تستأثر انتخابات الكونغرس الأميركي في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري باهتمام كبير، إذ ستؤثر نتيجتها كثيرا على رئاسة دونالد ترامب ومستقبله السياسي. وعلى الرغم من أن توقعات تشير إلى احتمال أن يخسر الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس النواب، إلا أن المعركة على مجلس الشيوخ ليست محسومة. وتشمل انتخابات الكونغرس هذا العام كل مقاعد مجلس النواب الـ 435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33) البالغ عددهم مائة. وبينما تحدث الانتخابات الرئاسية مرة كل أربع سنوات، فإن انتخابات الكونغرس تجرى كل عامين. وقد صمم النظام الانتخابي على هذا النحو ليسمح بإعطاء صورة سريعة عن توجهات الرأي العام بإجراء انتخابات نيابية كل عامين. وفي الوقت نفسه، منع حدوث تغيير مفاجئ في مجلس الشيوخ بتجديد ثلثه كل عامين، وبالإضافة إلى الانتخابات النيابية، هناك انتخابات لحكام 36 ولاية أميركية تتم مراقبتها بدقة، لرؤية إذا ما كان سيبرز خلالها أحد المرشحين للرئاسة الأميركية في العام 2020.
حاليا تسيطر أغلبية جمهورية على المقاعد في مجلسي الكونغرس. ولأن الكونغرس يملك صلاحية إصدار القوانين وصرف الموارد المالية، فإن نتائج الانتخابات التشريعية ستؤثر كثيرا على السياسة الأميركية. وقد تحكّم الجمهوريون بالأكثرية في مجلس النواب منذ فوزهم الكاسح عام 1994 الذي دشّن ما عرفت بحقبة “الثورة الجمهورية”. وهو الانتصار الأول الذي يحققه الحزب الجمهوري في مجلس النواب منذ 1954. وبالإضافة إلى ذلك، فاز الحزب الجمهوري عام 1994 بالأكثرية في مجلس الشيوخ. لكن “ثورة الجمهوريين” في الحياة البرلمانية الأميركية، عام 1994، لم تمنع الناخبين الأميركيين من التصويت لصالح الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون لولاية ثانية عام 1996. وكان بوش الابن أول رئيس، منذ فرانكلين روزفلت، يفوز عند إعادة انتخابه عام 2004 في وقتٍ زاد عدد أعضاء حزبه في مجلسي النواب والشيوخ. لكن السيطرة الجمهورية على الكونغرس انتهت عام 2006، عندما فاز الديمقراطيون بأغلبية مقاعد المجلسين، لكن الجمهوريين عادوا إلى السيطرة في انتخابات 2016 التي جاءت بدونالد ترامب إلى الحكم.
النظام السياسي
تأسس النظام السياسي الأميركي منذ البداية، بطريقة واضحة ومحددة، حيث مكث المؤسسون
“توقعات تشير إلى احتمال أن يخسر الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس النواب، إلا أن المعركة على مجلس الشيوخ ليست محسومة”
الأوائل سنوات في مناقشة الدستور ووضع بنوده، وامتدت الفترة ما بين إعلان الاستقلال من الاستعمار البريطاني وانتخاب أول رئيس أميركي (جورج واشنطن) حوالي ثلاثة عشر عاما (1776 – 1789)، تم قضاء معظمها في مناقشات حول كيفية وضع البنية السياسية ونظام الحكم لاتحاد الولايات الـ13 آنذاك، وانتهت بكتابة دستور قصير جدا في نصه (28 صفحة من القطع الصغير)، لكن هذا الدستور مازال ساريا، ولم يتم تعديل سوى بعض من بنوده الأقل أهمية، مع استمرار بنوده الجوهرية، مثل حرية التعبير وحرية اختيار الدين (أول بند في الدستور)، حيث ينص هذا البند على أنه “لا يجوز للكونغرس أن يشرع لمصلحة ديانة بعينها، أو أن يمنع أي ممارسة دينية مهما كان نوعها، أو التضييق على حرية التعبير أو الصحافة، أو حرية الشعب في التجمعات السلمية، أو حقهم في تقديم شكاواهم للحكومة ضد ما يرونه ضارا بهم”. وعلى الرغم من أن السياسات الأميركية لم تكن دائماً متّسقة مع روح الدستور، خصوصا في ظل الإدارة الحالية التي دخلت في حرب مع الإعلام، وحظرت دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، تبقى هذه البنود الجوهرية مع ذلك الأساس الذي قامت عليه أميركا.
