بالرغم من أن قادة حركة حماس وفصائل أخرى تساندها، يؤكدون استمرار الجهود والوساطات التي تقوم بها مصر والأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق تهدئة جديد في غزة، إلا أن الأسبوعين الأخيرين شهدا تصعيدا في فعاليات «مسيرات العودة» التي تشهدها حدود غزة منذ 30 اذار/مارس الماضي، وذلك من خلال العودة لأساليب المقاومة الشعبية التي جرى تقنينها مؤخرا، وبإدخال طرق جديدة. ومنذ أن جرى تأجيل جولة الحوار الثانية لمباحثات التهدئة، التي كان من المفترض أن تستضيفها العاصمة المصرية القاهرة، قبل ثلاثة أسابيع، على غرار الجولة الأولى، بحضور قيادات من حركة حماس، وفصائل أخرى من منظمة التحرير، هما الجبهتان الشعبية والديمقراطية، وفصائل المقاومة التي تساند حماس، أكد قادة تلك الفصائل وعلى رأسهم قادة حماس، أن الجهود المصرية التي تأجلت لوقت لم يحدد بعد، لم تتوقف.
مطالبات بتحرك الوسطاء
غير أن قادة حماس الذين أكدوا استمرار الجهد المصري، أشاروا إلى ضرورة تحرك الوسطاء بشكل عاجل، مشيرين إلى أن الوقت الذي يمر لن يكون في صالح الوسطاء، وهو أمر عبر عنه صراحة نائب رئيس الدائرة السياسية في الحركة عصام الدعاليس، وهو ما فهم على أنه يحمل إشارة على عدم رضا الحركة على تأخر وإرجاء هذه الجهود لمراحل لم تحدد، بناء على طلب من حركة فتح التي أكدت للمصريين، على ضرورة اتمام المصالحة قبل التهدئة.
وقد جاء ذلك بعد أن دعا خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في رسالة وجهها خلال لقاء مع الصحافيين في غزة للوسطاء، بضرورة تحمل مسؤولياتها في حال فشل جهود التهدئة ورفع الحصار عن قطاع غزة، مؤكدا أيضا على أن الوقت غير مفتوح أمامهم للوصول إلى إنهاء معاناة غزة ورفع الحصار عنها.
وكان من المفترض أن يعود قادة حماس وفصائل أخرى للقاهرة بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، لخوض جولة مباحثات ثانية، على أن تنتهي بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق تهدئة.
ولم تمانع حركة حماس، حسب تصريحات العديد من قادتها التوصل إلى تلك التهدئة، التي تمر بعدة مراحل، وتبدأ بتخفيف كبير للحصار عن غزة، على أن يصار إلى إنهائه، وكذلك تسهيل حركة سفر الفلسطينيين من معبر رفح، وفتح مشاريع إغاثية في القطاع، على أن تنتهي المراحل بعقد اتفاق لتبادل الأسرى، غير أن إرجاء البحث في هذا الملف، جعل الحركة تشعر بضيق كبير، خاصة بنجاح خصمها حركة فتح، بإعادة طرح ملف المصالحة على الوسطاء المصريين، كملف أساسي قبل التهدئة، التي اعتبرتها فتح بصيغتها الحالية، مقدمة لفصل غزة عن الضفة، كونها ستوقع بعيدا عن منظمة التحرير.
عودة لأسلوب الضغط
وقد لوحظ أن حركة حماس ومعها الفصائل التي تساندها «فصائل المقاومة»، انتهجت خلال الأسبوعين الماضيين أسلوبا جديدا، يهدف لـ «الضغط» على إسرائيل، التي تحتاج التهدئة كثيرا، لضمان عودة الهدوء إلى مناطقها الجنوبية، والتي شهدت خلال الأشهر الماضية، جولات قتال مسلح، كادت أن تفضي إلى اندلاع حرب.
نهج حماس جرى الكشف عنه عمليا، بعد تصريحات لمسؤولين كبار، دعوا لزيادة وتيرة فعاليات «مسيرات العودة» بذات الطريقة التي كانت قائمة قبل البدء بجولة الحوار الأولى، حيث لوحظ انخفاض حجم الفعاليات في «مخيمات العودة» بناء على طلب الوسطاء، قبل وبعد عيد الأضحى، قبل أن تعود خلال الجمعتين الماضيتين إلى عملية وصفت بـ «التصعيد التدريجي».
