أشارت وسائل إعلام عراقية إلى تحقيق تقدم في مسودة قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق ومن المنتظر أن ينظر فيه البرلمان قريبا. ويشير مراقبون إلى أن القانون ليس بمنأى عن المواجهة الأميركية الإيرانية، إذ ستواصل إيران ضغطها عبر وكلائها لتمرير القانون للرد على العقوبات الأميركية الأخيرة.
بغداد – كشفت وسائل إعلام عراقية عن تقدم مشروع قانون إخراج القوات الأجنبية من البلاد، حيث من المنتظر عرضه قريبا على البرلمان العراقي للتصويت عليه.
ونقلت وسائل إعلام عن هادي العامري رئيس تحالف الفتح حديثه عن جاهزية أكثر من عشر مسودات قوانين للتصويت عليها في البرلمان خلال الفترة المقبلة، وأكد أن قانون إخراج القوات الأجنبية يتصدر تلك القوانين.
وأشار مصدر برلماني في تصريحات صحافية إلى وجود صيغتين لمشروع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، فيما ألمح إلى ملامح رفض قوى أخرى لأي تشريع بإخراج القوات الأجنبية، مبينا أن “هناك من يعتبر أن القرار سياسي وليس أمنيا”.
وأكد النائب عن تحالف الفتح محمد البلداوي، الخميس، أن إصدار قرار بتقنين أو إخراج القوات الأجنبية من العراق متوقف على خطوتين. الأولى هي مصادقة اللجنة القانونية المشكلة من قبل تحالفي الفتح وسائرون على الصيغة النهائية للقرار وذلك بعد دراستها الشاملة للاتفاقيات السابقة المبرمة بين بغداد وواشنطن.
وتتعلق الثانية بإجابة الحكومة على الكتاب المرسل من لجنة الأمن والدفاع النيابية عن العديد من تلك القوات وأماكن تواجدها وطبيعة عملها. وأشار البلداوي إلى أن إصدار القرار أمر محسوم ولا تراجع فيه وهناك إجماع على ذلك.
ويرى معهد واشنطن للدراسات في تقرير تناول فيه سيناريوهات تمرير قانون سحب القوات الأجنبية من العراق، أن هناك عنصرين رئيسيين سيحددان ما إذا كانت مسودة مشروع القانون الحالي لمجلس النواب المتعلقة بسحب القوات الأميركية ستكتسب زخما أم لا.
ويشير إلى أن العنصر الأول هو النفوذ الإيراني، فطهران التي تمارس دورا تخريبيا في المنطقة عن طريق الميليشيات المسلحة الموالية لها بالمنطقة تفضّل عراقا معزولا، وضعيفا مؤسسيا، ومرهونا بالمساعدة الإيرانية، وهو هدف يعززه الدور الكبير الذي لعبته الميليشيات الشيعية أثناء الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية وبعدها.
وتقف في وجه هذا الهدف الإيراني مهمة عسكرية أميركية تهدف إلى تعزيز مهنية قوات الأمن العراقية، بينما تعمل هذه المهمة أيضا على تعزيز علاقة بغداد بواشنطن.
وتبعا لذلك، فإنه في مقابل أن تؤدي العقوبات الأميركية إلى تضييق الخناق على إيران، ستزداد مصلحة الجمهورية الإسلامية بإظهار قوتها في العراق. كما أن حدوث نزاع ثنائي مرير حول تصويت مجلس النواب سيلائم مشروع القانون بشكل جيد.
ومن ناحية شعبية لا يصبّ الشعب العراقي اهتمامه في الغالب على وجود القوات الأميركية، بل على القضايا الاقتصادية المتصلة بحياته اليومية والفساد. وتمثل هذه القضايا منطقة الراحة السياسية لمقتدى الصدر، على الرغم من مواقفه العرضية المناهضة لـ”جميع القوات الأجنبية”.
وفي المقابل، فإن تركيبة مجلس النواب تجعله أكثر عرضة للحماسة القومية التي تستهدف على وجه التحديد الوجود العسكري الأميركي. فهناك 200 عضو من أصل 329 عضوا يشغلون مناصبهم للمرة الأولى، وحوالي 50 إلى 60 منهم ينتمون إلى شبكة ميليشيا الحشد الشعبي. ومثل هؤلاء الأعضاء مشحونون أصلا بأحداث مثل رحلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق في ديسمبر من العام 2018، عندما زار “قاعدة الأسد الجوية” من دون أن يلتقي بأي مسؤول سياسي عراقي هناك.
وسرعان ما استغلت طهران هذا الحدث، حيث لاح في تشكيك السفير الإيراني أيرج مسجدي في 28 ديسمبر وبشكل واضح في دوافع واشنطن في إبقاء القوات الأميركية في العراق، ثم ادعى أن القوات الإيرانية قد غادرت بالفعل.