والنظام الأميركي “فدرالي رئاسي تشريعي ديمقراطي جمهوري”، يعطي كل ولاية استقلالية شبه كاملة في إدارة شؤونها. ويقف النظام الفدرالي على الأعمدة التقليدية الثلاثة: التشريعي (الكونغرس) والتنفيذي (البيت الأبيض) والقضائي (المحكمة العليا). بالمثل، يتكون نظام كل ولاية من كونغرس وحاكم (التنفيذي) وكذلك محكمة عليا، أي نظام قضائي خاص بالولاية.
الفروع الفدرالية الثلاثة
ولا تشمل الانتخابات سوى الفرعين، التشريعي والتنفيذي، بينما يتم ترشيح القضاة الفدراليين، وفي مقدمتهم أعضاء المحكمة العليا، من الرئيس على أن يعتمدهم مجلس الشيوخ، وهي عمليةٌ عادة ما يخضع فيها المرشح إلى درجة مكثّفة من التمحيص والتقصّي الدقيق لسجله العملي والشخصي، وتوجهاته الفكرية، ومواقفه من مسائل حسّاسة، كما حصل أخيرا في تعيين القاضي بريت كافانو. السبب في عدم الانتخاب المباشر للقضاة، كما هو الحال بالنسبة للسياسيين من أعضاء الكونغرس والرئيس، عدم تعريض القاضي لظروف غير مستقرة قد تقوده إلى التلون والتغير في مواقفه، حسب الأجواء السياسية السائدة، أو سعيا وراء أصوات الناخبين. كما أن سبب تعرّض المرشح لمنصب قضائي للتمحيص الدقيق أن موافقة مجلس الشيوخ عليه تعني تعيينه مدى الحياة، وهي حالة نادرة في هذا النظام الديمقراطي، لكنها وسيلة تهدف إلى حماية القاضي من الضغوط السياسية، وتعينه على تحقيق أعلى درجة من الحيادية، عند مشاركته في اتخاذ قراراتٍ، غالبا ما تكون مصيرية، وذات تأثير مباشر على الجمهور.
يتكون الكونغرس الأميركي من مجلسي الشيوخ والنواب. ويعتبر مجلس الشيوخ الأعلى
“النظام الأميركي “فدرالي رئاسي تشريعي ديمقراطي جمهوري”، يعطي كل ولاية استقلالية شبه كاملة في إدارة شؤونها”
ومجلس النواب الأدنى، وشعاره: “من الشعب ومن خلال الشعب ومن أجل الشعب”. ويختلف نظام الكونغرس الأميركي عن النظام “البرلماني”، بإعطائه درجة عالية من الاستقلالية للأعضاء في أثناء التصويت على أي تشريع، حيث تكون مصلحة الناخبين قبل مصلحة الحزب. لذا، من الطبيعي أن يصوت عضو الكونغرس ضد التوجه العام لحزبه تجاه تشريع معين، وذلك حسب ما تمليه مصالح الولاية التي يمثلها (إذا كان سيناتوراً) أو المقاطعة (إذا كان عضوا في مجلس النواب).
تشهد أميركا يوم الثلاثاء المقبل (6 نوفمبر/تشرين الثاني) الانتخابات النيابية، ذات الأهمية القصوى، خصوصا للرئيس، حيث إن فقدانه الأغلبية الجمهورية في أي من المجلسين سيجعل منه رئيسا “كسيحا” في السنتين المقبلتين، لأنه سيلقى عندها صعوبة في تمرير أي تشريع من مجلسٍ الأغلبية فيه للحزب المعارض. وقد يواجه احتمالات العزل إذا مضى التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الماضية الى نهايته وثبت تورط الرئيس أو تواطؤه.
