“علي مطهري”.. الرجل الذي يقف في وجه الخميني

“علي مطهري”.. الرجل الذي يقف في وجه الخميني

القضية الأكثر حساسية في طهران ليس الاتفاق النووي إنما استمرار احتجاز قادة الحركة الخضراء والبرلماني الذي يقف أمام المتشدددين الإيرانيين من أجل معرفة مصائرهم.

في البداية أصابت قطعة من زجاج مكسور وجهه، ثم جاءت طوبة في كتفه، ليُختتم الهجوم بقذفه بالطماطم الفاسدة والتي عبرت إليه من خلال النوافذ المحطمة لسيارته، نجا العضو البرلماني البارز علي مطهري والذي يبلغ من العمر 57 عامًا من الهجوم الذي استهدفه في جنوب غرب مدينة شيراز ليتدفق الدم من رأسه إثر جروح وكدمات أصابتها وأصابت باقي جسده، لكن الأمر كان من الممكن أن يصبح أسوأ.

كانت هناك بعض العلامات التحذيرية، بضعة رجال كانوا ينتظرون وصول مطهري من شيراز، والمعروفة بأنها مسقط رأس الشاعر الأكثر شهرة في إيران حافظ والذي عرف بأنه كان مدونًا للحب والخمر كما أنه كان يستهين بالنفاق الديني، كان ينتظره ما يقرب من 50 من مهاجميه على ظهر دراجات بخارية من أجل منعه من إلقاء خطابه للطلاب الإصلاحيين في جامعة شيراز وبمجرد أن غادر البرلماني المطار في تاكسي، انقضوا عليه.

وبعد انتظار دام 3 ساعات في مركز للشرطة، فضل الضباط عدم إلقاء القبض على بعض من المهاجمين ليفلتوا من العقاب، ويعود مطهري إلى طهران وينتصر المهاجمون في الوصول لهدفهم بعدم إلقاء مطهري لخطابه. وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني الهجوم الذي تعرض له مطهري في 9 مارس أنه “صادم ومؤسف”، مطهري هو ابن أحد أشهر رجال الدين الإيرانيين وعضو مؤسس للجمهورية الإسلامية، إلا أن ذلك لم يمنع روحاني من قولها صراحة “مهاجموه كانوا ينوون قتله أو تشويهه“.

يرجع ممارسة هذا العنف في الحقيقة إلى تجرؤ مطهري على الاقتراب من ثاث أكثر الحدود السياسية الإيرانية حساسة والتي قد تكون أكثر أهمية من المحادثات حول الملف النووي الإيراني ألا وهي قضية الانتخابات الرئاسية لعام 2009 والمتنازع عليها، فبعد الإعلان عن إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد عام 2009 امتلأت الشوارع بالمحتجين الرافضين للنتيجة ولتصر إيران أن المحتجين تم دعمهم من أمريكا وإسرائيل والدول الغربية للنيل من زعماء إيران، وقد تحمل رجلان وطأة غضب النظام، هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وهما المرشحان الإصلاحيان واللذان زعما أن الانتخابات قد جرى تزويرها ليتم وضعهما بعد ذلك تحت الإقامة الجبرية وذلك منذ 4 سنوات، وقد خلف هذا العنف الدموي والذي مارسته ميلشيا النظام الباسيج تجاه المتظاهرين وسحقت به الحركة الخضراء الوليدة جرحًا لم يضمد بعد.

كانت الحصيلة الرسمية للقتلى إثر تلك الاضطرابات التي ضربت البلاد عام 2009 قد أعلنتها الحكومة بـ 36 شخصًا، إلا أن العديد من المعارضين أكدوا أنهم بالمئات، في حين طالب الآلاف من الإيرانيين العاديين وعدد من شخصيات المؤسسة الدينية بإعدام موسوي وكروبي بتهمة الخيانة.

قد لا يعترفوا بتزوير 2009 رغم أنه يبدو واضحًا، ويكمن في جذور النظام الحالي، وقد ألقى ذلك بظلاله على المحادثات التي تجري مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بشأن الملف النووي، فالاحتجاجات في نظر ملايين الإيرانيين والحركة الإصلاحية قد خلفت أضرارًا لشرعية السياسة الإيرانية، بعد أن أصبحت بلدًا سرق فيه صوتك والذي هو أعظم حقوقك.