وحتى الآن، لم ينتقل الكثير من مشاعر الانسحاب المحمومة التي يتمتع بها مجلس النواب إلى الشعب، وهو ما قد يشكل كبحا مؤقتا للإجراءات التشريعية المثيرة.
لكن ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وهنا يرجح تقرير معهد واشنطن في فرضية أولى، وهي فشل مجلس النواب في إحراز أي تقدّم في مسودة مشروع القانون.
ويعتقد أن مشروع القانون الذي يدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة قد لا يبصر النور في حال تناول مجلس النواب قضايا ملحة أخرى تسترعي انتباهه مثل قضايا محافظة البصرة، وهي إحدى المسائل الملحة العديدة التي ناقشها المدير السابق لمجلس الأمن القومي الأميركي دوغلاس أوليفنت في الآونة الأخيرة.
ويبدو ذلك أمرا محتملا في الوقت الحالي لأنه على عكس عام 2011، فإن القوات الأميركية بعيدة عن الأنظار إلى حد كبير كما أنها أصبحت قضية هامشية بالنسبة للشعب. فلفترة من الوقت، شكّل التنديد بالقوات الأميركية المسألة الوحيدة التي يمكن أن تجد فيها الكتلتان الشيعيتان الرئيسيتان، وهما تحالف “سائرون” بزعامة الصدر وتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، أرضية مشتركة، إلا أن تركيزهما ينصبّ على مكان آخر بينما تعملان على شغل المقاعد القليلة الأخيرة للحكومة الجديدة.
كما أن العملية المرهقة جدا لمجلس النواب الخاصة بطرح مشروع القانون قد عرقلت بالمثل زخم الفصائل المعادية لأميركا. فلم يتم بعد اقتراح أي مسودة مشروع قانون بصورة رسمية. وحتى لو تم تقديمها، فقد لا تصمد أمام اللجان البرلمانية ذات الصلة، التي تكون ملزمة بالتشاور مع الوزارات والمؤسسات المعنية.
وتلفت الفرضية الثانية إلى إمكانية تمرير مجلس النواب مشروع قانون أقل وطأة، حيث يمكن أن يقر مجلس النواب تشريعا أو يتخذ قرارا غير ملزم يُرشد الحكومة “بتشديد” الشروط التي يعمل بموجبها المستشارون الأميركيون. وبصرف النظر عن اللهجة المشحونة، يمكن لمثل هذا القانون أن يطلب من الحكومة ببساطة القيام بما تفعله أصلا (أي ضمان احترام القوات الأميركية لسيادة بغداد والعمل بالتنسيق الكامل مع القوات العراقية). أمّا الاحتمال الأكثر إشكالية فهو الطلب من الحكومة الدخول في ترتيبات رسمية لتأمين الظروف نفسها، بما يتجاوز الرسائل المتبادلة من عام 2014 التي طلبت بغداد بموجبها من القوات الأميركية العودة ومقاتلة تنظيم داعش.
ومن شأن هذا التطور أن يتجنّب ضرورة الحصول على أصوات ثلثي أعضاء مجلس النواب للموافقة على “اتفاقية وضع القوات” بين الولايات المتحدة والعراق.
وحاول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تجنب هذا الخطر ذاته في العام 2011 من خلال سعيه للحصول على تصويت مسبق، إلاّ أنّ مسألة السيادة المتمثلة في الحصانة القضائية للقوات الأميركية قضت على مسودة الاتفاق.
ومن المرجّح تمرير مشروع قانون يقضي بطرد القوات الأميركية كفرضية ثالثة واردة، وقد يبرز هذا السيناريو الأسوأ احتمالا نتيجة للضغط الأميركي على إيران أكثر من بروزه بسبب الديناميكيات العراقية الداخلية، على الرغم من أنه يمكن أن يتحقق إذا ارتكبت واشنطن خطأً دبلوماسيا آخر من شأنه أن يستفز مجلس النواب.
ورغم أنه باستطاعة الحكومة تحدي دستورية القانون الجديد في المحكمة أو حث المؤسسة الأمنية على الادعاء بصورة شرعية أنها لا تستطيع تنفيذ القانون. إلا أن السيناريو الثالث سيظل يهدد المصالح الأميركية العراقية من خلال إرساله إشارة سياسية استفزازية إلى واشنطن. ولا يستبعد معهد واشنطن أن يؤدي تمرير مشروع القانون إلى دفع ترامب إلى إصدار قرار، ربما عن طريق تويتر، يقضي بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية والمساعدات التي تقدمها، تماما كما فعل مع سوريا.
العرب