أبلغنا الرئيس باراك أوباما في مؤتمره الصحافي ليلة الاثنين انه سيكثف القصف على «داعش» في سورية وسيضرب منشآت النفط والغاز السورية التي هي مصدر تمويل لـ «داعش» وسيستمر في مساعدة المعارضة السورية المعتدلة سعياً الى تغيير سياسي في سورية من دون الأسد. شكراً للسيد أوباما لأنه بعد أكثر من ٢٠٠ ألف قتيل منذ شن الأسد هجومه على شعبه في درعا وملايين اللاجئين السوريين في لبنان والاردن وتركيا وفي العالم يقول لنا انه يسعى لانتقال سياسي من دون الاسد وانه يريد إنهاء «داعش». كم كان من الأفضل لو جاءت هذه اليقظة (إذا كانت التزاماً حقيقياً أو وعداً مثل خطابه الشهير في القاهرة فور تسلمه الرئاسة) منذ ٢٠١١ عندما لم يكن الأسد قد فتح أبواب السجون لـ «داعش» كي يتغلغل ويتغذى من جميع أنحاء أوروبا والعالم كي يطرح نفسه كالخيار الأفضل أمام العالم.
منذ سنتين ونحن نسمع ان الادارة الاميركية تساعد المعارضة المعتدلة على الارض. أين هي هذه المساعدات ولمن وكيف تساعدها ضد قصف جوي من النظام بالبراميل من دون أي حظر جوي أو صواريخ مضادة للطائرات؟ ومن هم هؤلاء المعتدلون من المعارضة الذين اختارتهم الادارة الاميركية وهي تحتقر الائتلاف المعارض السوري؟ واقع الحال ان أوباما بدأ يهتم بسورية فقط لانتشار «داعش» فيها. ومثلما ترك العراق لإيران عندما أخرج القوات الاميركية منه، ترك إيران ووكيلها في لبنان «حزب الله» يقاتلان دفاعاً عن نظام الأسد الذي لم يزعجه لولا انتشار «داعش». فالكل يعرف ان طموح أوباما هو إنهاء ولايته بصفقة على الملف النووي مع إيران بحجة انه سيمنعها من الحصول على القنبلة الذرية. ولكن التركيز على هذا الملف أتاح لإيران ان تكثف تدخلها في سورية من منطلق ان المفاوضات حول النووي ستعطيها المزيد من حرية التحرك في المنطقة من سورية الى لبنان الى العراق ومع الحوثيين. في ٢٠١٣ كان أوباما عازماً مع فرنسا على ضرب القواعد الجوية للنظام ولكنه غيّر رأيه في اللحظة الاخيرة ولا أحد يعرف لماذا. البعض يتكهن ان لقاءه ببوتين في إحدى القمم العالمية واتفاقه معه على الحصول من سورية على تدمير سلاحها الكيماوي أدى الى ذلك. الا انه منذ ذلك الحين ازداد القتل في سورية والدمار والتطرف والارهاب وتشريد الملايين وتفتيت البلد والآن يتوعد أوباما بالمزيد من الضغط على الأسد وتكثيف ضرب «داعش». أوباما يريد الآن التوصل الى حل سياسي مع روسيا للقضية السورية من دون بشار الاسد ولكن كيف يكون ذلك وروسيا تتعرض للعقوبات من الولايات المتحدة واوروبا بسبب اوكرانيا؟ ان السياسة الاميركية التي ترتكز على تفريق الملفات ساذجة وغير فاعلة. فكيف يمكن التعاون بين أوباما وبوتين حول مستقبل سورية من دون الاسد بينما بوتين يخضع للعقوبات الاميركية والاوروبية؟ وكيف يمكن تغيير سياسة إيران في المنطقة إذا تم التوصل الى اتفاق بينها وبين الدول الست فيما ايران ستحصل على ١٤٥ بليون دولار من الاموال المجمدة في بنوك العالم سيسيطر عليها «الحرس الثوري» الايراني الذي يتصرف فعلياً بالأموال في إيران؟ وقد أشارت وكالة «رويترز» في هذا الصدد الى ان مستوى العائدات السنوية لـ «الحرس الثوري» من الاعمال والتجارة وسواها يقدر بـ ١٠ الى ١٢ بليون دولار. ومع رفع العقوبات عن إيران سيكون في متناول «الحرس الثوري» الذي يحمي الاسد ونظامه و»حزب الله» وحربه في سورية بلايين اضافية للقتال والتخريب أينما كان في المنطقة. ومَن يعتقد ان انفتاح الغرب على إيران سيليّن سياستها في الدول التي تحارب فيها على خطأ. فـ «الحرس الثوري» مثل حليفه اللبناني متغطرس لأن الغرب غير قادر أو بالأحرى غير راغب في مواجهته بسبب إصرار أوباما على إعادة العلاقة مع إيران مثلما فعل مع كوبا. ولكن الملفين مختلفان. فإيران بلد غني رغم ان «الحرس الثوري» أفقر شعبه من أجل مصالحه وتوسعه وسيطرته في المنطقة.
ان الكارثة التي ألمت بسورية وشعبها من أجل بقاء الأسد لا يمكن أن تحل بالقصف الجوي الاميركي أو ببقاء سياسة أوباما الحالية والاكتفاء بوعود مساعدة معارضة معتدلة لا أحد يعرف أين هي وكيف ولمن، فلو أراد أوباما فعلاً تكريس الجهود الاميركية من دون تأخير عليه ان يتفاهم مع بوتين على مجمل الملفات كي لا يكون تخلي روسيا عن الأسد مقايضة على المسألة الاوكرانية وغيرها. الا ان الامور لا تسير بهذا الاتجاه والكارثة السورية مستمرة مع بقاء الاسد وتغلغل «داعش» ولامبالاة أميركا.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية