بغداد – قالت مصادر سياسية رفيعة في بغداد إن ميل رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي إلى رؤية الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بشأن ضرورة منح دور أكبر للتكنوقراط المستقل في الحكومة القادمة، يستفز معظم الأطراف السياسية الشيعية والسنية والكردية العراقية.
وأضافت المصادر لـ”العرب” أن أطرافا شيعية وسنية وكردية باتت تنظر إلى عبدالمهدي الآن بصفته مرشحا للصدر، وليس مرشح التسوية كما جرى الاتفاق عليه، ما يدفعها إلى دراسة إمكانية عرقلة مرور كابينته الوزارية في البرلمان، وربما عدم منحها الثقة.
وتسرب خلال الأيام القليلة الماضية أن عبدالمهدي يفضل منح التكنوقراط المستقل دورا أكبر في حكومته المنتظرة، وهي الفرضية التي يتبناها الصدر ويروج لها ويدافع عنها.
وكان الصدر أعلن في وقت سابق أن قائمة “سائرون” التي يرعاها، تنازلت عن حصتها في حكومة عبدالمهدي لصالح شخصيات مستقلة يختارها رئيس الوزراء المكلف، داعيا القوائم الأخرى إلى أن تحذو حذوه.
لكن الصدر عاد وأوضح أن تنازل “سائرون” عن حصتها من الحقائب الوزارية، لا يعني منحها لقوائم أخرى، ملمحا إلى أن إفساح المجال أمام عبدالمهدي لتشكيل كابينته بلا إملاءات حزبية، هو شرط لنجاح الحكومة الجديدة.
وترى الأحزاب الشيعية والسنية والكردية أن عبدالمهدي بات يمثل رؤية الصدر السياسية بشأن شكل الحكومة المقبلة، وهو ما يهدد مصالحها في السلطة التنفيذية، التي تعد الممول الأبرز لنشاط الأحزاب في العراق، عبر صفقات مالية مشبوهة وعقود وهمية لتنفيذ مشاريع خدمية، أو حصص كبيرة في عقود حقيقية.
وتقول المصادر إن قادة بعض الأحزاب الشيعية والسنية يدرسون إمكانية عرقلة التصويت على الكابينة التي يفترض أن يقدمها عبدالمهدي إلى البرلمان العراقي في غضون أسبوعين.
ويقول مراقبون إن السنة والأكراد وغالبية أطراف البيت السياسي الشيعي لم يكفوا عن المطالبة غير العلنية بتوزير التكنوقراط الحزبي، واتخذوا خط النقد المباشر وغير المباشر لهيمنة تأثير “سائرون” على قرار عبدالمهدي.
ويضيف هؤلاء أن معظم القيادات المؤيدة لتكليف عبدالمهدي أصيبت بخيبة أمل شديدة، عندما مال إلى رؤية الصدر، وهذا بحد ذاته قد يسرع بانهيار تكليفه أو يمنع الثقة عنه.
وما لم يتدارك عبدالمهدي الموقف بمفاوضات مع زعيم منظمة بدر، هادي العامري، لضمان دعمه للكابينة التي سيجري عرضها على البرلمان، فإن حظوظه ستكون في خطر.
ويمكن للعامري أن يوفر الدعم اللازم لمرور الكابينة المقترحة، في حال أقر خطة عبدالمهدي.
وتقول المصادر إن عبدالمهدي يتجه إلى إحداث تغييرات جذرية في خارطة الاستيزار، تتضمن تكليف ضابط كبير في المؤسسة العسكرية، ينحدر من المكون السني، بمهام وزير الداخلية، وهو ما قد يلقى معارضة شيعية شرسة، نظرا لاحتفاظ الشيعة بهذه الحقيبة منذ 2005.
في المقابل يعتزم عبدالمهدي الدفع بضابط شيعي لتولي حقيبة الدفاع، على أن يحتفظ الأكراد بمنصب رئيس أركان الجيش العراقي، الذي جرت العادة على أن يكون ضمن حصتهم خلال الدورات السابقة.
