على الرغم من انحسار وجود تنظيم “داعش” في العراق منذ إعلان بغداد النصر على التنظيم بتحرير جميع المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته في عام 2017، إلا أن العمليات العسكرية الواسعة ما تزال مستمرة، وآخرها “إرادة النصر”، بنسخها الأربع حتى الآن، والتي انطلقت الشهر الماضي، وشملت محافظات شمالية وغربية ووسطى من البلاد، بالإضافة إلى بلدات وقرى في حزام العاصمة بغداد. يقول ضباط إن لهذه العمليات مغزيَين: الأول يتمثل بإضعاف قدرة “داعش” والآخر الحفاظ على تماسك القوات العراقية. لكن في المقابل، يرى مراقبون في مواصلة القتال محاولات لإشغال نحو نصف مليون مقاتل، في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، كجهاز مكافحة الإرهاب وقوات “سوات”، وقوات التدخل السريع وأفواج الطوارئ وقوات الإسناد، بالإضافة إلى “الحشد الشعبي”، بمقاتليه البالغ عددهم، وفقاً لـ”الحشد”، نفسه 115 ألف عنصر، والذي تتعامل معه السلطات العراقية على أنه جزء من القوات المسلحة.
”
جزء من نتائج العمليات هو إشغال القوات العراقية، ومنع حالة ترهل أو تكدس المقاتلين في المعسكرات والوحدات
”
ويقول ضابط رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية، لـ”العربي الجديد”، إن اندحار “داعش” لا يعني بالضرورة توقف العمليات العسكرية بشكل كامل، مشيراً إلى وجود عناصر بالتنظيم ما زالوا مختبئين في مناطق صحراوية ونائية. ويعتبر أن العمليات العسكرية المستمرة تهدف بالدرجة الأساس إلى شل قدرة التنظيم على الحركة، بالإضافة إلى أن فيها فوائد أخرى، أبرزها الحفاظ على تماسك صنوف القوات العراقية المسلحة، لا سيما بعد انضمام فصائل في “الحشد” إليها بشكل رسمي. ويضيف “على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل للحفاظ على التنسيق بين الجيش العراقي من جهة، وبقية الصنوف الأمنية من جهة أخرى، إلا أن الأمر لا يخلو من صعوبة”. ويوضح أن “بعض الشكاوى ترد أحياناً من تجاوزات لعناصر أمنيين بحق المواطنين، كما حدث في الموصل قبل أشهر، حين تجاوز عسكري على امرأة وطفلها”، مشيراً إلى أن السلطات العراقية تتعامل بحزم مع المخالفين من عناصر الجيش، وتُخضعهم للضوابط العسكرية. ويقر بأن “جزءاً من نتائج العمليات المتواصلة هو إشغال القوات العراقية، ومنع حالة ترهل أو تكدس المقاتلين في المعسكرات والوحدات بلا حركة، فالحرب مع داعش ضاعفت عديد المقاتلين ثلاث مرات”.
ويرى النائب عن تحالف “الفتح” كريم عليوي أن تعدد صنوف القوات العراقية يساهم في بسط الأمن والاستقرار، مؤكداً، لـ”العربي الجديد”، أن هذا الأمر لا يمثل ثقلاً على الشعب والحكومة. ويعتبر عليوي، العضو في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، أن العمليات العسكرية ضد “داعش” مهمة ويجب أن تتواصل، لأنها تساهم في إعادة هيبة الدولة، وترفع معنويات الشعب، كما تساهم في بث اليأس في نفوس عناصر التنظيم الإرهابي من أن عودته صعبة جداً. ويتابع أن “عمليات إرادة النصر الأخيرة غطت مساحات واسعة من الأراضي العراقية، وتم إشراك مختلف الصنوف من الجيش والشرطة المحلية والاتحادية والحشد الشعبي والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب”، ويلفت إلى أن “العمليات العسكرية توصل رسالة للعالم بأن الأمن العراقي موجود، ولا يمكن لداعش أن يسيطر على أرض في هذه المرحلة”.
يأتي ذلك بعد نحو أسبوعين على تقرير للمفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية قال فيه إن تنظيم “داعش” يعزّز قدراته في العراق، في ظل عدم قدرة القوات المحلية على مواصلة عمليات طويلة الأجل، وهو أمر قلل من قيمته مسؤولون عسكريون عراقيون قالوا إن التقرير مبالغ فيه، وإن القوات العراقية تسيطر على كامل أراضي البلاد. ويقول النائب عن تحالف “سائرون” سلام الشمري إن العراق شهد انتصارات واضحة وملموسة في جميع المحافظات التي دخل إليها تنظيم “داعش” الإرهابي، لافتاً، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى وجود جيوب للتنظيم في المحافظات الغربية يجب القضاء عليها كي لا يبقى “داعش” يهدد أمن بعض المناطق.
”
هناك جيوب لتنظيم داعش في المحافظات الغربية يجب القضاء عليها
”
ويقول العقيد في الجيش العراقي السابق حامد المرسومي، لـ”العربي الجديد”، إن “أعداد القوات الرسمية زادت بشكل كبير بعد انتهاء معركة داعش، وذلك بعد ضم فصائل الحشد إليها، وهذا يعني أن العراق يمر بمرحلة شبيهة بتلك التي مر بها بعد عام 1988 عندما انتهت الحرب مع إيران، ولديه تضخم كبير بعدد القوات يصل إلى نحو مليون جندي”. ويعتبر أن “هذا الأمر سيتسبب في إرباك كبير وتداخل في الصلاحيات، وما يجري في منطقة سهل نينوى (الخاضعة لسيطرة مليشيات شبكية) وجرف الصخر بمحافظة بابل (التي تسيطر عليها مليشيا كتائب حزب الله العراقي وفصائل أخرى) خير دليل على ذلك”. ويوضح أن “ما تبقى من عناصر داعش يتطلب تكثيف الجهد الاستخباري، وليس شن عمليات عسكرية واسعة ومكشوفة”، معتبراً أن “العمليات الحالية قد تكون غايتها إشغال ما يقرب من نصف مليون مقاتل عراقي لتجنب حدوث مشاكل بين الصنوف الأمنية، أو احتكاك سلبي مع المواطنين في المدن الشمالية والغربية على وجه التحديد”.
العربي الجديد