تصاعدت الانتقادات للرئيس الإيراني حسن روحاني، بسبب الاضطرابات الحادة في سوق العملات والسياسات المالية للبلاد، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في الثامن من أيار/ مايو 2018، وما تبعه من عقوبات أميركية شاملة. الأمر الذي تسبب بهبوط مستمر للعملة الإيرانية، وارتفاع أسعار العملات الأجنبية.
وقرّر روحاني تغيير فريقه الاقتصادي، ليبدأ العملية باختيار محافظ جديد للبنك المركزي الإيراني، باعتباره مركز قيادة السياسات النقدية للبلاد، مسلّما المنصب للأكاديمي الاقتصادي عبد الناصر همتي في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز 2018.
ورغم هذا التغيير في الفريق الاقتصادي، إلا أن اضطرابات سوق الصرف تواصلت مع تشديد العقوبات الأميركية على إيران خاصة على قطاع النفط، وهو ما دعا عبد الناصر همتي للخروج، يوم الاثنين، محاولا تهدئة مخاوف المتعاملين قائلا إن الاستقرار سيعود لسوق الصرف، وذلك على وقع تذبذبات يشهدها في الآونة الأخيرة. وأوضح أن البنك لن يتعامل على نحو انفعالي في ما يخص العملة الأجنبية وسيعيد الاستقرار للسوق.
همتي البالغ من العمر 62 عاما، من أشهر أساتذة الاقتصاد الكلي واقتصاد الطاقة في الجامعات الإيرانية، جاء خلفا لولي الله سيف، الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب سياساته المالية، حيث فشل في تنظيم سوق العملات بما يحد من هبوط الريال إلى مستويات خطيرة.
ومن إخفاقات سيف تراجع قيمة العملة الإيرانية بنسبة 300%، إذ حينما تسلم سيف المنصب في 2013، كان سعر الصرف 31770 ريالا، لكن حينما غادره أصبح 92 ألف ريال.
وانعكست تقلبات سوق الصرف على الأسعار في بقية الأسواق الإيرانية، ولم تنفع تدخلات الشرطة والمؤسسات الأمنية في البلاد واعتقال العشرات من المضاربين في سوق العملات.
تبنى همتي حلولا عاجلة وأخرى متوسطة المدى وبعيدة المدى لاحتواء الاضطرابات المالية، وخاصة في سوق الصرف، منها الابتعاد عن التدخل المباشر في سعر الصرف عبر تحديد الأسعار، مع تشديد الرقابة على أسواق العملات، وأكد مرارا أن البنك المركزي في عهده لا ينوي التدخل في السوق، وإنما لن يسمح للانتهازيين باستغلال الوضع.
وإلى ذلك، اتخذ همتي سياسات نقدية ومصرفية مختلفة عن سابقاتها في عهد المحافظين السابقين. فبموجب هذه السياسات، قام بإجراءات، مثل احتواء السيولة الفائضة وتوجيهها نحو أسواق أخرى غير سوق العملات، وتلبية جزء كبير من الحاجات للعملات الأجنبية من خلال ضخ كميات كبيرة من الدرهم وليس الدولار.
كذا، فرض قيوداً على المعاملات المصرفية من خلال تحديد سقف لها بحيث يمنع عمليات المضاربة الكبيرة في سوق العملات، وتنظيم أعمال محلات الصرافة والأسواق الموازية لسعر الصرف وخاصة سوق “نيما”. ودفع المصدرين لإعادة عوائد الصادرات بالعملة الصعبة إلى هذا السوق، لا سيما عوائد صادرات البتروكيماويات، وتقييد استيراد السلع غير الأساسية، وتوفير العملة للسلع الأساسية، والنجاح في تقليل دور المؤثرات النفسية الناتجة عن الضغوط والعقوبات المستمرة في سوق العملات، وأساليب وطرق أخرى.
لكن هذه الحلول لم تثمر خلال الأشهر الخمسة الأولى من تولي همتي المنصب، وواصل الريال مسار التراجع إلى أن وصل إلى 180 ألف ريال في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 مقابل كل دولار، واليورو ارتفع إلى 200 ألف ريال، أي ضعف السعر الذي كان موجودا بالسوق حينما تولى محافظ البنك المركزي منصبه، إلا أنه مع منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني للعام نفسه، بدأت قيمة الريال الإيراني ترتفع مقابل تراجع أسعار بقية العملات، وخاصة الدولار واليورو.
في الأثناء، ثمة آراء تعزو تعافي الريال إلى أسباب أخرى غير تلك التي ذكرت آنفا، في مقدمتها نجاح البنك المركزي في إيجاد حلول وبدائل لسد العجز في الموازنة، بعيدا عن اللجوء إلى التلاعب بأسعار العملات للغرض ذاته.
أصحاب هذا الرأي يتهمون البنك المركزي بأنه لمواجهة العجز الكبير في الموازنة، الذي تتوقع تقارير اقتصادية إيرانية أن يصل هذا العام إلى أكثر من 1000 تريليون ريال، يتلاعب بأسعار صرف الدولار من خلال المضاربين المرتبطين معه في الأسواق، ليزيدها تارة ويخفضها تارة أخرى، ليبيع الدولار للناس ثم يشتريه، بحسب قولهم.
هؤلاء يتهمون البنك المركزي بأنه قام بهذا التلاعب خلال العام الماضي لإيجاد موارد مالية لإنقاذ البنوك الأهلية من الإفلاس ورفع مشاكل صناديق التقاعد.
إلا أنه بغض النظر عن مدى صحة هذه الاتهامات، لكن لا يمكن تجاهل دور السياسات المختلفة التي اتبعها المحافظ الجديد للبنك المركزي في رفع قيمة الريال.
ومع حلول إبريل/ نيسان الماضي بدأت تتسارع وتيرة تحسن العملة الإيرانية، واللافت أنه لم يؤثر الحظر الشامل الذي فرضته الإدارة الأميركية على الصادرات النفطية الإيرانية على هذا الوضع، إلا لبضعة أيام، حيث ارتفعت أسعار الدولار واليورو قليلا، ثم تراجعت مجددا مقابل ارتفاع سعر الريال، وذلك على عكس التوقعات، إذ إن هذا الحظر يحرم البلاد من أهم مصدر عوائدها بالعملة الصعبة.
وواصلت عملة الريال مسيرة التحسن إلى أن وصل سعر الصرف إلى 115 ألف ريال. وكانت لهذا التحسن ارتدادات إيجابية على مدى الشهرين الماضين على أسعار بعض السلع الأساسية، حيث بدأت تتراجع، ولو بنسبة قليلة حتى قبل الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الحالي، اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة الإيرانية رفع أسعار البنزين بنسبة 3 أضعاف، ليفجّر القرار احتجاجات مطلبية واسعة.
واعتبارا من هذا التاريخ عادت عجلة الساعة إلى الوراء، لتبدأ العملة الإيرانية مسيرة التراجع من جديد وعلى نحو سريع، حيث هبطت إلى 140 ألف ريال مقابل كل دولار، أي أنها فقدت نحو 20% من قيمتها، الأمر الذي بدأ يترك آثاره السلبية على أسعار الكثير من السلع لترتفع مجددا بنسب متفاوتة، بين 15 إلى 40%.
العربي الجديد