ويوم الجمعة الماضية والتي سبقتها، وما بينهما من أيام، لوحظ تصاعد فعاليات «الشباب الثائر» في المخيمات المقامة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حتى أن الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، قررت في هذا الإطار إقامة مخيم سادس، قرب الحدود الشمالية للقطاع من جهة البحر، تقام فيه الفعاليات عصر كل يوم اثنين، من خلال مراكب تحمل متظاهرين، تقترب من منطقة الحدود المائية الفاصلة عن إسرائيل، رغم مواجهتها هناك بالنيران الحية التي يطلقها جنود الاحتلال.
ولوحظ خلال الجمعتين الماضيتين عودة الهيئة المشرفة على فعاليات «مسيرات العودة» لتكثيف دعواتها للمشاركة في فعاليات الجمع، وطلبها من السكان النزول والتحشيد، وقالت في بيان أصدرته قبل يومين «لنعلي الصوت ونرفع البيارق، بأن خيارنا مقاومة وشعارنا نضال حتى التحرير والعودة».
أسلوب جديد
وفي تطبيق عملي للدعوات، زاد عدد المشاركين الذين وصلوا خلال الجمعة الأخيرة لمخيمات العودة، وأبدوا إصرارهم على الاقتراب من السياج الفاصل، وتحدي جنود الاحتلال، الذين أطلقوا صوبهم الرصاص بشكل مباشر، موقعين في صفوفهم الإصابات.
وقال الناطق باسم حماس عبد اللطيف القانوع، إن مراهنة الاحتلال على «حرق الوقت» ستكون خاسرة ولن تجلب له الهدوء والاستقرار على حدود غزة، وذلك في رده على تأخر مباحثات التهدئة، لافتا إلى أن «مسيرات العودة وكسر الحصار ماضية بكل إصرار وبالتفاف شعبي أوسع وبأدوات ووسائل جديدة حتى تحقيق كامل أهدافها».
وقد ترافق ذلك مع عودة عمليات إطلاق «البالونات الحارقة» بوتيرة آخذة بالتصاعد، بعد انخفاض هذه العمليات خلال الأسابيع الماضية، لتعلن إسرائيل أن عددا منها أحدث حرائق جديدة في مناطق «غلاف غزة»، خاصة وأنها تتحسس كثيرا من هذه العمليات، التي أدت سابقا إلى إحداث حرائق في 32 ألف دونم من الأحراش والأراضي الزراعية، وكبدت اقتصادها خسائر مالية.
كما ترافق الأمر، مع دخول وحدة جديدة تعمل في سباق «مسيرات العودة» ساحة العمل، فبعد «وحدة الكاوتشوك»، و»وحدة قص السياج»، أسس مجموعات «الشباب الثائر» وحدة عمل ميداني جديدة، باسم «وحدة الإشغال الليلي»، وتضم شبانا، يعملون على مقارعة جنود الاحتلال في ساعات الليل قرب الحدود، بشكل لم يعتد عليه الجيش الإسرائيلي منذ بداية فعاليات مسيرات العودة، حيث جرت العادة على انتهاء الفعاليات قبل حلول المغرب.
مهام هذه الوحدة حاليا، تتمثل في إطلاق صافرات الانذار قرب الحدود، لإخافة الجنود، وإشعال النيران في إطارات السيارات، فيما باشرت «وحدات قص السياج» عملها من جديد، وسجلت خلال الأيام الماضية عدة اختراقات، تمكن خلالها شبان من اشعال النيران في ثكنة عسكرية بعد اختراق الحدود، متحدين رصاص القناصة الإسرائيلية الذي أوقع أحدهم شهيدا.
ويرى المراقبون أن هذه الفعاليات، من شأنها أن تحدث ضغطا على إسرائيل، في حال بقيت على شكلها الحالي، بحيث لا تنجر الأمور إلى اندلاع جولة قتال مسلح، على غرار المرات الماضية، خاصة وأن حكومة إسرائيل أقرت بعدم ممانعتها التوصل إلى تفاهمات مع إطراف عدة، للتوصل إلى تهدئة في غزة.
يذكر أن قطاع غزة يعيش أوضاعا اقتصادية وإنسانية سيئة للغاية، بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي الممتد منذ 12 عاما، والذي أدى إلى تفاقم وزيادة في نسب الفقر والبطالة، وأكدت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته قبل أيام، أن الأوضاع في غزة «كارثية» بسبب الحصار، وأن الوضع في القطاع أصبح غير صالح للعيش.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» أن تجميد عملية إعادة البناء في غزة، والاستهلاك العام والخاص الممول بالديون «ترسم صورة قاتمة للنمو المستقبلي».
أشرف الهور
القدس العربي