في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت السعودية رسمياً عن خططها لطرح جزءٍ من أسهم شركتها النفطية للاكتتاب العام، والتي ستبدأ في وقت ما من الشهر المقبل. ولا يخفى أن شركة “أرامكو” السعودية، التي خلفت “شركة النفط العربية الأمريكية”، التي أسستها في الأصل شركات أمريكية، تستحوذ بسهولة على مراتب عليا في التصنيفات، فهي المنتج الأكبر للنفط في العالم بأدنى تكلفة إنتاجية، وتتمتع بسمعة طيبة كونها تُدار بشكل جيد للغاية، وكل ذلك ساعدها في أن تصبح الشركة الأكثر تحقيقاً للأرباح على الأرض.
ومع ذلك، فإن موقعها في الشرق الأوسط، وكونها تملك منشآت رئيسية عرضة للهجوم الإيراني، وبيعها النفط إلى البلدان التي تشعر بقلق متزايد بشأن تغير المناخ، لا تُعتبر عوامل تفتح الآفاق على إيجابيات محتملة بعيدة المدى. وتدّعي المملكة في الوقت نفسه أنها تنوّع اقتصادها لتتحرر من اعتماده على النفط، مما يزيد من عدم اليقين بشأن مقاربتها. لذلك هناك حاجة إلى وضع تفاصيل هذا الإعلان في سياقه الصحيح:
أسباب التأخير: يُنظر إلى الطرح الأولي للاكتتاب العام بأنه إلى حد كبير مشروع ولي العهد الأمير محمد من سلمان، الحاكم السعودي الفعلي الذي يريد استخدام العائدات لتمويل خطته لتحديث المملكة المعروفة بـ «الرؤية 2030». وتُعزى أشهر التأخير التي مرت منذ ظهور تقارير مفادها أن الأمير ومسؤولين آخرين يدرسون فكرة الطرح الأولي للاكتتاب العام، إلى التردد في الكشف عن التفاصيل المالية الخاصة بالشركة، فضلاً عن القلق من أن تصبح أصولها عرضة للإجراءات القانونية، لا سيما إذا ما تم التأكد بأن السعودية تتحمل أي مسؤولية رسمية عن هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
التقييم المرجح لقيمة الشركة: تسري الشكوك أيضاً حيال القيمة الإجمالية للشركة. فقد ألمح الأمير محمد بن سلمان إلى أنها تساوي ترليونَيْ دولار، مما يعني أن بيع مجرد 5 في المائة [من أسهمها] سيؤدي إلى تدفق 100 مليار دولار إلى خزائن الحكومة السعودية. وقد أعرب المحللون عن شكوكهم في مصداقية هذا التقييم، مشيرين إلى أن قيمة الشركة تتراوح بين 1,5 و1,8 ترليون دولار، أو ربما أيضاً تتدنى لتصل حتى إلى 1,1 ترليون دولار. وقد صرحت الرياض في مرحلة ما أنها تنوي بيع 5 في المائة من الأسهم سنوياً على مدى عشر سنوات ثم تتوقف بعد ذلك للحفاظ على ملكيتها لأكثرية الحصص، إلّا أن خططها الحالية غير واضحة.
تفاصيل ضئيلة: جاء إعلان الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر ليؤكد التنبؤات بأن الطرح الأولي سيتم أولاً في السوق المالية السعودية “تداول” بدلاً من أسواق الأوراق المالية في نيويورك أو لندن أو طوكيو، والتي يمكن القول إنها أفضل استعداداً للتعامل مع مثل هذا العرض الكبير. ولكن لم يتم الكشف عن أي معلومات حول عدد الأسهم التي ستُطرح، إلّا أن التقارير تشير إلى أن هذه النسبة ستكون ما بين 1 و 2 في المائة. ولا يوجد أي مؤشر حول سعر السهم أو التاريخ المحدد لإطلاق الطرح الأولي. ويبدو أن مستشاري ولي العهد لا يزالون يبحثون عن وسيلة للوصول إلى الرقم الرئيسي الذي يفضله والبالغ 2 تريليون دولار.
