تستهدف بكين المزارعين الأميركيين من أجل تقويض دعمهم للحرب الاقتصادية التي يشنها الرئيس ترامب على الصين. ويقول الكاتب دينيس هالفين في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، إن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ذكرت في تقريرها الصادر يوم 19 سبتمبر/أيلول الماضي أنه يُتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة ستكون الأبطأ منذ اندلاع الأزمة المالية، وذلك في ظل تعثر الاستثمارات والتجارة بسبب الخلاف المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، الذي يمكن أن يسبب خسائر أكبر خلال الأعوام المقبلة.
ويرى أن هذه المعطيات لا يمكن أن تمثل أخبارا جيدة للرئيس ترامب، في وقت يواجه فيه العديد من التحديات خلال العام الذي سيسعى خلاله للفوز بفترة رئاسية ثانية.
ويؤكد الكاتب أن ترامب يبدو الآن بصدد التفكير في مخرج من سياسته التي رفع فيها شعار التعامل بخشونة مع الصين. والسؤال المطروح هو: هل تمتلك بكين أي تشجيعات ضخمة لمساعدة الرئيس الأميركي على الخروج من هذا المأزق، أم أنها ستمارس لعبة الصبر من أجل الحصول على اتفاق أفضل مع مرشح الحزب الديمقراطي الذي قد يخلف ترامب في انتخابات 2020؟
أسلوب التفاوض
وينبه الكاتب إلى أن سياسة التفاوض بكل فظاظة التي كان يعتمدها ترامب أوقعته في معضلة حقيقية، إذ على الرغم من أن أنصاره يعشقون تهجمه على الصين، فإنهم قد يتخلون عن دعمه في ظل المشاكل الاقتصادية التي سببتها سياسته.
ويوضح أن أسلوب ترامب في التفاوض يتمثل في تحديد نقاط ضعف الخصم والتركيز عليها. كما أنه يتبع أسلوب التهور والعدائية المعلنة، والتظاهر بدفع الأمور نحو حافة الهاوية، ثم التراجع في آخر لحظة على أمل أن ينجح من خلال التهديدات في دفع الخصم للقبول بالاتفاق المعروض. وقد لخص ترامب هذا الأسلوب في التفاوض بقوله إن “طريقتي في عقد الاتفاقات بسيطة للغاية وواضحة.. أنا أضع أهدافا عالية، ثم أضغط وأضغط وأضغط للحصول على ما أريده”.
ويرى الكاتب أن أسلوب التفاوض الصيني الذي لاحظه هو بنفسه عندما عمل كدبلوماسي بالسفارة الأميركية في بكين خلال التسعينيات، يبدو مختلفا تماما عن أسلوب الضغط الذي أشار إليه ترامب في كتابه.
وعلى الرغم من أن القيادات الشيوعية في بكين يمكن أن تنخرط في الخطاب الثوري المتحمس، فإن هناك ميلا ثقافيا لديها نحو تسوية المسائل الخطيرة وراء الأبواب المغلقة أثناء شرب الشاي، وأغلب المفاوضين الصينيين هم تجار أحصنة مستعدون للقبول بمبدأ المنفعة المتبادلة للخروج باتفاق يحفظ لكل طرف ماء وجهه.
في المقابل، يعتمد أسلوب ترامب على التغريدات الاستعراضية والتقلبات الحادة في المواقف وشروط التفاوض، وهو أمر يذكر الصينيين بما يعتبرونه هم الهمجية الغربية والغطرسة في التعامل مع الصين.
أسلوب ترامب في التفاوض يتمثل في تحديد نقاط ضعف الخصم والتركيز عليها (رويترز)
أسلوب ترامب في التفاوض يتمثل في تحديد نقاط ضعف الخصم والتركيز عليها (رويترز)
قوة تحمّل الصينيين
ويبدو القادة الصينيون واثقين تماما بإمكانية التفوق على ترامب في لعبته التي يفضلها، والتي تعتمد على الضغط والتهديد عند التفاوض. ففي ظل هذا الأسلوب، تتبنى بكين مقولة صينية قديمة عنوانها “تجرع المرارة”. ومعنى هذه الفكرة أنه عندما تنخرط أكبر قوتين اقتصاديتين بالعالم في صراع ضخم بعد ثلاثة عقود من الترابط التجاري، فإن تبعات هذه القطيعة ستكون وخيمة على كلا الطرفين.
