في خطوة لها دلالات رمزية كثيرة، أدّت ديليك أوجلان، ابنة أخت الزعيم الكردي عبدالله أوجلان اليمين باعتبارها نائبة في البرلمان التركي.
ويؤكّد وصول النائبة ديليك أوجلان للبرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي، تحولا ملحوظا في السنوات الأخيرة لـ 14 مليون كردي في تركيا، ويقدّم دافعا قويّا لزعيم الحزب صلاح الدين دمرداش بأن يعبّر بثقة عن طموح حزبه الوصول إلى السلطة، بعد النصر الذي أحرزه حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات التركية بدخوله البرلمان بثمانين نائبا.
ويرى مراقبون أن أبرز الأسباب التي مكنت حزب الشعوب الديمقراطي من إحراز النتيجة المنوه عنها أعلاه كانت على قسمين:
الأول ويتعلق بالحزب الحاكم، أي بحزب العدالة والتنمية، وبسياسته. فتراجع حزب العدالة والتنمية جاء كرد فعل على مجموعة من الأمور أبرزها:
◄ مشروعه، أو مشروع زعيمه رجب طيب أردوغان، الذي يريد تعديل الدستور وتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ما يتيح له سلطات واسعة ويمكنه من إدارة البلاد بالطريقة التي يريد، والذي رأى فيه الكثيرون بداية لحكم استبدادي يخشونه.
◄ الفساد الذي تورط فيه مسؤولون ووزراء ونواب من حزب العدالة والتنمية.
◄ قوانين وضعت القضاء تحت الوصاية السياسية.
◄ تشريعات لمراقبة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
◄ التراجع في النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
◄ القمع الذي تعرضت له التحركات الشبابية في ساحة تقسيم وغيرها من الأماكن، وسواها من الأسباب.
والسبب الثاني يتعلّق بالجانب الذاتي للقضية الكردية التي مكنت حزب الشعوب الديمقراطي من الصعود، فيلخصه غالبية المتابعين بالتالي:
◄ رفضه لمشروع أردوغان في تحويل النظام السياسي في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي.
◄ انفتاح هذا الحزب ذي القاعدة الكردية (والذي يعتبر الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني) على الطبقات الشعبية كافة في تركيا بغض النظر عن الأصول العرقية.
◄ مساواة المرأة بالرجل والقيادة الثنائية للحزب: (رجل وامرأة في القيادة) والمناصفة في تولي المسؤوليات.
◄ انفتاح هذا الحزب (اليساري) على العامة المتدينة.
يتضح أن أبرز أسباب صعود هذا الحزب ترتهن للأسباب التي أدت إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية. وأن كل من يعادي أردوغان أو يخشى من توسيع صلاحياته كرئيس للبلاد قد وجد خياره الأنسب في التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي.
ربما يكون لتقدم حزب الشعوب الديمقراطي وتراجع نصيب حزب العدالة والتنمية سبب إضافي قل تداوله، وهو تأثر الشارع التركي بما يدور في الإقليم والذي عزز الفرز على أسس عرقية ومذهبية. وقد يكون للصوت العلوي دور هام في هذه المسألة حيث توجه نسبة هامة من أصوات الأكراد العلويين بأصواتهم إلى حزب الشعوب ردا على سياسة أردوغان في سوريا. لكن ماذا بعد هذا التطور الانتخابي على الساحة التركية.
في كلمة له بعد صدور النتائج، قال دمرداش زعيم الحزب “نحن نقف وراء ما قلناه في حملتنا الانتخابية في الميادين. وسنقف وراء وعودنا. أصبح حزب الشعوب الديمقراطي، حزب تركيا. نحن نعيش شرف هذا النصر معا. لن نخذل الذين ائتمنوا أصواتهم لنا. وكما وعدنا لن نشكل ائتلافا مع حزب العدالة والتنمية لا من الداخل ولا من الخارج”.
حين يقول دمرداش إن حزبه هو حزب تركيا فهذا يعني أن منتهى طموحاته لن تتحقق إلا باستلام السلطة. لكن تحقيق هذه الطموحات يقتضي مراجعة فعلية ونقدية للمنطلقات التي ارتكز عليها حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي واجهته السياسية التركية، وهذا ما كان بدأه عبدالله أوجلان من معتقله في جزيرة إيمرالي، وعلى رأس ذلك يقع تحرره من الشوفينية القومية وبالتالي الانفتاح التام على قضايا الطبقات الشعبية في تركيا بعيدا عن أي استهداف إثني أو قومي أو مذهبي.
هذا التوجه يقتضي إعادة النظر بالارتباط التاريخي لقيادة هذا الحزب بقيادة جبال قنديل فتكون الكلمة له وليس الاستمرار أسيرا لتوجهاتها، كما يقتضي أن لا يقع أسيرا لتوجهات ومصالح فئوية من هنا أو هناك.
إن الرهان على “الصوت الوطني” يرفع من احتمالات التطوير والتقدم، أما الرهان على صوت هذه الأقلية أو تلك فهو إغلاق للطرق أمام طموحات حزب جديد وقيادة فتية وإمكانيات مشجعة.
إن معارضة أردوغان واعتبار سياساته إزاء قضايا المنطقة وفي طليعتها القضية الفلسطينية والعلاقة مع الشعوب العربية استغلالا سياسيا يؤكد ما لهذه القضايا من أهمية ووقع في وجدان الشعب التركي وليس العكس، وبالتالي ينبغي عدم إدارة الظهر لها بل التعاطي معها بجدية وموضوعية بعيدا عن الاستغلال السياسي.
ولا يمكن لسياسة تعتمد الازدواجية في المواقف أن تصل بحزب الشعوب الديمقراطي إلى طموحات من هذا النوع. فمعارضة التوجه الرئاسي لدى أردوغان خشية بلوغة مرتبة الاستبداد لا يمكن أن يترافق مثلا مع التعامي عن الاستبداد الدموي في سوريا وعن جرائمه بحق الشعب السوري وبحق الأكراد أنفسهم على مدى سنوات، حتى لو تمكن نظام الأسد من توظيف عناصر وقوى كردية لتمرير بعض سياساته. وادعاء الانفتاح على الشارع التركي لتمثيل مصالحه لا يمكن أن يقترن بالتعامي عن الأسباب الحقيقية التي دفعت ملايين السوريين إلى اللجوء إلى تركيا.
ومعاداة الامبريالية لا يمكن أن تقترن بالترويج لأصحاب الطموحات الامبراطورية في المنطقة. فهل تهبط تصريحات صلاح الدين دمرداش بحزبه من “حزب الشعوب الديمقراطي” إلى حزب لبعض الأقليات.
صحيفة العرب اللندنية