وكان الرئيس روحاني قد تعهد بحل قضية احتجاز موسوي وكروبي قبيل انتخابه إلا أنه تراجع الآن مستشعرًا الخطر، ليأتي علي مطهري ويصبح هو العضو الوحيد من النخبة السياسية في إيران الذي تجرأ على مواجهة المرشد الأعلى آية الله على خامنئي بشأن هذه المسألة، و رغم أن النائب البرلمان يبدو من أبرز المنشقين الذين أفرزتهم إيران إلا أنه متشدد في القضايا الثقافية، فهو معارض بقوة للجهود المنادية بالسماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية لمشاهدة الرياضيين الذكور، كما أنه أدان اقتراح تخفيف القوانين التي تجبر ارتداء الحجاب والمفعلة منذ ثورة عام 1979.

كانا موسوي وكروبي أصحاب مناصب بارزة في النظام في السابق، فقد كان موسوي رئيسًا للوزراء عام 1981 حتى 1989، في حين شغل كروبي منصب رئيس البرلمان لمرتين، وتم اعتقال الرجلين بموجب مرسوم صادر عن خامنئي نفسه وبأسباب تتعلق بالأمن القومي، وقد رفض المرشد الأعلى نداءات بالإفراج عنهما قائلًا أن جرائمهما خطيرة جدًا والحكومة تتعامل معهم “بلطف”.

وهو ما دفع مطهري للتفوه بما هو غير مسموح، ففي العام الماضي صرح مطهري أن خامنئي قد تجاوز صلاحياته في احتجاز قادة الحركة الخضراء، حتى أنه قال إن والده الفليسوف الإسلامي وأحد مؤسسي الثورة الإسلامية آية الله مرتضى مطهري لم يقتل على يد أعداء ومعارضي الثورة بعد شهور من قيام النظام الإيراني ووضع خامنئي على رأس السلطة في إيران.

قبل أن يتعرض مطهري للهجوم في شيراز،  كانت خطاباته تتعرض لما يخشى غيره من التعرض له، فقد صرح في خطاب في جامعة فردوسي في مدينة مشهد في نوفمبر أن ” الزعيم يرى أن جريمتهما خطيرة وفي حال ملاحقتهما قضائيًا عقوبتهما ستكون شديدة، والآن يقول نتعامل معهم بلطف، نبي الإسلام نفسه لا يستطيع أن يقول أن عقوبة الشخص ستكون شديدة دون أن يدافعوا عن أنفسهم، لن يصدر أي حكم دون إدعاء ودفاع، وأنا ما زلت أصر أن الأمر بالإقامة الجبرية دون أمر قضائي هو قرار قمعي ظالم“. ليؤيد الطلاب كلام مطهري بالتصفيق، وهو ما لم يحدث من قبل، فلم يعارض أحد خامنئي بهذه العلنية منذ عام 2009.

كما أن ذلك علامة على تعقيد هيكل السلطة في إيران، والنفوذ الذي بيد عدد قليل من العائلات هناك، وقد ناقش مطهري تلك المسألة علنًا كما أنه يملك الدليل الواضح على ذلك، فبعيدًا عن وضع والده البطولي ووضعه في البرلمان فهو يمثل طهران منذ 2008، كما أن أخته متزوجة من المتحدث باسم البرلمان علي لاريجاني والذي هو نفسه ينحدر من أقوى وأعرق العائلات الإيرانية.

والكثير يعتقدون أنه إن لم يكن مطهري ابن لرجل وصفه الخميني بأنه “قرة عينه” كان سيواجه العديد من الانتقادات، ففي مشهد لا يصدق يوم 11 يناير عندما تلقى تهديدًا علنيًا بأنه قد يحاكم بتهم الخيانة، ففي خطاب له أمام البرلمان ناقش فيه أن قرار الإقامة الجبرية لموسوي وكروبي يتعارض مع الدستور، ليتم الاعتداء عليه وجذب 3 نواب كانوا أعضاء سابقين في الحرس الإسلامي ومنظمة النخبة العسكرية التي شكلها الخميني لحماية الجمهورية الإسلامية من التهديدات الداخلية والخارجية، تم جره وجذبه من فوق المنصة، كما ردد معارضو مطهري “الموت لمحدثي الشغب” بينما قطع التلفزيون الحكومي بثه المباشر عن البرلمان وقتها.

ولم يصمت مطهري بسهولة، ففي 3 مايو بعد مهاجمته وقبل أيام من عودته لمشهد حيث ألقى تصريحاته الملتهبة في نوفمبر الماضي، أصدر قائد طلاب الباسيج أو “قوات التعبئة” تهديدًا نشرته وكالات الأنباء الإيرانية والذي جاء فيه “أنت ابن العزيز مرتضى، لم أتوقع منك أن تخدم مثيري الشغب والمقاتلين ضد الإسلام.. ننصحك بإلغاء رحلتك وإذا كررت أفعالك السابقة طلاب مشهد الثوريين لن يبقوا هادئين“

ولم يرهب ذلك مطهري، فقد سافر وتحدث دون انقطاع، وبدلًا من التراجع أقدم مطهري على خطوة جديدة تجاه النظام بعد أحداث 2009، فبعد أن تم نفي محمد خاتمي آخر الرؤساء الإصلاحيين في إيران عن الحياة العامة لتأييده الحركة الخضراء قبل 6 سنوات، ليصبح خاتمي منبوذًا منع المدعي العام الإيراني وسائل الإعلام من استخدام صورته ليرسل مطهري في  16 يونيو خطابًا يسأل المدعي العام الاستشهاد بالقانون لتبرير ذلك إلا أنه لم يتلق أي رد حتى الآن.