وحتى الآن، ليس واضحا ما إذا كانت خطط عبدالمهدي ستحظى بالدعم البرلماني اللازم.
ووفقا للأعراف الدستورية في العراق، يصوت البرلمان على أعضاء الكابينة مجتمعين، قبل أن يمنح الحكومة الثقة، ما يهدد بسقوط أي وزير خلال التصويت السري للنواب.
ويمكن للأحزاب السياسية المتضررة من خطط عبدالمهدي، أن تسقط أيا من وزرائه خلال التصويت الفردي، ثم تمنح الحكومة الثقة، بحقائب تدار عن طريق الوكالة، حتى يجري التوافق على شاغليها، وهو سيناريو يرجح المراقبون حدوثه بشأن الحقائب الأمنية، في حال لم يأت المرشحون لها على هوى الكتل البرلمانية الكبيرة.
ويبدو أن عبدالمهدي يحاول المضي بعيدا عن التوجهات السائدة في المشهد السياسي العراقي. واختار عبدالمهدي أن يعمل من مكتب خارج المنطقة الخضراء، بعدما رفضت الأحزاب السياسية الرئيسية فكرته لفتح شوارع المنطقة المحصنة وسط بغداد.
ولم يسبق لأي رئيس حكومة في بغداد أن عمل من خارج المنطقة الخضراء، التي تضم مقر مجلس الوزراء ومقار عدد من الوزارات، فضلا عن مقار السفارات الأجنبية والعربية المهمة.
ومنذ إنشاء المنطقة الخضراء، في جانب الكرخ العام 2003، تعقد التواصل المروري على جانبي نهر دجلة في بغداد، بسبب إغلاق جسور وطرق رئيسية وجانبية.
وفي حال حصلت كابينة عبدالمهدي على الثقة اللازمة، فإن افتتاح جزء من المنطقة الخضراء أمام الجمهور، سيكون أمرا واقعا، بعدما اختار رئيس الوزراء المكلف مكتبا يبعد عن أقرب مداخلها نحو 500 متر، ولا تحتاج حمايته إلى إغلاق أي طريق رئيسي في العاصمة العراقية.
ويرى مراقبون عراقيون أن الصراع بين الصدر وبقية فريق السلطة ليس جديدا، لكن الجديد يكمن في أن عبدالمهدي قد وجد في الصدر غطاء لمشروعه الرافض لإقامة حكومة ضعيفة كانت الأحزاب قد توقعت قيامها في ظل عزوف الصدر عن ترشيح وزراء من كتلته، إضافة إلى أن عبدالمهدي نفسه لا يملك سندا قويا داخل مجلس النواب.
وقال مراقب سياسي عراقي إنه لا أحد يتوقع أن يقف رئيس الوزراء المكلف وحده في مواجهة طلبات الكتل السياسية من غير أن يبادر إلى الاستجابة لها، وهو ما يعني أن الرجل ينوي الانتحار السياسي من خلال فشله في اجتياز عقبة مجلس النواب أو أنه يعتمد في أدائه على قوة خارجية ستعينه على الوصول إلى غايته.
وكان نائب وزير الخارجية الأميركي جون سيلفان أكد دعم بلاده للحكومة العراقية المقبلة، وذلك خلال استقبال عبدالمهدي له أمس في بغداد.
وأشار المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأحزاب الطامعة بالمناصب الوزارية تفضل أن تتعاون مع عبدالمهدي بشرط أن يكون الرجل واضحا في ما يخطط له، وهو ما لا يمكن التأكد منه إلا في اللحظة التي يتقدم فيها بقائمة حكومته إلى مجلس النواب.
وأكد المراقب، بما أن حكومة عبدالمهدي لن تكون قائمة على أساس صفقات أو تسويات سياسية، فإن الكتل السياسية لن تجرؤ حينها على إفشال التصويت لصالح الحكومة بسبب الوضع الوقت الضيق والحساس.
العرب