فصل الشتاء جاء مبكرا ولكنه حل ساخنا بـأوكرانيا، فما إن طرحت فكرة فرض “حالة الحرب” أو قوانين الأحكام العرفية في أوكرانيا “ردا على “الاستفزازات الروسية”، حتى فتحت بابين واسعين للمخاوف والشكوك والتخمين والجدل وتبادل الاتهامات.
أول البابين هو ذلك الذي قد يؤدي إلى حرب واسعة شاملة مع روسيا بعد استهدافها سفنا عسكرية أوكرانية بالقوة في بحر آزوف، الأمر الذي طرحت من أجله “حالة الحرب”، ويسارع المسؤولون الأوكرانيون الخطى للتحذير منه وحشد الدعم، محليا وعالميا.
وثانيهما يربط “حالة الحرب” بمستقبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس/آذار 2019، بل يدفع شريحة واسعة للاعتقاد بأن ما حدث موجه بالأساس للتأثير على نتائج الانتخابات أو عرقلتها، قبل أي أهداف أخرى.
مصير الانتخابات
مناقشات جلسة التصويت في البرلمان الأوكراني على مشروع قانون فرض “حالة الحرب” يوم الاثنين كانت خير دليل على المخاوف المتعلقة بالانتخابات، ولعلها ركزت عليها أكثر من إمكانية نشوب الحرب أصلا.
رموز أحزاب وقوى المعارضة اتهمت الرئيس بيترو بوروشينكو صراحة بالسعي لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، ومن أبرزهم المرشحة الرئاسية وزعيمة حزب “الوطن” يوليا تيموشينكو، والمرشح الرئاسي وزعيم الحزب الراديكالي أوليغ لياشكو.
لياشكو قال إنه كان من المفروض إعلان حالة الحرب قبل خمس سنوات مضت، معتبرا أن الرئيس بوروشينكو يناور الآن لإنقاذ شعبيته المتراجعة قبل خسارته الأكيدة، محاولا استغلال حادثة الاعتداء الروسي على السفن لفرض حالة الحرب وتعطيل الانتخابات.
أمين مجلس الأمن القومي والدفاع أوليكساندر تورتشينوف نفى عن بوروشينكو هذه الاتهامات، مشيرا إلى أن الرئيس حدد حالة الحرب بثلاثين يوما فقط بدلا عن ستين وفق ما ينص الدستور، وفي عشر مناطق حدودية فقط، بهدف ضمان إجراء الانتخابات دون تغيير.
خيار وحيد
خارج أروقة السياسة والقرار لا يقل الجدل، وينعكس ذلك في كثرة الآراء والتعليقات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
جدل وصل حد التخوين سريعا بين من يرى في إجراءات بوروشينكو “خططا ماكرة”، وبين من يرى فيها “خيارا وحيدا” لا بد منه.
أستاذ العلوم الساسية أوليكساندر بالي كتب على حسابه في فيسبوك أن مجرد الحديث عن مستقبل الانتخابات بعد المستجدات الأخيرة نوع من “الخيانة”، وتقديم للمصالح الشخصية على مصلحة البلاد.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أوضح بالي أن بعض المعارضين يلمحون إلى أن روسيا لم تعزز وجودها العسكري في بحر آزوف، ولم تكن تستهدف السفن بسوء، وهذا يخالف الواقع الذي يعرفه العالم بأسره.
ونشر الكاتب والمدون الشهير حيدر موجدابايف مقطعا مصورا، قال فيه “اقتنعت تماما بأن الكثير من الناس في بلدنا يعيشون في عالم الأحلام، فلا يرون أي دلائل على اقتراب الحرب الأكيدة، ويربطون كل شيء بالانتخابات ونظريات المؤامرة. بوتين يستعد ويحشد، وخيار فرض حال الحرب كان وحيدا أمام بوروشينكو”.
ورطة بوروشينكو
وبعيدا عن هذا الجدل، يرى بعض المحللين أن الرئيس وضع في ورطة حقيقية، لا شك أنها ستؤثر على موعد أو نتائج الانتخابات المقبلة.
الخبيرة في مركز الدراسات السياسية المستقل بالعاصمة كييف “يوليا تيشينكو” قالت للجزيرة نت “استهداف روسيا سفنا عسكرية اضطر بوروشينكو لإعلان حالة الحرب بوصفه رئيسا، والمؤشرات تدل على نوايا روسيا العدوانية التوسعية”.
وأضافت “لا أعتقد أن بوروشينكو كان معنيا بتأجيل الانتخابات، التي تشير الحقيقة إلى أنه هو الأوفر حظا فيها وفق استطلاعات الرأي”.
وفي هذا الإطار، لم تستبعد تيشينكو أن يكون أحد أهداف التصعيد الروسي الأخير ضرب شعبية بوروشينكو، والتأثير على نتائج الانتخابات أو إلغاؤها، من خلال إقناع الناخبين بأنه لم يوقف الحرب ولم يحم البلاد، وأن عليهم اختيار شخص آخر، تريد روسيا أن يكون أخف ضررا عليها.
وفي هذا الشأن، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن قادة كييف من حزب الحرب (كما وصفهم) غير مهتمين بحل الأزمات سلميا، وذلك يعني استمرار الاستفزازات والمواجهات في إقليم الدونباس جنوب شرق أوكرانيا.
وقالت الخبيرة إن روسيا ستكون المستفيدة في كلا الأحوال، ولهذا نرى أن بوروشينكو يسارع الخطى لحشد الدعم الدولي ووضع حد لأطماع روسيا، ففي ذلك حماية للبلاد وإنقاذ لشعبيته رئيسا ومرشحا.
يذكر أن من أبرز الوجوه المرشحة في انتخابات الرئاسة الأوكرانية المقبلة الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو، وزعيمة حزب “الوطن” يوليا تيموشينكو التي ترأست مجلس الوزراء سابقا، وزعيم الحزب الراديكالي أوليغ لياشكو، بالإضافة إلى زعيم حزب القاعدة سيرهي تاروتا، الذي برز منذ أعوام بوصفه محافظا أوكراني الهوى لمدينة دونيتسك شرقي البلاد، الذي يسيطر عليه المسلحون الموالون لروسيا حاليا.