استيقظ السوريون في تركيا، ليجدوا أنفسهم عرضة لعمليات مداهمة وترحيل واسعة، حيث تم ترحيل كل من لا يملك بطاقة الحماية المؤقتة، ونقل من يملكونها إلى المحافظات التي صدرت منها. وكان وزير الداخلية، سليمان صويلو، قد أعلن عن هذه الإجراءات المتشدّدة التي تعصف بالسوريين، في مؤتمر صحافي يوم 13 يوليو/ تموز 2019، شارك فيه صحافيون عرب وسوريون. ولكن المشكلة الرئيسية كانت أنه قد تقرّر إرسال المهاجرين إلى سورية، أو إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها، من دون منحهم الوقت الكافي أو السماح لهم باتخاذ الاستعدادات اللازمة. من ناحية أخرى، ووفقا لأقوال بعض السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يُسمح لبعض السوريين الذين نسوا بطاقة الحماية المؤقتة في منازلهم أن يحضروا بطاقاتهم من منازلهم لتقديمها للشرطة.
ذكرت وسائل الإعلام أنه تم إرسال أربعمائة سوري إلى إدلب، ومئات آخرين، إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها. وقال وزير الداخلية إنه سيتم ترحيل ثمانين ألف لاجئ غير شرعي هذا العام. وأضاف “نحن نقوم بعمليات منذ 12 يوليو/ تموز في إسطنبول. تم القبض على 6222 شخصا. ويتم القبض على 600 شخص يوميًا و2691 منهم أفغان و619 باكستانيا، فقط حوالي ألف سوري. هناك مهاجرون غير شرعيين من كل البلدان بما فيها بنغلادش، أوزبكستان وسريلانكا والمغرب والجزائر. نلاحظ هذا كله ونرسلهم إلى مراكز
“ليس لدى الحكومة سياسة واستراتيجية طويلة الأجل بشأن المهاجرين السوريين” الترحيل، باستثناء السوريين، لإعادتهم إلى بلدانهم”.
ويبدو أن العقوبات ضد المهاجرين السوريين غير الشرعيين لن تقتصر على ذلك، فحكومة حزب العدالة والتنمية تعتقد أنها خسرت مواقع مهمة لها في الانتخابات البلدية في يونيو/ حزيران الماضي، بسبب اللاجئين السوريين، وتستعد أيضًا لإجراءات أخرى، من شأنها أن تضع المهاجرين في موقفٍ حرج. وواحدة من أهم هذه الإجراءات عدم منح تصاريح العمل والإقامات الجديدة، وخصوصا في إسطنبول التي باتت مغلقة تماما أمام السجلات الجديدة للذين يتم اعتبارهم تحت وضع الحماية المؤقتة. كما أن الحكومة لن تتيح ذلك للسوريين، حتى الذين يعملون في القنوات التلفزيونية المقرّبة من المعارضة السورية في إسطنبول، والتي قدمت لها حكومة حزب العدالة والتنمية المساعدات، ووفرت لها تسهيلات كثيرة للبث بتركيا. وفقًا لتقارير مسرّبة، فإن الحكومة التركية على وشك إنهاء الإنفاق الصحي المجاني الذي كان يصرف سابقا للسوريين. وسيتم إلغاء حق السوريين في الفحص المجاني في المستشفيات التابعة للحكومة، وإنهاء صرف الأدوية المجانية في أجل قريب. ووفقًا لذلك، على المهاجرين السوريين دفع 30% على الأقل من الخدمات والأدوية التي يتلقونها.
هناك مسألتان أساسيتان، تتعلقان باللاجئين السوريين الذين يعيشون في وضع الحماية المؤقتة في تركيا. إحداهما أنه ليس لدى الحكومة سياسة واستراتيجية طويلة الأجل بشأن المهاجرين السوريين، والأخرى هي تداول المعلومات الخاطئة عن اللاجئين السوريين بين بعض شرائح المجتمع التركي، بما فيه القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من ذلك، تعرّضت الحكومة لانتقادات شديدة في الأيام القليلة الماضية، لإرسالها المهاجرين السوريين إلى سورية أو إلى مراكز الترحيل أو إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها. لأن بعض هؤلاء السوريين هم معيلون لعوائلهم، وترحيلهم إلى ولايات أخرى، يعني أن تبقى أسرهم مفتقرة للطعام والشراب.
