الإعتقاد السائد في إسرائيل هو أن حرية الحركة التي تمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية على مدى السنوات الماضية قد تتقلص بعد حادثة لم تكن بالحسبان وقعت مساء الإثنين الماضي.
في مساء ذلك اليوم، أسقطت المضادات السورية طائرة روسية على متنها 15 ضابطاً روسياً في الأجواء السورية، فوجهت روسيا الاتهام إلى إسرائيل بالمسؤولية عن الحادث.
سارعت إسرائيل الى التعبير عن الأسف لسقوط الطائرة الروسية بعد اتهام سوريا بالمسؤولية عن إسقاطها، وهو ما تم التعبير عنه أيضا في مكالمة هاتفية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل وصول وفد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى الى العاصمة الروسية موسكو الخميس لشرح الموقف.
ولكن في منطقة تتنازعها الحروب وتتقاتل فيها الدول لتحقيق مصالحها تبدو عبارات الأسف والتضامن غير ذي فاعلية.
“هناك تخوف كبير في إسرائيل من الخطوات التي قد تقدم عليها روسيا” قال آفي سخاروف، المحلل في موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي المستقل.
وأضاف “مبعث المخاوف الإسرائيلية هي نوع القيود التي قد تفرضها روسيا على حرية حركة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمتها أهداف إيرانية وسورية في العمق السوري”.
“مبعث المخاوف الإسرائيلية هي نوع القيود التي قد تفرضها روسيا على حرية حركة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمتها أهداف إيرانية وسورية في العمق السوري”.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن مؤخرا إن طائراته نفذت نحو 200 غارة ، غالبيتها على أهداف إيرانية، في سوريا خلال العام 2017.
وقال سخاروف: “لقد حرصت إسرائيل دوماً على عدم وقوع أي مشكلة مع روسيا وهناك بالطبع تنسيق مستمر بين إسرائيل وروسيا سواء على المستوى السياسي او على المستوى العسكري ولكن ما حدث الاثنين كانت بمثابة مشكلة كبيرة”.
وأضاف: “لم يكن أحد ليتوقع سقوط طائرة روسية تقل ضباطا، صحيح أن إسرائيل ليست مسؤولة وقد اعلنت ذلك رسميا ونشرت نتائج التحقيق الأولي للجيش وكان هناك تخفيف في حدة الموقف الروسي، ولكن هناك مشكلة”.
وتابع: “الوضع الآن يمكن تلخيصه بعبارة “ننتظر ونرى”، فما هو نوع القرارات التي ستتخذها روسيا ؟ لا أحد يدري ولكن هناك محاولة إسرائيلية حثيثة للإبقاء على التفاهمات القائمة”.
واعتبر المحلل الإسرائيلي في هذا الصدد أن “الروس يلعبون لعبة مزدوجة، فهم من ناحية ينسقون مع السوريين ويوفرون لهم الحماية، ومن ناحية اخرى، يعطون إسرائيل الضوء الأخضر لضرب أهداف إيرانية في سوريا لمنع أي تموضع إيراني على الأراضي السورية، وهي بلا شك معادلة معقدة”.
ولكن ثمة محاولات إسرائيلية لمنع أي إجراء روسي من خلال إلقاء اللوم على الجيش السوري واستنكار أي محاولة لوضع اللوم على إسرائيل.
وقال عاموس يادلين، رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الفترة ما بين 2006 و2010، ” دعونا نضع الحقائق في سياقها، لقد تم اسقاط الطائرة الروسية بصاروخ سوري من طراز (سام 5) “.
وأضاف في سلسلة تغريدات على حسابه في “تويتر” إنه “لا يوجد شيء اسمه ” يختبئ وراء طائرة” ، هذه الإدعاءات الروسية غير المهنية خاطئة” في إشارة إلى اتهامات روسية للطائرة الإسرائيلية بالاختباء خلف الطائرة الروسية لتفادي المضادات السورية.