ويبدو القادة الصينيون متأكدين من أن مئات الملايين من المنتمين للطبقة الوسطى في بلادهم، يمكنهم تحمل تبعات هذه الحرب وتجرع المرارة أكثر من الأميركيين المدللين.
وينبني هذا الاعتقاد على أساس أن الشعب الصيني تخطى أكثر من مئة عام من الغزو والمجاعة والحرب الأهلية والثورة، بعدما انهارت الأوضاع الاقتصادية في الصين التي كانت أثرى دولة بالعالم في زمن الثورة الأميركية. لذلك فإن إضافة حرب تجارية مع واشنطن لن تغير الكثير من حال الصينيين الذين يعانون منذ سنوات في عملهم بمجال الزراعة والصناعة.
ضربات إستراتيجية
ويذكر الكاتب أن بكين بدورها تمكنت من توجيه ضربات إستراتيجية لترامب، وإلحاق ضرر بحظوظه في الرئاسة، حين فرضت تعريفات جمركية مضادة على منتجات الفلاحين المساندين له في ولايات تعتبر مصيرية في حسم نتيجة الانتخابات، مثل أيوا وويسكونسن.
كما أن شريحة ثانية من أهم مساندي ترامب وهي الأمهات اللواتي يعتمدن على المحلات الرخيصة في التسوق، تواجه الآن ارتفاعا في أسعار منتجات ليست مصنوعة في الصين. والسبب وراء ذلك أن ترامب طلب من الشركات الأميركية البحث عن بدائل عن الصين للتزود بهذه المنتجات، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل يمس القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.
ويشير الكاتب إلى أن بعض مساندي ترامب -على غرار السيناتور الجمهوري توم كوتون من ولاية أركنساس- حاولوا التقليل من الكلفة السياسية للحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأميركي مع الصين.
ففي ظهور تلفزيوني يوم 13 مايو/أيار الماضي، صرح كوتون بأن “هذه التعريفات الجمركية ستؤدي إلى الإضرار بالصينيين وبعض الأميركيين، ومن المؤكد أنها ستضر بالصين أكثر من أميركا لأن الشركات والحكومة الصينية كانت تخدعنا لفترة طويلة.. بالطبع ستكون هناك بعض التضحيات من جانبنا، ولكن أضمن لكم أن هذه التضحية ستكون صغيرة مقارنة بالتضحيات التي يقدمها جنودنا في مختلف أنحاء العالم”.
الصين فرضت تعريفات جمركية على منتجات الفلاحين المساندين لترامب في بعض الولايات المصيرية في أميركا (الجزيرة)
الصين فرضت تعريفات جمركية على منتجات الفلاحين المساندين لترامب في بعض الولايات المصيرية في أميركا (الجزيرة)
موقف المزارعين
وتساءل الكاتب عما إذا كان المزارعون الأميركيون سيواصلون القبول بالتضحية من أجل ترامب، أم أنهم سيتراجعون عن دعم سياساته، وسيرفضون أن يكونوا كبش الفداء في هذه المعركة، خاصة عندما يشاهدون أسعار فول الصويا وهي تنخفض، بعد أن يكونوا قد زرعوا محاصيلهم في الربيع السابق للانتخابات.
في أغسطس/آب الماضي، نشرت صحيفة محلية أميركية تقريرا أشارت فيه إلى أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتابعان بكل انتباه مواقف المزارعين وسكان الأرياف في الولايات المتحدة، لأنها ستؤثر على حظوظ ترامب في انتخابات 2020.
ومن المثير للانتباه أن هذه الصحيفة أوردت في عنوان هذا المقال عبارة “تعريفات ترامب”، في إشارة إلى مسؤوليته حول هذه الحرب التجارية، وهو أمر يجب على الرئيس الأميركي وأنصاره أن يكونوا حذرين بشأنه.
دون ولاية ويسكونسن التي صوتت عام 2016 لرئيس جمهوري لأول مرة منذ العام 1984، فإن طريق ترامب نحو العودة إلى البيت الأبيض يبدو من الناحية النظرية مستحيلا. وينطبق الأمر ذاته على ولاية أيوا التي تعتمد على إنتاج فول الصويا ولحم الخنزير، والتي فاز فيها ترامب بعد فوز أوباما بها لفترتين متتاليتين، ولذلك فإن خسارتها تجعل حظوظه تتقلص أكثر.