الثورات غالبا ما تغير مجريات الدول وسياساتها، والمظاهرات المتصاعدة في العراق بحدتها ومطالبها قد تغير الكثير، ولهذا أدخلت بعض الأطراف السياسية بدوامة الخشية من تغييرات قد تكون مفروضة بضغط شعبي خاصة بعد إصرار المتظاهرين على إدراج تعديل الدستور بوصفه أحد المطالب الرئيسة المرفوعة في احتجاجاتهم.
ربما البيت الكردي يتفرد عن البيتين السني والشيعي بخشيته من استجابة الحكومة لمطلب المتظاهرين بإجراء تعديلات دستورية بحسب المحلل السياسي الكردي أعياد الطوفان. ويعزو الطوفان ذلك إلى كون إقليم كردستان العراق يتمتع باستقلال وصلاحيات ذاتية، وهو جاد أكثر من الآخرين بالبحث عن مصلحة مواطنيه وقوميتهم.
ويتفق النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني دانا محمد الكاتب مع هذا الرأي، ويشير إلى وجود تحفظات على بعض النقاط بتعديل الدستور أهمها النظام الفدرالي بالعراق والأقاليم والنقاط المختصة بحقوق كردستان. وأضاف الكاتب أنه تم طرح مواد دستورية للتعديل لم تعرض علينا بشكل رسمي لكن هناك حديث لبعض الأطراف، وهو ما يثير مخاوفنا كونها مطالب سياسية أكثر من كونها شعبية ولهذا لن نقبل بضرب مصالح إقليم كردستان.
خط أحمر
بينما تقول النائبة الكردية السابقة في البرلمان العراقي فيان دخيل، إن المظاهرات خرجت احتجاجا على النهج السياسي والفساد المالي الذي أنهك البنى التحتية وحصر فرص العمل والتعيينات ولم تكن من أجل فقرة دستورية بعينها، مشيرة إلى أنه “في حال حصلت مطالبة حقيقية بالتعديلات ولقيت استجابة حكومية فلا مانع من تغيير أي فقرة بعد مناقشتها والتفاوض عليها شريطة أن تحافظ على حقوق الكرد، وهي مسؤولية تقع على عاتقنا وجزء مهم من واجبنا تجاه أبناء قوميتنا ولن نتنازل عن حقوقنا ونعتبرها خطا أحمر”.
وهو أمر أكده الطوفان بقوله إن الكرد لا يعترضون على تعديل فقرات الدستور أيا كانت مقابل عدم المساس بالمادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها وبقاء العراق الاتحادي الفدرالي، وهي الآراء ذاتها التي ذهب إليها الخبير القانوني عبد الستار رمضان من خلال التشديد على عدم الاعتراض على التعديلات الدستورية إذا ما تمت وفقا لأحكام الدستور المنصوص عليها بالمادة 142 أو ضمن فقرات قادمة تجري وفق المادة 126 التي تضم ضمانات لكل مكونات الشعب العراقي ضمن الحقوق والمكتسبات التي حصلت عليها بعد 2003.
ملف البترول
رغم ترجيح فيان دخيل بعدم وصول حالات خلافات وتصادمات شديدة بين الإقليم والحكومة الاتحادية لكنها تصر على عدم قبول المساس بأي اتفاق أبرم مع حكومة عادل عبد المهدي خلال الأشهر السابقة، مشيرة إلى وقوف الكرد بوجه أي محاولة لأي طرف بالتدخل والتلاعب بالاتفاقات التي سبقت المظاهرات.
وأكد رمضان أن النفط هو ملف العلاقة بين بغداد والإقليم حيث وصلت المفاوضات إلى مراحل متقدمة، وكان هناك اتفاق على توقيع ينهي الخلاف إلا أن الانشغال بالاحتجاجات القائمة همش موضوع النفط، ويتابع رمضان القول “ربما ستشهد الفترات المقبلة تراخيا وتراجعا بعلاقة الإقليم بالحكومة الاتحادية بسبب الزلزال الذي أحدثته المظاهرات بالطبقة السياسية الحاكمة”.
كما أيد الطوفان أن موضوعي النفط والمنافذ سيكون لهما اتفاق وصيغة جديدة لا يقبل الكرد بأدنى ضرر تسببه أي تعديلات دستورية لمصالح الإقليم، ويشير إلى احتمالية وقوع خلافات جديدة بين أربيل وبغداد في ظل استمرار ضغوظ المحتجين.
ويقول النائب أحمد الجبوري إنه عندما كتبت مسودة الدستور العراقي عام 2005 كان الكرد أكثر تنظيما من السنة والشيعة بسبب وضعهم الخاص وامتلاكهم الأحزاب المنظمة والخبرة التي سبقت غزو العراق عام 2003، فاستطاعوا نتيجة لذلك تضمين حقوقهم في الدستور وعلى نحو يستحيل تعديله خلافا لإرادتهم.
واستبعد الجبوري إمكانية إجراء تعديلات دستورية تخدم العراقيين وذلك لمجابهتها بالرفض من إقليم كردستان، عازيا السبب إلى ما نص عليه الدستور من أنه في حال رفض ثلثا الناخبين بثلاث محافظات أي تعديل فإنه يعتبر باطلا.
وتابع القول إن التعديلات الدستورية لن تر النور لأن الكرد ورغم مشاركتهم في الحكومة العراقية، فإن تركيزهم السياسي هو سلطتهم بالإقليم. وختم الجبوري حديثه للجزيرة نت قائلا إن الحل الأسلم والضمان الأفضل يكمن بتعطيل الدستور كليا والبدء بكتابة دستور جديد يتوافق عليه العراقيون.
رفض أي تعديل
رب ضارة نافعة جاءت ترجمتها اليوم بعد تصاعد بعض الأصوات المطالبة بالتعديلات الدستورية دون استثناء لحساب قومية أو مذهب لتجد الأحزاب الكردية نفسها على طاولة تقارب وجهات النظر وتجاوز خلافاتها. ونوه المحلل أعياد الطوفان إلى توحد عموم أحزاب الإقليم للاعتراض على أي تعديل يتعارض واستقلال الكرد واستقرار مصالحهم، في ظل ما حصلوا عليه في الآونة الأخيرة خلال تولي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء وعلاقته الجيدة بالكرد.
وهو أمر أكده الخبير القانوني عبد الستار رمضان بقوله إن عبد المهدي لا يحمل ضد الكرد أي ضغينة وليس لديه أي مواقف سيئة تجاه الإقليم وهو لا يتحمل ما آلت إليه الأوضاع أخيرا كونه جاء باللحظات المعقدة الأخيرة من المشهد السياسي بعد تراكمات لـ 15 عاما من الفساد قامت بها الحكومات المتعاقبة، مشددا على أن جميع الأحزاب الكردية مع إعطاء فرصة لعبد المهدي لتنفيذ وعوده بالإصلاحات.