مجلسا الشيوخ والنواب
تعود جذور اسم مجلس الشيوخ إلى اللغة اللاتينية، وتعني “عقلاء القوم أو كبار القوم”. وقد تكون أول مجلس بهذا الشكل مجلسا استشاريا في روما القديمة، ولعل هذين المدلولين وراء الترجمة العربية لهذا المصطلح. ويتكون مجلس الشيوخ الأميركي من ممثلين اثنين لكل ولاية، لهذا يبلغ عدد أعضائه مائة عضو يمثلون الولايات الخمسين، ولا يوجد ممثلون فيه للعاصمة واشنطن، لأنها ليست ولاية ولا تتبع أي ولاية، كذلك لا يوجد ممثلون فيه لمناطق أخرى تعتبر حدودا أميركية، لكنها ليست ولايات مثل جزر بورتوريكو وغوام وساموا وغيرها.
ويعتبر مجلس الشيوخ أكثر تأثيرا في صنع القرار، لأن الصلاحيات الممنوحة له أهم، بشكل عام، من المعطاة لمجلس النواب. كما أن صغر عدد أعضائه مقارنة بمجلس النواب وطول الفترة الانتخابية (ست سنوات للفترة الواحدة مقابل سنتين لعضو مجلس النواب) يمنح أعضاءه فرصة أكبر لتحقيق درجة أعلى من التفاهم بينهم حول القضايا المطروحة والتحرر من تأثير التوجهات الحزبية والتي قد تؤثر سلبا على رؤية العضو لقضية بعينها، ومن ثم نوعية القرار الذي يتخذه، وإن لم يكن الحال كذلك دائمًا. ويعتبر نائب الرئيس الأميركي رئيسا لمجلس الشيوخ، إلا أنه نادرا ما يرأس أي جلسة إلا في حال وجود تعادل في الأصوات حول تشريع معين (50 مقابل 50 صوت) فإن صوته في هذه الحالة يكسر هذا التعادل، كما حصل في جلسة تثبيت القاضي بريت كافانو عضوا في المحكمة العليا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وفي الجلسات اليومية تكون رئاسة الجلسات لمن يعرف بزعيم الأغلبية، وهو قائد ممثلي الحزب صاحب الأغلبية من الأعضاء في المجلس، والذي عادة ما ينتخب لهذا الموقع بناء على الأقدمية.
ويعّرف مجلس النواب بأنه مجلس “الشعب”، لأنه أكثر التصاقا من مجلس الشيوخ بهموم الشعب اليومية، كما أن عضو هذا المجلس يمثل عادة مقاطعة صغيرة جغرافيا عدد سكانها حوالي الخمسمائة ألف، بينما يمثل عضوان فقط ولاية بكاملها في مجلس الشيوخ. ويلعب هذا المجلس دورا كبيرا أيضا، قد يفوق، أحيانا، مجلس الشيوخ، فهو على قدم المساواة في إصدار التشريعات، حيث لا بد لأي تشريع من أن يعتمده المجلسان. ورئيس مجلس النواب هو ثالث شخص في ترتيب هرم السلطة.
ولعل العدد الكبير لأعضاء هذا المجلس أحد الأسباب في التقليل من شأنهم مقارنة بأعضاء مجلس الشيوخ. فبينما يحظى عضو مجلس الشيوخ بتمثيله ولاية بكاملها، فإن عضو مجلس
“تعد المراقبة من أهم صفات النظام الأميركي، بل هي صفته الأبرز للحفاظ على نظام ديمقراطي حقيقي”
النواب محصور في تمثيله جزءا من السكان (نحو نصف مليون عادة). ومن هذا المنطلق، عدد الأعضاء الذين يمثلون ولاية كاليفورنيا، أكثر الولايات المتحدة سكانا، 53 عضوا (رجلا وامرأة) مقابل عضو فقط لأقل الولايات سكانا (ولاية وايومنغ)، والتي تبلغ نسبة سكانها أقل من واحد على ستين (حوالي 700 ألف نسمة) من سكان كاليفورنيا (40 مليونا)، بينما يمثل كلا من الولايتين عضوان في مجلس الشيوخ. وعلى هذا الأساس، يتكون مجلس النواب حاليا من 435 عضوا، يمثل كل ولاية عدد مختلف حسب عدد سكان الولاية.
وانتخابات الرئيس الأميركي ونائبه هي الأكثر صدى إعلاميا، ومن ثم شهرة، داخل ماكينة السياسة الأميركية الضخمة. تجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات، ولا يجوز أن ينتخب الرئيس أكثر من فترتين متتاليتين. ويكون الرئيس المنتخب رئيسا للدولة ورئيسا للوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة. الشرط الوحيد في الرئيس ونائبه أن يكونا من مواليد الولايات المتحدة، وأن لا يقل عمر كل منهما عن الخمسة والثلاثين عاما.