تم نشر تقارير ودراسات استقصائية عديدة عن حالة اللاجئين السوريين في تركيا. وكشفت دراسة استقصائية حديثة عن اللاجئين عن نتائج لافتة للنظر. عمل عليها البروفيسور الدكتور فتحي آجق إيل، أحد كبار المسؤولين في حزب الشعب الجمهوري المعارض. ووفقاً له، تحولت تركيا إلى معسكرات ضخمة للاجئين، بسبب الضغوط من دول الاتحاد الأوروبي.
وتتضمن الدراسة الحلول أيضا. ووفقا لها، فإن الخطوات اللازمة التي من شأنها ضمان إنهاء الصراعات هي الخطوات الدبلوماسية التي سوف تمهد الطريق أمام تحقيق السلام وإعادة إعمار سورية. ووفقا للمشرف على الدراسة، يجب الاتصال مباشرة بالحكم في دمشق، من أجل تحقيق هذه الغاية. أما بالنسبة لإرسال اللاجئين إلى المناطق الآمنة في الداخل السوري، فمن الصعب أن يؤدي إلى حل المعضلة، لأن إسكان اللاجئين السوريين في هذه المناطق التي تسعى تركيا إلى إنشائها من طرف واحد، ومن دون التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي، لا يمكن أن يساهم في حل هذه المشكلة بشكل دائم.
ووفقا لمعظم المراقبين، بالإضافة إلى افتقار الحكومة التركية للاستراتيجيات طويلة الأمد وعدم القدرة على إدارة الأزمة، هناك مشكلة أخرى للمهاجرين، تتمثل في التصور السلبي للمجتمع التركي عن المهاجرين السوريين، حيث لا يمكن، بالنسبة للجمهور الوصول إلى المعلومات الصحيحة، بسبب تصرّفات المؤسسات غير الشفافة. وهذا يؤدي إلى تصورات خاطئة، وتصديق بعض الأخبار الملفقة بشأن تفضيل السوريين على الأتراك، وانتشار الأخبار مثل استفادة اللاجئين السوريين من الحقوق والامتيازات التي لا يستفيد منها حتى المواطن التركي، والتي تساهم في نشرها مشاركات في مواقع التواصل الاجتماعي. ويلعب هذا دورًا مهمًا في ظهور الكراهية تجاه الأجانب والمهاجرين في المجتمع، ما يؤدى إلى ردات فعل ناقمة على السياسات الخاطئة للحكومة، وبالتالي على اللاجئين السوريين.
من النتائج البارزة الواردة في التقرير المتضمن في الدراسة: واحد من كل ثلاثة سوريين
“هنالك تصور سلبي للمجتمع التركي عن المهاجرين السوريين، حيث لا يمكن، بالنسبة للجمهور الوصول إلى المعلومات الصحيحة” يعيشون في منازل قديمة جدا، وغير صالحة للإقامة. يتناول نصف طالبي اللجوء وجبتين أو وجبة واحدة يوميًا. ثلث السوريين الذين يواجهون صعوبة في العثور على الطعام، قد يقضون يوما بدون طعام. طفل واحد من كل أربعة أطفال فقط يستطيع تناول وجبة واحدة في اليوم. من كل خمسة من طالبي اللجوء يجدون صعوبة في الوصول إلى الدواء. واحد من كل ثلاثة أطفال سوريين خارج نظام التعليم. الأطفال السوريون يرغمون على التسول أو يستخدمون في الأشغال الصعبة والشاقة. الأطفال الذين فقدوا آباءهم في المعارك يقعون في أيدي عصابات المتسولين. العائلات السورية التي تعاني من الفقر المدقع تسلم أطفالها لعصابات المتسولين مقابل المال. الطفل المتسول الذي لا يستطيع جمع مائة ليرة في اليوم يتعرّض للعنف من مشغليه. تزويج الفتيات بشكل قسري. وكثيرا ما يفقدون الأطفال بسبب الحمل في سن مبكرة. يتم إجبار سوريات على الدعارة أو تتحول الواحدة إلى زوجة ثانية. يسكن السوريون في أماكن مؤقتة، وغير صالحة للسكن مع دفع إيجارات باهظة.
يُنظر إلى أوضاع اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا أنهم في وضع غير محسود. نعم، وضعهم قد يكون أفضل مقارنة ببعض الدول العربية، مثل لبنان والأردن، ولكن لدى المجتمع السوري مشكلات عميقة الجذور في هذا البلد، تنتظر حلاً، وليس هناك أمل في أن يتم حل هذه المشكلات في المستقبل القريب. بمعنى آخر، قد تتفاقم أوضاع السوريين في تركيا بعد قرارات الحكومة وإجراءاتها أخيرا، والمتوقع أنها سوف تشتد، ما سيجعل السوريين يحنون إلى الماضي.
العربي الجديد