“ابقوا بأمان!”
أرى هذه الجملة مرارا وتكراراً وأنا أراقب توالي الأخبار عن مسقط رأسي على تويتر. هذه العبارة لازمة، تُعاد على مسامع سكان مدن غيلروي وإل باسو ودايتون، عبر تغريدات تُنشر عندما يطلق أحد المسلّحين النار، وعندما تنقل سيارات الإسعاف الضحايا إلى المستشفيات والمشرحات، وعندما يلملم سكان البلدات المجروحة جراحهم. “ابقوا بأمان!”
ازدادت شعبية هذه العبارة كثيراً منذ ثمانينيات القرن الماضي حين استخدمت كشعارٍ لعشرات حملات الوقاية من الحرائق ومخاطر الإنترنت وحماية الجلد من أشعة الشمس صيفاً. وأصبحت الجملة نغمة مألوفة بوقعها الموسيقي، تذكّر الجميع بضرورة استبدال البطاريات في جهاز كشف الدخان أو وضع الكريم الواقي من الشمس. ولكنها عبارة مضللة للغاية ولا مكان لها في الولايات المتحدة المتخمة بالسلاح اليوم.
أصبحت الفائدة المرجوة من إطلاق هذه العبارة التي غرّد بها بيتو أورورك عضو الكونغرس الديمقراطي السابق عن إل باسو وممثل البلدة في مجلس الشيوخ حالياً تيد كروز، مساوية لجدوى التمنيات الفارغة من نوع “كن طويلاً”. سيظل بعض الأشخاص بأمان ولكن غيرهم لن يسلم ولا دخل لحرصهم على البقاء بأمان في الحال الذي سيؤولون إليه. ما يعنيه قائلو هذه العبارة فعلياً هو “ابقوا محظوظين”.
يلجأ سياسيونا إلى هذه العبارة بالطّبع لأنهم لا يعرفون ما الذي يمكن أن يقولونه غير ذلك. فالعبارات النمطية التي يستخدمونها للتعليق على أحداث إطلاق النيران في الولايات المتحدة بحاجةٍ للتبديل بين الحين والآخر. كانت عبارة “نفكّر بكم ونصلّي لأجلكم” مثلاً من الجمل المفضلة لدى السياسيين إلى أن نبّههم أهالي الضحايا والنشطاء إلى عبثها، قبل أن يشيروا إلى نفاق السياسيين في الصلاة لأرواح الضحايا مع أنهم يدأبون في المقابل على التصويت لصالح “الرابطة الوطنية للسلاح” فاحشة الثراء فيجعلون الأسلحة المميتة في متناول أفراد أكثر إجراماً بشكل أوسع وأشمل. اليوم يصلي السياسيون أو يتعاطفون مع اهل الضحايا دون أن يذكروا المصطلحات الجاهزة نفسها.
أصبحت كلمات أخرى من قبيل “فجيعة” و”مأساة” بالية من فرط الاستخدام فلم تعد صادمة بالقدر اللازم. من موقعي في المملكة المتحدة، يمكن النظر إلى الوضع في الولايات المتحدة على أنّه مأساة بصبغة شيكسبيرية: فها هو البلد يقضي بسبب عيوبه هو، مثل التعديل الثاني للدستور الذي يعطي الحق بحمل السلاح وفساد المؤسسات والسياسة. لكن داخل الولايات المتحدة، يشير السياسيون إلى جرائم القتل الجماعي على أنها “أحداث مأساوية” كما لو كانت كارثة طبيعية كزلزال مثلاً، كما لو أنها حدث عظيم وجبار لا يسعنا سوى تقبّل حدوثه.
اقرأ المزيد
اكتشاف العنصرية أمر سهل – ما يجب فعله بعد ذلك هو الجزء الصعب
عمليات القتل على أيدي العنصريين البيض في الولايات المتحدة زادت إلى أكثر من الضعف العام الفائت، بحسب تقرير جديد
في سياق مماثل للأحداث، تغذّي عبارات “ابقوا بأمان” أو “ابقوا اقوياء” و في بعض الأوساط “واظب على الصلاة”، حاجة الأميركيين في الشعور أنه يمكنهم التصرف في خضّم هذا الجنون. ولكن هذا الشعور جنون بحد ذاته. ليس من المفروض أن نتوقع ممّن حضروا احتفالاً للأطعمة أو من ذهبوا إلى متجر وول مارت بهدف شراء قرطاسية للمدارس أن يتحصنوا أكثر. والله وحده يعلم إن كان بعضهم ذهبوا للمتجر من أجل شراء حقائب مدرسية مضادة للأعيرة النارية التي تباع الآن كجزء من اللوازم المدرسية في الولايات المتحدة. وحتى إن لزموا بيوتهم وطلبوا القرطاسية عبر شبكة الإنترنت، ربما كان بعضهم لن يبقى بأمان أيضاً وفقاً للإحصائيات حول حوادث اطلاق النيران داخل المنازل في الولايات المتحدة.
ربما تكون اللغة آخر الهموم في أوقات يتعرض فيها الناس للقتل. لكنها أداة اجتماعية يمكن استخدامها إما للتوجيه أو التضليل. ولهذا السبب علينا النظر إلى الكلمات بعين متفحصة للتدقيق بمعانيها والتأكد من أننا لسنا عالقين في شبكة افتراضات تجعلنا نراوح في مكاننا المميت إياه. هل يجب أن نعتبر هذه الأحداث “حوادث إطلاق نار” أو “جرائم قتل” أو “هجمات ارهابية”؟ هل ينبغي أن نسميها باسم الأماكن التي حدثت فيها، مثل ساندي هوك وكولومباين وغيلروي، أم نطلق عليها بدلاّ عن ذلك أسماء السياسيين الذين صوتوا لصالح إلغاء القوانين القديمة التي تحكم استخدام السلاح الناري ومنعوا إقرار قوانين أخرى بدلاً منها؟
تنشط على تويتر محاولة لتسمية جريمة القتل الجماعية في إل باسو باسم “مذبحة كورنين” تيمّناً بجون كورنين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس الذي تدعمه الرابطة الوطنية للسلاح. ربما لا يرسخ هذا اللقب ولكنه على الأقل يفتح نقاشاً جديداً ويلقي بالمسؤولية على شخص يستطيع أن يبذل جهداً أكبر من مجرد تمني “ابقوا بأمان ” فقط.
اندبندت العربي