ويعود سبب هذا الحظر رغم عدم إعلانه، إلى الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها العام المقبل، فالمؤسسة الأمنية الإيرانية رغم تحطيمها للحركة الإصلاحية عام 2009 تخشى التصويت لفلول الحركة الخضراء والذين نظموا حزبين وليديين قد يصبحوا منبرًا للدعوة إلى التغيير، وذلك في ظل الاتفاق النووي والذي سيفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في إيران وهو ما سيشجع بعض الإصلاحات الثقافية المحدودة كما يعتقد بعض المحللين، ورغم مقاومة المتشددين لوقوع هذا الاحتمال.

الحملة ضد مطهري ومحاولات اسكاته تشتمل أيضا على تحذير محتمل من قرب الاتفاق النووي مع طهران، حيث يرى منتقدو الاتفاق أن تدخل القضاء والأعضاء السابقين للحرس الثوري لم يجعل هناك أي اتفاق يمكن الاعتماد عليه ، فبينما ناقش روحاني المزيد من الحرية الشخصية بما في ذلك إزالة الرقابة على الانترنت إلا أنه تم استقبال جهوده تلك بإزدراء من المتشددين، فرغم أن أصبح روحاني هو الرئيس لكنه لا يستطيع السيطرة على إعجاب أو تأييد أمثال الحرس الثوري والذي يقدم تقاريره مباشرة إلى خامنئي والذي دعم  بدوره الجماعة عن الرؤساء وظهر ذلك في السابق عندما سُحقت الاحتجاجات الطلابية عام 1999 وهو ما كان يعارضه خاتمي.

وفي مثال آخر، دفعت حكومة روحاني للسماح للنساء بحضور مباريات الكرة الطائرة للرجال لكن مسؤولي الأمن منعهون من الحضور، وهو ما يوضح جليًا أن تلك الواقعة قد تتكرر على شكل أكبر عندما يتعلق الأمر بالتحقق من أن أنشطة إيران النووية سلمية، فقد توافق الجمهورية الإسلامية على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة مواقع نووية أو حتى عسكرية لكن الحرس الثوري الإيراني يستطيع أن يمنع أي شخص من دخول تلك القواعد، وقد لعبت إيران مثل تلك الأفعال من قبل، ففي مايو 2003 تم السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية الدخول لأحد الموقع لكنهم رفضوا السماح لهم بأخذ عينات.

أيضًا يرى بعض المراقبين أن مكائد القضاء والحرس الثوري السياسية هي من ألقت بمراسل الواشنطن بوست جيسون ريزانين رهن الاعتقال لما يقرب من العام وهو صحفي يملك الجنسية الأمريكية والإيرانية، ويحاكم في إيران بشكل سري وهو ما يشكل احراجًا لروحاني عندما يسأله الصحفيين عنه وكانت آخرهم في 13 يونيو.

وتوضح تلك الأمثلة القيود المفروضة على روحاني في الوقت الذي يتطلع فيه إلى الغرب للاستثمار والتعاون المستقبلي المحتمل في حال وجود اتفاق نووي والذي يشعر المتشددون تجاه بالفزع، إذ يستطيعون حشد القوات للنزول إلى الشارع لمعارضته أو استخدام الغطاء القانوني للقضاء، وهو ما قد يقوده للسجن أو التهميش إذا رأوا أنه أصبح خطرًا على الثورة.

مطهري قد يكون الضحية الأولى للمتشددين، واستمرار اعتقال موسوي وكروبي قد ينبأ بأن أي دعوات أثناء الجولة الانتخابية المقبلة بالمطالبة بتحريرهم أو تقديمهم للمحاكمة، يدفع نحو حملة أمنية أخرى.

أيضًا الاقتراع في شهر فبراير المقبل قد يمنح معارضي مطهري فرصة لإسكاته، فجميع المرشحين يجب أن يتم الموافقة عليهم من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني في عملية فحص للتأكد أنهم من الموثوق بهم، لذا قد يستبعد مطهري في الوقت الذي يبقى فيه مهاجميه بمجهولين.

 

التقرير