تحول النضال الفلسطيني المستمر منذ قرن من الدعوة إلى تحرير الأرض إلى صراع لتمكين رجال الأعمال الفلسطينيين والشرطة، وفق مقال للكاتب جوزيف مسعد في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
ويضيف الكاتب أن خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن” تخبرنا أن “رجال الأعمال ورجال الشرطة الفلسطينيين هم وحدهم الذين يستطيعون تحرير فلسطين وإنهاء مأساة الفلسطينيين”.
وأشار الكاتب إلى أن اتفاقية أوسلو أدت للحصول على دعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك عن طريق ضمان ارتباط عدد كبير منهم بعملية أوسلو على جميع الأصعدة، وإنشاء عدد من النخب التي ترتبط ارتباطا ماليا وثيقا بـ”عملية السلام” التي دعت إليها اتفاقية أوسلو.
وتشمل هذه الطبقات ما يلي:
– نخبة سياسية لتزويد السلطة الفلسطينية بالموظفين الذين يتألف أغلبهم من الناشطين في منظمة التحرير الفلسطينية داخل وخارج فلسطين.
– طبقة بيروقراطية للإشراف على شؤون السكان الخاضعين للسلطة الفلسطينية، مؤلفة من موظفين محليين وفلسطينيين عائدين من الخارج.
– قوة أمنية لقمع المقاومة الفلسطينية التي تنشط ضد إسرائيل وأوسلو، والتي تتكون من مقاتلي حرب عصابات سابقين تحولوا لاحقا إلى مرتزقة لصالح إسرائيل، وتحصل هذه القوة في الأغلب على تمويل وتدريب من جهات أميركية وأوروبية.
– موظفو المنظمات غير الحكومية التي أنشأها الأميركيون والأوروبيون، وتتألف من نشطاء سابقين ومثقفين شاركوا في الانتفاضة الأولى.
– طبقة رجال الأعمال الذين عادوا من المنفى للاستفادة ماديا من مسار أوسلو، إلى جانب أولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين يجنون الأرباح في ظل الاحتلال وحتى قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو.
النظام الليبرالي
يشار إلى أن توقيع اتفاقية أوسلو كان في أوج هيمنة النظام الليبرالي الدولي على العالم، وكان الهدف من ذلك تسهيل تحقيق الربح لرجال الأعمال الفلسطينيين، فضلا عن كون مشاركة النخب المثقفة في المنظمات غير الحكومية ضمنت وجود موظفين إداريين مبتدئين داخل السلطة الفلسطينية، إضافة إلى جهاز أمني موسع لقمع مقاومة هذا النظام.
ويرى الكاتب أنه بعد أن كانت السلطة الفلسطينية “ذراع” إسرائيل لقمع الشعب الفلسطيني عن طريق التنسيق الأمني -والتي وصفها الرئيس محمود عباس بأنها الوظيفة “المقدسة” التي تضطلع بها السلطة المركزية- أصبحت إسرائيل وترامب يريان في الوقت الراهن أن السلطة الفلسطينية قد استنفدت دورها وأصبحت غير ضرورية، وآن الأوان لتقديم “صفقة القرن”.
تشغيل الفيديو
وبموجب ذلك، تضطلع السلطة بدور واحد، وهو الدور ذاته الذي منحته أوسلو لمنظمة التحرير والمتمثل في الموافقة على بنود “صفقة” ومنح السلطة للفلسطينيين وحل الطبقة السياسية، إلى جانب تسليم كل السلطات المحلية إلى أجهزتها الأمنية.
وتهدف هذه الصفقة -التي تعتبر المرحلة النهائية لاتفاقية أوسلو- إلى ترسيخ الاعتقاد بأن ما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني هو رجال الأعمال ورجال الشرطة، وليس وضع حد للاحتلال الإسرائيلي.
استمرار التنسيق
ولا تزال طبقة رجال الأعمال -التي ساهمت بشكل كبير في إقناع الزعيم الراحل عرفات عام 1993 بالتوقيع على اتفاقية أوسلو- تواصل تنسيق أنشطتها التجارية مع الإسرائيليين.
وفي الوقت الذي وعد فيه رجال الأعمال والمفكرون المؤيدون للأعمال التجارية الشعب الفلسطيني بأن عملية السلام ستساهم في ازدهار الأراضي المحتلة، فإن جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي هو من يقدم وعودا مماثلة من خلال “الصفقة” التي يدعو إليها.
وفي خضم الاستعدادات لمؤتمر البحرين، كشف موقع إسرائيلي في الأسبوع الماضي أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي قد التقى بمليونير فلسطيني قبل شهرين في رام الله، لمناقشة الوضع الاقتصادي الحالي بالضفة الغربية.
ليس بطولة
ولم يكن رفض السلطة الفلسطينية حضور مؤتمر البحرين قبل أسبوعين عملا بطوليا، بل بالأحرى حبا في البقاء.
ونظرا لأن الهدف من “صفقة القرن” هو حل الطبقة السياسية داخل السلطة الفلسطينية فقد اختارت الأخيرة مقاطعة المؤتمر، في حين حضره قلة من رجال الأعمال الفلسطينيين، وأبدت الأغلبية تضامنها مع الطبقة السياسية بعدم الحضور.
ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية تدرك جيدا أنه في حال نجح الأميركيون والإسرائيليون بفرض صفقة القرن فإن من المرجح أن يضحي رجال الأعمال الفلسطينيون وجهاز الأمن الفلسطيني بالطبقة السياسية التابعة للسلطة والمضي قدما في تعظيم أرباحهم.
الجزيرة