تقييم السوق: بغض النظر عما يريده الأمير محمد بن سلمان، فإن السوق هو الذي سيقرر في النهاية مثل هذه الأمور، خاصةً بمجرد تداول الأسهم في بورصات أخرى غير سوق المعاملات “تداول”. وبالنسبة لإطلاق الطرح في السوق المحلية، تسعى الحكومة للحصول على التزامات من صناديق الثروة السيادية الأجنبية (ربما روسيا والصين) وكذلك أفراد سعوديين أثرياء، من بينهم بعض أولئك الذين احتُجزوا في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض في أواخر عام 2017 بسبب الفساد والإستغلال وتحقيق أرباح فاحشة كما زُعِم. وبشكل أكثر عموماً، يُقال إن الحكومة تُشجع المواطنين السعوديين على الحصول على قروض مصرفية من أجل شراء الأسهم. وقد يتمكن المستثمرون من جني الأرباح فور بدء التداول، كما حدث عندما قامت بريطانيا بخصخصة المرافق العامة المملوكة للدولة في الثمانينيات، ولكن الزيادة في الأسعار ليست مضمونة بأي حال من الأحوال.
فرص الاستثمار المحلي: تتطلب عملية تحويل الاقتصاد السعودي استحداث نحو مليون فرصة عمل جديدة للعديد من الشباب الذين يدخلون سوق العمل في السنوات القليلة القادمة. بيد أن مشروع «الرؤية 2030» الرائد هو مدينة “نيوم”، التي هي منطقة اقتصادية مخططة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بالقرب من مصر والأردن ذات مستوى تكنولوجيي متفوق وتبلغ قيمتها 500 مليار دولار. ومع ذلك، سيكون هناك عدد قليل نسبياً من الوظائف للأشخاص في المرافق المليئة بالروبوتات التي يُزمع إنشاؤها في “نيوم”، والتي لا يوجد فيها حتى الآن سوى مطار جديد واحد وبعض القصور المكتملة.
المصالح الأجنبية: اختتم للتو مؤتمر الاستثمار الأجنبي الكبير في الرياض، بحضور أفضل من العام الماضي، عندما كانت عملية قتل الصحفي المنشق جمال خاشقجي قد ألقت بظلالها على المناقشات. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن المدراء التنفيذيين الأجانب كانوا أكثر اهتماماً بتأمين دخل الرسوم في المشاريع الجديدة لجمع الأموال أو المساعدة الاستثمارية في الخارج بدلاً من استثمار الأموال فعلياً في المملكة.
الاستثمار السعودي في الخارج: من المرجح أن يتم استثمار بعض عائدات الطرح الأولي العام خارج المملكة، على الرغم من أن الرياض تواجه صعوبة في اختيار الجهات الرابحة. فقد تكبدت المملكة خسارة حتى الآن في الاستثمار الذي قام به “صندوق الاستثمار العام” السعودي في شركة “أوبر” بقيمة 4 مليارات دولار، في حين أن الدعم السعودي لصندوق الاستثمار في مصرف “سوفت بنك” الياباني يبدو مشكوكاً فيه في ضوء الإخفاق الذي مُني به مؤخراً الطرح الأولي العام لأسهم شركة “وي ورك” حيث كان “سوفت بنك” منخرطاً إلى حدٍّ كبير.
لكل هذه الأسباب وغيرها، سوف تحرص الأسواق المالية الدولية وكذلك الحكومات الأجنبية على مراقبة سير الطرح الأولي لأسهم “أرامكو” بحذر، إذ غالباً ما تجد هذه الحكومات نفسها مضطربة أو محتارة، أو الاثنان معاً، بسبب عمليات صنع القرار في المملكة. وقد تناولت صحيفة “إيكونوميست” في مقالتها الافتتاحية هذا الأسبوع مسألة الطرح الأولي العام واصفةً إياه بأنه “الأكبر والأغرب في العالم” ووصفت محمد بن سلمان بـ “الأمير الاستبدادي ذي اليدين الملطختين بالدماء” – ولا شك في أن الرياض بغنى عن هذا النوع من الإعلام مع اقتراب موعد هذا الحدث الاستثماري الضخم.