تحاول الناقلات الإيرانية مواصلة بيع النفط بعيدا عن الأنظار ساعات قليلة قبل موعد سريان الحزمة الجديدة من العقوبات الأميركية التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، في وقت كشفت فيه وزارة الخارجية الأميركية عن 12 شرطا لوقف تنفيذ تلك العقوبات، على رأسها وقف طهران لبرنامجها النووي والباليستي وتفكيك الميليشيات التابعة لها في المنطقة والانسحاب من سوريا.
وبدأت “الناقلات الشبح”، بالتحرك بعيدا عن الرقابة لتصريف شحنات الخام الإيراني واختراق الحظر الأميركي مجدّدا الاثنين. ولا يمكن حاليا تعقّب هذه السفن إلاّ باستخدام صور الأقمار الصناعية.
وفي أواخر أكتوبر، أطفأت كل سفينة إيرانية أجهزة الإرسال على متنها لتجنّب أنظمة الرقابة الدولية في سابقة من نوعها منذ بدأت خدمة “تانكر تراكرز.كوم” (أو متعقّبو الناقلات) العمل في 2016.
وقال أحد مؤسّسي المجموعة سمير مدني “هذه المرّة الأولى التي أرى فيها تعتيما كاملا. إنّه أمر فريد للغاية”.
وبحسب ليزا وارد التي شاركت في تأسيس خدمة تعقّب الناقلات فإنّ “لدى إيران نحو 30 سفينة في منطقة الخليج، ولذا كانت الأيام العشرة الأخيرة صعبة للغاية إلاّ أنّ ذلك لم يبطئ عملنا إذ نواصل المراقبة بصريا”.
وساعدت التحسينات الواسعة في صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريا خلال السنوات الأخيرة شركات مثل “تانكر تراكرز” على مراقبة تقدّم السفن بشكل يومي بعدما كانت الصور لا تصل إلا مرّة واحدة كل أسبوع أو أكثر.
وتأمل إيران بأن تتمكّن من مواصلة بيع النفط بعد 5 نوفمبر عندما تعيد الولايات المتحدة فرض الحزمة الأخيرة من العقوبات التي كانت رفعتها بموجب الاتفاق النووي المبرم في 2015 والذي انسحبت واشنطن منه في مايو الفائت.
لكن الخبير لدى شركة “ناتيكسيس” جويل هانكوك أشار إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة أنّ مبيعات طهران ستبقى مرتفعة.
وقال لوكالة فرانس برس إنّ “المشكلة الأساسية في خدمات تعقّب الناقلات هي أنها قد تكون تتابع حركة الصادرات لا المبيعات”، مضيفا أنّ السفن قد تنقل النفط إلى مخازن في الصين أو غيرها. وهناك طريقة أخرى استخدمت في فترة العقوبات الأخيرة بين العامين 2010 و2015 تتمثّل بتخزين النفط في ناقلات ضخمة قبالة سواحل الخليج.
وتشير “تانكر تراكرز” إلى أن هناك ستّ سفن حاليا قادرة على استيعاب ما مجموعه 11 مليون برميل متوقّفة في البحر كحاويات تخزين عائمة، وهو ما يخفّف الضغط على الموانئ ويتيح بدوره إجراء عمليّات توصيل سريعة.
ورغم ندرة الأرقام الدقيقة في سوق النفط الذي يُعرف بقلّة شفافيته، يشير معظم المحللين إلى أنّ صادرات إيران انخفضت من نحو 2.5 مليون برميل في اليوم في أبريل إلى نحو 1.6 مليون في أكتوبر.
وسارعت الدول التي تحتفظ بعلاقات أمنيّة وتجارية عميقة مع الولايات المتحدة إلى خفض عمليات الشراء من إيران، فبلغت مباشرة قيمة عمليات الشراء التي تقوم بها كوريا الجنوبية صفرا بينما تمّ تسجيل أرقام قريبة من هذا المستوى كذلك في اليابان ومعظم أوروبا. ورغم تعهّد الاتحاد الأوروبي بإنشاء مؤسسة تعرف باسم “الشركة ذات الغرض الخاص” لحماية الشركات التي تشتري النفط، يشكّك المحلّلون في إمكانية مخاطرة الشركات بالتعرّض لعقوبات أميركية عبر اللجوء إلى هذه الآليّة.
ويقول خبراء إنه حتى لو كان بمقدور إيران تهريب النفط من موانئها، فسيكون من الصعب عليها إدخال الأموال إلى حساباتها.
ويشير هؤلاء إلى أن الأزمة الحقيقية ليست في العقوبات، ولكن في إصرار الولايات المتحدة على تنفيذها وإلزام الدول والشركات والنظام البنكي العالمي بتنفيذها، والتلويح بعقوبات مشددة لمن يخترق تلك العقوبات ويساعد إيران على التهرب منها.
يضاف إلى ذلك تفهم دولي واسع للشروط الأميركية، وضرورة أن تبادر إيران باستعادة ثقة العالم عبر خطوات ملموسة وجدية تقطع مع سياساتها في دعم الإرهاب والتدخل في شؤون دول الجوار.
وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية السبت إن “السياسات العدوانية” الإيرانية هي “المسؤولة إلى حد كبير” عن إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران.
وبمقابل الإجراءات المشددة، تضع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طريق الحل أمام إيران ضمن سلسلة من الشروط، بعضها يتعلق بوضع برنامجها النووي أمام مراقبة وكالة الطاقة النووية بشكل مستمر ووقف جميع أنشطتها في تخصيب الأورانيوم، فضلا عن إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
ويعتقد الخبراء أن هذه الشروط يمكن أن تستجيب لها إيران وتناور بعرض برامجها للمراقبة الدائمة، لكنها لا تستطيع أن تستجيب لشروط أخرى تتعلق بطبيعة الدولة الدينية التي تسعى لتصدير نموذجها في “الثورة” إقليميا.
ومن بين هذه الشروط إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، خاصة ما تعلق بحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية في العراق واليمن، فضلا عن سحب قواتها والميليشيات التابعة لها في سوريا كأرضية لأي تسوية سياسية قادمة.
الجزيرة