصلاحيات كاملة.
لكنهم قللوا في الوقت ذاته من جدوى وفاعلية هذا الطرح، في ظل افتقار الجماعة لأوراق قوى تدعم هذه المبادرة.
وأوضح القيادي بالجماعة محمد سودان أن المبادرة تقطع الطريق أمام سيل المبادرات التي أطلقت مؤخرا، ويُطلب من الإخوان الاستجابة لها والتجاوب معها.
ولم ير سودان في حديثه للجزيرة نت أن الجماعة بطرحها المبادرة تراجعت عما أعلنته في أوقات سابقة من مبادئ ومرتكزات تدعم الشرعية، معتبرا هذا الطرح يرفع ورقة التوت عمن يتهم الإخوان برفض الحلول السياسية أو التجاوب مع أي مسارات تساعد في حلحلة الأزمة.
وعن تزامن طرح المبادرة مع ذكرى فض اعتصامي رابعة والنهضة، يقول سودان إن الجماعة تهدف بذلك إلى تذكير المجتمع الدولي بمشاركته في هذه الجريمة من خلال دعمه قائد الانقلاب والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي واعترافه به، مشددا على أن الإخوان لن ينسوا دماء ضحايا الانقلاب، ومُصِروُن على القصاص مهما طال الزمن.
غير واقعية
لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة يرى أن الشروط التي وضعتها الجماعة “مفارقة للواقع”، وتدل على افتقادها للذكاء السياسي اللازم والمتناسب مع حساسية المرحلة.
وفي حديث للجزيرة نت، قال نافعة إنه كان من الأجدى الاكتفاء بتأكيد الاستعداد للحوار مع كل القوى الوطنية دون استثناء، والتعهد بالالتزام بمخرجات هذا الحوار من حلول للأزمة الراهنة في حال انعقاده، حتى وإن كان (الحل) لا يتوافق مع رؤيتها وتطلعاتها، ما دام أنه صادر عن إجماع يراعي مصلحة الوطن ومقدراته.
ويقلل نافعة من قيمة أي مبادرة صادرة عن أي فصيل سياسي، كون النظام القائم لن يسمح بمراجعة مواقفه، وسيفشل أي تحرك في هذا السياق، مع عدم امتلاك جماعة الإخوان وغيرها من القوى السياسية أي نقاط قوة تساعد على تفعيل تلك المبادرات، وفق تقديره.
وجاء إعلان الإخوان عن مبادرتهم متزامنا مع الذكرى الخامسة لفض اعتصامي رابعة والنهضة، وهو ما اعتبره مراقبون توقيتا غير مناسب للإعلان عن رؤية حل سياسية، لما قد يحمله من رسالة ضمنية بإمكانية التنازل عن حقوق ضحايا الفض، بينما ذهب آخرون لاعتباره دليلا على توازن الجماعة وابتعادها عن الخطابات الشعبوية.
حالة ارتباك
ويرى رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير أن “إشكالية” مبادرة الإخوان هي عدم وضوح الجهة الموجهة لها، حيث لم يتضح ما إذا كانت موجهة للنظام المعني بالتراجع عن مقتضيات الانقلاب، أم القوى السياسية المصرية المختلفة مع الجماعة في ضرورة عودة مرسي للحكم مرة أخرى.
ويضيف أن بيان الإخوان يعكس “حالة ارتباك تعيشها الجماعة”؛ كونه يدل على أنها تتحدث كأنّها في حالة نديّة حقيقية مع النظام، وتمتلك أوراق قوة تساعدها، والحقيقة غير ذلك، حسب تعبيره.
ويقول إن النظام لا يكترث لمثل هذه المبادرات، لعدم وجود ما يجبره على أي تفاعل معها.
ويخلص إلى أن الإخوان أرادوا من خلال هذا الطرح تمرير فكرة قبولهم بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكنه يراها فكرة تجاوزها الزمن، معتبرا أن البيان يكشف افتقاد الجماعة لرؤية حقيقية للحل، حيث لم توضح كيفية تفعيل مبادرتها، سواء على مستوى التعامل مع النظام القائم أو باقي شركاء الثورة.
بدوره، يرى نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية مختار الغباشي أنه لا جدوى لهذه المبادرة في المشهد الراهن.
ويصف مبادرة الإخوان بأنها “شكل من أشكال السذاجة السياسية”، وتدل بوضوح على افتقار الجماعة للغة السياسة والمرونة الضرورية للخروج من النفق المظلم الذي تريد إخراج الوطن منه.
المصدر : الجزيرة