أجريت محادثات روسية – تركية «مفيدة» لتنسيق مواقف البلدين على الأرض بعد الانسحاب الأميركي من سورية، إذ اتفق وزيرا الدفاع والخارجية في كل من روسيا وتركيا ورئيسا جهازي الاستخبارات في البلدين على «السعي لدحر الإرهابيين نهائياً»، ومواصلة العمل ضمن مسار آستانة للوصول إلى تسوية سياسية. وفيما لم تكشف المحادثات الروسية – التركية عن مصير اتفاق سوتشي حول إدلب، رجحت مصادر بارزة في «الجيش السوري الحر» أن «يتفق البلدان على تمديد تنفيذ الاتفاق»، وأعرب مصدر قيادي كردي عن أمله «بأن تلعب موسكو دوراً إيجابياً» بعد قرار واشنطن الانسحاب، والتهديدات التركية بعمليات عسكرية.
وفي خطوة تفتح على غضب أنقرة وستكون محورية في محادثات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في أنقرة الأسبوع المقبل، كشف مسؤولون أميركيون أن قادة في البنتاغون يخططون لانسحاب القوات الأميركية من سورية يوصون بالسماح للمقاتلين الأكراد الذين يحاربون «داعش» بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم واشنطن في وقت سابق.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «أنهينا اجتماعاً مفيداً للمجموعة المشتركة بين الهيئات، بين وزيري الخارجية ووزيري الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية»، مضيفاً: «تم بحث الخطوات المقبلة لتنفيذ المهمات، التي تم وضعها في صيغة آستانة، في المقام الأول في سياق محاربة الإرهاب، وتسوية المسائل الإنسانية، وتوفير ظروف لعودة اللاجئين»، كاشفاً أن الجانبين ركزا على الوضع في سورية، والوضع القائم بعد انسحاب القوات الأميركية، وأنه «تم التوصل الى تفاهم حول كيفية تنسيق الخطوات بين الممثلين العسكريين لروسيا وتركيا على الأرض في الظروف الجديدة، مع السعي الى دحر التهديد الإرهابي نهائياً في سورية».
وأعرب لافروف عن أمله بألا يعطل الغرب جهود ثلاثي آستانة المستقبلية «لاستكمال العمل في شأن إنشاء لجنة دستورية في أقرب وقت ممكن»، مؤكداً أن ضامني آستانة سيواصلون «العمل المكثف من أجل بدء عمل اللجنة مع المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون».
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن «أنقرة وموسكو متفقتان على ضرورة القضاء الكامل على جميع التنظيمات الإرهابية في سورية»، مشدداً على أن أنقرة تواصل التعاون الوثيق مع موسكو وطهران حول سورية في شأن القضايا الإقليمية، وزاد: «باعتبارنا ضامنين لمسار آستانة، فإننا ندافع عن وحدة تراب سورية وكيانها السياسي، ونعارض جميع الجهود التي من شأنها الإخلال بهما».
وتعهدت موسكو وأنقرة في ختام اللقاء «باحترام وحدة وسيادة سورية بتوافق صارم مع القرار 2254».
ورجح مصدر قيادي في فصائل «الجيش الحر» المقربة من تركيا «توافق موسكو وأنقرة على تمديد مهلة اتفاق سوتشي حول إدلب الى حين استكمال البنود».
ومن المقرر وفق الاتفاق الموقع في منتصف أيلول (سبتمبر)، فتح الطرق الدولية بين حلب وكل من حماة وحلب قبل نهاية العام الحالي وتأمين الطريقين بضمانات روسية وتركية. وفي اتصال مع «الحياة»، قال رئيس «حركة تحرير الوطن» العقيد فاتح حسون، إنه «في ظل التفاهمات الروسية – التركية حول العديد من النقاط والمناطق التي جاءت نتيجة الحراك السياسي والديبلوماسي خلال الفترة الماضية في جولات آستانة وسوتشي، من المستبعد الذهاب إلى حل عسكري في إدلب مع انتهاء المهلة المحددة»، موضحاً أن «الديبلوماسية في كل من تركيا وروسيا لديها قناعة راسخة بأن تطبيق بنود الاتفاق يحتاج إلى مزيد من الوقت لتكتمل الصورة».
