من المقرر أن يفتح “لو فوكيه” أبوابه الأحد للمرة الأولى منذ آذار/ مارس حين أحرق محتجو “السترات الصفراء” هذا المطعم الفاخر على جادة الشانزيليزيه، في وقت يقول محلّلون إن الحركة الاحتجاجية تترنّح لكنّها لم تمت.
كان “لو فوكيه” حينها واحدا من بين عدة شركات ومصارف ومحال استهدفها المتظاهرون في احتجاجاتهم الأسبوعية التي انطلقت أواخر العام الماضي على خلفية زيادة أسعار المحروقات قبل أن تتحوّل إلى حركة احتجاج على انعدام المساواة الاجتماعية.
لكن بعد تراجع التعبئة واقتصار أعداد المحتجين على بضع مئات في باريس وتولوز وبوردو السبت الماضي، تبحث حركة “السترات الصفراء” عن سبل جديدة للتعبير عن استيائها من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وقد ترمز عودة المطعم للعمل إلى استعادة الحركة طبيعتها نهاية الأسبوع في العاصمة الفرنسية، إلا ان محلّلين يحذّرون من أن الغضب الذي أطلق شرارة حركة “السترات الصفراء” لا يزال كامنا.
ويقول لوك روبان مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية إن “الاحتجاجات فرغت من المحتجّين”.
ويضيف “لقد انطلقت كحركة يمكن لأي كان أن يتماهى معها، لكن اعتبارا من كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير بدأنا نرى محتجين محترفين ومتطرفين منظّمين وعنيفين”.
ويضيف “لقد فقدت بعضا من رونقها الأصلي”.
والشهر الماضي أطلق وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير تحقيقا حول أساليب التصدّي المعتمدة من قبل الشرطة بعد تعرّض أعداد كبيرة من المحتجين لإصابات خطرة سواء جراء مشاحنات أو جراء تعرّضهم لقنابل وامضة.
وقد سدّدت شركات التأمين تعويضات بملايين اليورو لأصحاب المؤسسات الذين تعرّضت متاجرهم للنهب أو تضرّرت جراء المسيرات الاحتجاجية.
من جهته يقول برونو جانبار نائب رئيس شركة الاستطلاعات “أوبينيونواي” إن التأييد الشعبي لحركة “السترات الصفراء” لا يزال قويا.
وفي آخر استطلاع أجرته الشركة في أوائل تموز/ يوليو أبدى 44 بالمئة من الفرنسيين تأييدا للحركة.
ويقول لوكالة فرانس برس “إنه رقم كبير جدا لحركة اختفت عمليا”.
ويضيف “عندما تشهد الاحتجاجات مواجهات عنيفة عادة ما ينقلب الرأي العام عليها. حركة السترات الصفراء تمكّنت إلى حد بعيد من تفادي هذا الأمر”.
– “الاستياء لم يختفِ”
يتماهى كثر ممن يعتبرون ماكرون نخبويا بعيدا عن الواقع مع مطالب المحتجين بالإصلاح على غرار رفع الحد الأدنى للأجور والعدالة الاجتماعية والديموقراطية المباشرة.
لكن المطالبة بإصلاح النظام التقاعدي عبر إعطاء “حوافز” للعمل ما بعد الثانية والستين من العمر قد تشكل قنبلة موقوتة.
وعلى الرغم من حفظ ماكرون ماء الوجه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة حيث حل حزبه ثانيا في فرنسا خلف حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرّف، إلا أن طريقه للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2022 يبدو طويلا.
ويقول روبان لفرانس برس “إن فقدان الاحتجاجات الزخم لا يعني أن الاستياء قد زال. البركان لم يعد يقذف الحمم لكن الصهارة لا تزال موجودة”.
ويسعى من تبقى من المحتجين لمعالجة ما تعاني منه الحركة من قلّة تنظيم وغياب الوجوه القيادية.
والشهر الماضي عقد نحو 600 من النشطاء من مختلف المناطق في مدينة مونسو-لي-مين في شرق فرنسا اجتماعا هو الثالث لبحث سبل المضي قدما.
وهم يدفعون باتجاه إجراء استفتاءات ودعم مرشّحين من خارج الطبقة السياسية في الانتخابات المحلية.
ويقول جانبار “تمكّنت الحكومة من احتواء الاحتجاجات لأنها أصبحت عنيفة، لكن إن كانت (الحكومة) تعتقد أن الأمر قد انتهى فإنها مخطئة”.
ويتابع “بالنسبة لحركة السترات الصفراء هناك شيء يتحضّر لكننا لا نعلم ما هو. أعتقد أنها (الحركة) ستعود على الأرجح بشكل لا يمكننا تصوّره حاليا”.
القدس العربي