وتابع يادلين: “التوقيت هو كل شيء: في وقت الضربة (الإسرائيلية لموقع في سوريا)، لم تكن الطائرة الروسية في المنطقة، وعندما تم إطلاق صاروخ سام السوري (على الطائرة الروسية) ، كان مقاتلو إسرائيل قد عادوا إلى مجالهم الجوي بالفعل، فيما لم تهتم الإطلاقات السورية العشوائية أبدا بالتحقق من عدم وجود طائرات روسية في السماء”.
وأشار يادلين إلى إن إسرائيل أعربت عن الأسف عن الأرواح الروسية المفقودة، إلى جانب استخلاص المعلومات بشكل شفاف ومهني مشترك مع روسيا، وهو ما قد يمهد الطريق لإنهاء هذه الأزمة، على الرغم من أن الضغائن قد تبقى”.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أن بعثة من الجيش الإسرائيلي برئاسة قائد سلاح الجو، عميكام نوركين، غادرت الخميس، إلى موسكو.
وأضاف الجيش: “سيعرض قائد سلاح الجو والبعثة صورة الوضع عن الحادثة بجميع جوانبها، ويشمل المعلومات المُسبقَة والنقاط الرئيسية من نتائج تحقيقات جيش الدفاع عن الموضوع”.
وأضاف: “كذلك سيتم عرض متابعة المحاولات الإيرانية لنقل وسائل قتالية استراتيجية لحزب الله وتموضعه في سوريا”.
وتترقب إسرائيل الإستماع في هذه الإجتماعات ولقاءات إسرائيلية –روسية مقبلة عن الخطوات الروسية اللاحقة، فيما ذكرت وسائل إعلام روسية أن الرئيس بوتين امتنع عن مقابلة قائد سلاح الجو الإسرائيلي خلال زيارته لموسكو.
وفي هذا الصدد، قال عاموس هارئيل، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “يمكن توقع تشدد في الموقف الروسي تجاه إسرائيل وتحديد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في سوريا”.
ورأى هارئيل أن “الحادث وضع إسرائيل في موقف صعب للغاية مع الروس، ومن الممكن أن يؤثر سلبا على حرية الحركة الإستراتيجية التي تمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في الجبهة الشمالية حتى الآن”.
ورأى المحلل العسكري الإسرائيلي أن الأثار العملية للتطورات ستظهر في الأيام القادمة، وقال: “من الممكن على سبيل المثال، أن تطلب روسيا من إسرائيل إنذارا مسبقا قبل تنفيذ هجمات، يمكن ان تفرض منطقة حظر للمقاتلات الإسرائيلية بالقرب من قواعدها في شمال سوريا ، أو يمكن أن تزود جيش الأسد بأنظمة دفاع جوي جديدة تم حجبها حتى الآن”.
ولكن المحلل العسكري في صحيفة ” يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي اليكس فيشمان، تناول الحادثة بتقرير يوم الخميس أسماه “ثمن الفشل”.
وكتب فيشمان: “لا يمكن اعتبار أي عملية عسكرية، مهما كانت محكمة، تنتهي بأزمة دبلوماسية لا داعي لها مع قوة عظمى، بأنها ناجحة. حتى لو تحققت الأهداف العسكرية، فهي فاشلة، لأن الشرق الأوسط ليس وجبة غداء مجانية، اسرائيل ستدفع أكثر لحقيقة أن الروس قد فقدوا طائرة تجسس إلكترونية كان على متنها 15 من ضباط وخبراء المخابرات وطاقم الطائرة”.
فيشمان: “لا يمكن اعتبار أي عملية عسكرية، مهما كانت محكمة، تنتهي بأزمة دبلوماسية لا داعي لها مع قوة عظمى، بأنها ناجحة. حتى لو تحققت الأهداف العسكرية، فهي فاشلة”
وأضاف: “صحيح، أن الروس لن ينتقموا صباح الغد بتنفيذ عملية ضد قواعد سلاح الجو، على النحو المقترح من قبل لجنة الدفاع في البرلمان الروسي، ولن يتم إسقاط الطائرات الإسرائيلية من قبل أنظمة روسية مضادة للطائرات في سوريا، ولكن سيكون مطلوب من إسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى ملائمة سلوكها في الأراضي السورية مع المصالح الروسية هناك”.
القدس العربي