وفي خصوص شرق الفرات، قال حسون إن «المشهد في هذه المناطق أصبح رهناً للتفاهمات بين روسيا وتركيا من خلال التفاوض، ورسم الخطوط التي سيلتزم بها الروس ومن خلفهم النظام السوري وإيران».
وذكر أن «الاجتماع بين الجانبين الروسي والتركي أمس يصب في خانة التنسيق بخصوص منبج»، ولم يستبعد أن «تبدأ المعركة في أي لحظة مع استمرار التعزيزات التركية إلى المناطق المتاخمة للمناطق التي ستستهدفها الحملة العسكرية للقضاء على الجيوب الإرهابية في تلك المناطق، بالتزامن مع حشد الجيش الوطني التابع للجيش الحر عشرات آلاف المقاتلين بالتنسيق مع الجانب التركي».
وفي اتصال مع «الحياة»، أعربت الرئيس المشترك لـ «مجلس سورية الديمقراطية» (مسد) أمينة عمر عن أملها بأن «تلعب روسيا دوراً إيجابياً يسعى بالدرجة الأولى الى حماية مناطق شمال سورية وشرقها وضمان أمنها واستقرارها»، وحضت عمر روسيا على «منع الأتراك والفصائل التابعة لها من شن أي هجوم محتمل على هذه المناطق يعرّض أرواح الملايين من سكان هذه المناطق لخطر حقيقي».
كما أعربت المسؤولة الكردية عن أملها بأن «تلعب روسيا دوراً في تمثيلنا ومشاركتنا في العملية السياسية، من أجل ضمان حقوق شعبنا من جميع المكونات القومية».
ميدانياً، وصلت تعزيزات جديدة للجيش التركي إلى منطقة «إيلبايلي» بولاية كليس الجنوبية، تمهيداً لنشرها على الشريط الحدودي مع سورية، وضمت القافلة مركبات عسكرية بينها ناقلات جند مدرعة وشاحنات محملة بالعتاد.
وفي المقابل نقلت «وكالة الأناضول» عن «مصادر محلية موثوقة» في محافظة الحسكة، أن الولايات المتحدة أخلت أحد مستودعاتها في مدينة المالكية التابعة لمحافظة الحسكة، موضحة أن المستودع يضم مخازن يعمل فيها نحو 50 جندياً أميركياً، وفي حال تأكد الخبر فإن الولايات المتحدة بدأت عملياً سحب قواتها من شمال شرقي سورية تنفيذاً لقرار ترامب قبل نحو عشرة أيام.
وفي واشنطن، قال أربعة مسؤولين أميركيين إن قادة في وزارة الدفاع «البنتاغون» يخططون لانسحاب القوات الأميركية من سورية يوصون بالسماح للمقاتلين الأكراد الذين يحاربون «داعش» بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم الولايات المتحدة، في خطوة من المرجح أن تثير غضب تركيا حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين، إن واشنطن أبلغت «وحدات حماية الشعب الكردية» أنها ستزودها بالسلاح حتى انتهاء القتال ضد «داعش».
وسيؤدي اقتراح ترك الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة مع «وحدات حماية الشعب»، والتي قد تشمل صواريخ مضادة للدبابات وعربات مدرعة وقذائف مورتر، إلى طمأنة الحلفاء الأكراد على أنه لن يتم التخلي عنهم. ولكن تركيا تريد أن تستعيد الولايات المتحدة هذه الأسلحة، ولذلك فإن توصية القادة، إذا تأكدت، قد تؤدي إلى تعقيد خطة ترامب بالسماح لتركيا بإنهاء القتال ضد «داعش» داخل سورية.
الحياة