القضاء والنظام المحلي ونظام المراقبة
كما سبق وذكر، لا يوجد انتخابات للقضاة بل ترشيح من الرئيس، تتبعه موافقة من مجلس الشيوخ. يتكون النظام القضائي الفدرالي من خمسة أنواع من المحاكم، أعلاها وأشهرها المحكمة العليا (9 أعضاء). المهمة الرئيسية للقضاء تفسير الأنظمة والقوانين والتشريعات بما في ذلك الدستور، والتأكد من أن حقوق المواطن محفوظة ومصونة، وأن الجميع سواسية أمام القانون. ويجعل هذا الدور الحساس المحكمة العليا، على المستويين، الفدرالي والمحلي، أقرب فروع نظام الحكم إلى حياة المواطن الأميركي.
وهنالك أيضا انتخابات مشابهة على مستوى كل ولاية من الولايات الخمسين، حيث يجرى انتخاب حاكم الولاية، وهو بمثابة الرئيس وكونغرس الولاية، وانتخابات أخرى أقل أهمية مثل عمدة كل مدينة رئيسية في الولاية والمجالس البلدية والأقاليم التي تتكون منها كل ولاية. وكذلك القضاة المحليون يتم ترشيحهم من الحاكم ومن ثم اعتمادهم من مجلس الشيوخ في كونغرس الولاية. ويشبه نظام الولايات، إلى حد كبير، النظام الفدرالي، والاختلافات بين أنظمة الولايات الخمسين عادة ما تكون قليلة وسطحية.
وتعد المراقبة من أهم صفات النظام الأميركي، بل هي صفته الأبرز للحفاظ على نظام ديمقراطي حقيقي، من خلال منع استئثار أيٍّ من فروع الحكومة الثلاثة بسلطة أكثر مما ينبغي، بحيث يُضعف أحد الفرعين الآخرين أو كليهما، ويمهد لاستبداد. لذا تكون السلطة موزعةً بين الأطراف الثلاثة بشكل متوازن، بل ومتشابك، بحيث يكون جزء من القرار ملكا لكل طرف. على سبيل المثال، يضع البيت الأبيض الميزانية السنوية للحكومة، ولكن لابد أن يعتمدها الكونغرس لتصبح سارية المفعول. كما أن في وسع الكونغرس أن يصدر تشريعا مهما، ولكن للمحكمة العليا أن تلغيه لأنه، في نظرها، يتعارض مع الدستور. وفي وسع الرئيس أن يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي تعديل من الكونغرس على مشروع مقدّم منه للاعتماد. وداخل الكونغرس نفسه، يمارس كل من المجلسين مبدأ مراقبة كل طرف الآخر، حيث لا تصبح جميع التشريعات معتمدة إلا بعد موافقة المجلسين، وليس أحدهما.
الإعلام وجماعات الضغط
تقوم وسائل الإعلام الأميركية (من اليمين واليسار) بدور المراقب للشأن العام، مع تركيز خاص على من يعملون في الخدمة العامة، وهؤلاء منتخبون. لذا عادة ما تكون معظم المتاعب التي يواجهونها، من الرئيس إلى أصغر عضو مجلس بلدي في بلدة نائية، نتيجة كشف ممارسة مهنية أو أخلاقية أو مالية مخالفة من إحدى الصحف أو محطات الإذاعة أو التلفزيون، وأخيرا،
“دور الإعلام في نظام ديمقراطي كالنظام الأميركي رقابي أساسا، لا مكان فيه للتطبيل أو التمجيد لأي شخصية أو مؤسسة عامة”
ازدادت متاعب هؤلاء بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وقد نتج سقوط الرئيس نيكسون المدوي في 1974 عن التحقيقات الصحافية بشأن ما عرف لاحقا بفضيحة ووترغيت، في صحيفة واشنطن بوست. وكانت فضيحة الرئيس كلينتون مع مونيكا لوينسكي قد كشفتها للعالم مجلة نيوزويك، وهناك مئات الأمثلة سقط ضحيتها أعضاء كونغرس ووزراء وجنرالات، بل وحتى في القطاع الخاص، مثل ما حدث مع شركة إنرون، والتي كشفت فساد الإدارة العليا بها صحف محلية في ولاية تكساس، قبل أن تنهار الشركة بالكامل عام 2002، وقد حكم بالسجن سنوات طويلة على مدرائها، وتم تغريمهم عشرات ملايين الدولارات. وحتى في حالات الحرب، لا يتراجع الإعلام عن دوره في تعرية من هم في السلطة، فقد كانت شبكة سي بي إس التلفزيونية هي من كشف فضيحة سجن أبو غريب في العراق. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز، أيام حرب فيتنام في أوائل السبعينات، أجزاء من وثائق عالية السرية عن العلاقات الأميركية الفيتنامية، وهي وثائق عرفت لاحقا “بأوراق البنتاغون”، والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها نظرا لحساسية المعلومات المنشورة في وقت عصيب لأميركا، حيث كانت في ذروة تورّطها في تلك الحرب.
