العراق من بين البلدان التي اشتعلت فيها المظاهرات مؤخرا في العالم العربي، غير أنه شهد الحملة الأكثر دموية والأكثر إثارة للدهشة، فقتل منذ مطلع الشهر الماضي أكثر من 320 شخصا، ووقود الاحتجاجات هم فتية يوصفون بتعلقهم بألعاب الفيديو.
واستعرض موقع ميديابارت الفرنسي رأي الباحثة لولوة الرشيد، المختصة في الشأن العراقي في ما يتعلق بالوضع الثوري في العراق، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس الإخفاقات المتعددة لنظام الحكم القائم منذ عام 2003 بعد الغزو الأميركي.
انتفاضة غير مسبوقة
الانتفاضة بالنسبة للباحثة غير مسبوقة، لأنها اندلعت في المكان الذي لم يكن متوقعا، إذ تنطلق عادة الاحتجاجات في مدينة البصرة (جنوبي البلاد) المنكوبة من الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ولكنها هذه المرة بدأت في العاصمة بغداد، ومن حزام الفقر الذي يحيط بها، لا سيما في مدينة الصدر (شرقي بغداد) لتشمل عددا من المدن الأخرى.
وأضافت أن هذه الانتفاضة لم يسبق لها مثيل، لأنها فرضت التخلي عن الطائفية التي يتم استدعاؤها كلما كان الحديث عن العراق، ولأن الصراع اليوم مبني على أسس اجتماعية اقتصادية بحتة.
ومن الجديد بالنسبة للباحثة هذه المرة، أن هذه الانتفاضة كشفت عن اهتزاز الأطر الاجتماعية المعتادة، فعادت المرأة فيها للعمل كما عادت النقابات التي كانت في غيبوبة.
قمع غير مسبوق
وفي سياق المقابلة، رأت الباحثة أن ما يحدث من قمع في العراق ليس له مثيل في الدول العربية الأخرى التي تشهد احتجاجات مشابهة؛ فبينما سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى في مظاهرات العراق، لم يسجل سقوط قطرة دم في الجزائر التي تشهد حراكا شعبيا منذ شهور، وكذلك لا تقارن بما يحدث في لبنان أو مصر أو السودان.
كما أن العراق شهد استخداما للذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع وحملات الاعتقال واختفاء المثقفين والناشطين.
واستغربت الكاتبة أن هذا يتم في بلد يُصنف على أنه ديمقراطي من الناحية النظرية، فتم فيه إجراء العديد من الانتخابات منذ عام 2005، وفيه تعددية وتناوب سياسي، فضلا عن حرية الصحافة، ولا ينبغي أن يقارن مع مصر والجزائر المحكومين بالديكتاتورية والجيش.
غير أن السبب ليس مجهولا –كما ترى الباحثة- وهو أن النظام في طريق مسدود، وهو غير قادر على ضمان الحد الأدنى من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، نتيجة فساد النخب الحاكمة والإدارة العامة، حيث تجبى أموال النفط لحكومة قلة، جاهزة للدفاع عن امتيازاتها، ولو بالقمع الوحشي والدموي.
ثورة شباب
واعتبرت الباحثة أن ما يحدث في العراق ثورة شباب كالتي تحدث في البلدان العربية الأخرى؛ بسبب الفقر الهائل والبنى التحتية المهترئة ومعدل البطالة الفلكي، كما هي الحال في لبنان والسودان ومصر والجزائر.
وما هو ملفت للنظر –حسب الكاتبة- أن الاحتجاجات في العراق يخرج فيها الشباب الصغار، ومن بين القتلى والجرحى لا يرى تقريبا إلا وجوه المراهقين، مما يعني أنها ثورة شباب من هوامش الفقراء، تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما، معظمهم يعولون أسرا فقدت عائلها بسبب العنف والحروب المتعاقبة.
ورأت الكاتبة أن من الجديد أيضا احتلال المتظاهرين المطعم التركي بعد أن كانت البناية العالية التي تؤويه مركزا للقناصة الذين قضوا على مظاهرات 2011 في المهد.
الحلول والمآلات
وعند السؤال عن مخرج من الأزمة، قالت الباحثة إن العراق الرسمي اليوم ما زال فيه إنكار لحجم الأزمة، مما يجعل مواجهتها أمرا صعبا، وهي تعتقد أن الإعلان عن بعض الحلول من قبل الحكومة لن يسهم في تهدئة الأمور، لأن النظام السياسي عاجز عن العمل، والحكومة لا تحتكر شرعية العنف بعد أن فقدت نفوذها المالي بسبب تكلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وانخفاض أسعار النفط.
وأشارت الباحثة إلى الحكومة عندما كان برميل النفط فوق مئة دولار، كانت تستطيع شراء السلام الاجتماعي بالإعانات وخلق بعض فرص العمل في الدولة، أما اليوم فهي مضطرة للاستدانة لتمويل نفقاتها، حتى العسكرية؛ مما جعل البعض يطالب بوصاية دولية أو انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
وختمت الباحثة بالقول إن المحتجين المقتنعين بالحاجة إلى تغيير كامل للنظام لن يتوقفوا، وهو ما قد يعني أن القمع هو الذي قد يحسم حماس الشباب الثائر.
وحذرت الباحثة من نشوب حرب أهلية في العراق، في ظل مجتمع مسلح، وقالت إنه يمكن بسهولة توقع حمام دم في العاصمة، خاصة أن الأيام الأولى من المظاهرات أظهرت إمكان وقوع ذلك.
ويعتمد المستقبل أيضا –حسب الباحثة- على إيران التي تحاول أن تلعب دور الحكم للحفاظ على الوضع الحالي الذي أسسه الأميركيون، ولكنها هي المستفيدة منه.
الجزيرة