دور الإعلام في نظام ديمقراطي كالنظام الأميركي رقابي أساسا، لا مكان فيه للتطبيل أو التمجيد لأي شخصية أو مؤسسة عامة، بل يطغى الجانب النقدي التحليلي الموضوعي، طبعا مع استثناءات هامشية. وهذا الدور المؤثر للإعلام كسلطة رابعة يحميه البند الأول من الدستور الأميركي، والمتعلق بحرّية التعبير وحماية الصحافة.
.. وتشير كلمة لوبي إلى بهو كبير يقع بين مجلسي النواب والشيوخ داخل مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن، وهو مكان “يصطاد” فيه المواطن من يمثله داخل هذا البرلمان، لإبداء رأيه حول تشريع أو مسألة يتم مناقشتها هناك. قد يكون هذا المواطن ممثلا لنفسه، أو لمجموعة بعثت به رسولا من ولايته. لكن من يلعب الدور، هذه الأيام، شركات أو مكاتب المحاماة التي تعج بها واشنطن العاصمة، والمتخصّصة في هذا النوع من التجارة: الضغط. والضغط هنا يعني محاولة إقناع عضو الكونغرس بوجهة نظر معينة تجاه تشريع أو موقف معين، وتصب في مصلحة شركة أو صناعة أو شريحة اجتماعية أو غيرها. يوجد في أميركا ملايين الجمعيات والاتحادات والتنظيمات، ويكاد يكون لكل منها من يعبر عن صوتها، ويعرض وجهة نظرها ويعكس مصالحها داخل الكونغرس، بصفته المؤسسة التي تصدر التشريعات والتي تصبح قوانين فور اعتمادها.
عملية “الضغط” هذه قانونية من الناحية النظرية. تنبع قانونيتها أيضا من البند الأول في الدستور الفدرالي، الذي ينص على حرية التعبير وحرية تقديم الشكوى لمن هم داخل أروقة الحكم، لكن الكشف، في مناسبات عديدة، عن فضائح رشاوى حصل عليها بعض أعضاء الكونغرس في مقابل اتخاذ موقف معين تجاه قضية ما جعل من كلمة “لوبي” ذات مدلول سلبي أحيانا. ونتج من إساءة استخدام هذا الحق الدستوري من بعض أعضاء الكونغرس الفاسدين سن قوانين صارمة، تكبح تحويل النظام الديمقراطي إلى نظام في يد من يملك المال، مثل الشركات الكبرى، على حساب مصالح المواطن العادي. بل إن مفكرين وسياسيين أميركيين يرون الآن أن النظام قد تحول فعلا إلى أداة في أيدي مكاتب اللوبي في واشنطن. وبالإضافة إلى سن القوانين ضد أي مخالفات، تشكلت منظمات مدنية متخصصة في نشر سجل كل عضو في الكونغرس مع قوى الضغط تلك، ونمط تصويته خلال فترة خدمته في الكونغرس. ويمارس الإعلام دورا مماثلا. وبين فترة وأخرى، يتم كشف أحد أعضاء الكونغرس متلبسا برشوة ليقضي بعدها سنوات خلف القضبان، وتنتهي معها علاقته مع السياسة إلى الأبد
مروان قبلان
العربي الجديد