يرى المعلق في شؤون الشرق الأوسط بصحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر، أن اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني يهدد باندلاع مواجهة شاملة بين الولايات المتحدة وإيران.
وأضاف أن اغتيال سليماني بهجوم صاروخي على مطار بغداد الدولي يعتبر تصعيدا دراميا في حروب الظل بين طهران وواشنطن وحلفائهما في كل الشرق الأوسط. وسيكون من الصعب منع دائرة من الانتقام والهجمات المضادة والتي من المؤكد أنها ستخرج إلى العلن مع مخاطر حرب شاملة.
وحتى لو تم احتواء الأزمة، فإن التصعيد بالنزاع سينشر مزيدا من الشرر في منطقة تعاني من الاضطرابات والحروب وتزيد من أسعار النفط الدولي والذي ارتفع بنسبة 3% بعد انتشار خبر اغتيال سليماني.
ويعتقد غاردنر أن أمر الرئيس دونالد ترامب بقتل سليماني نقل رئاسته المتقلبة إلى مسار غادر، في وقت يحاول فيه خوض حملة لإعادة انتخابه في تشرين الثاني/ نوفمبر، في الوقت الذي كان يحاول فيه الهروب من حروب الشرق الأوسط المكلفة ومواجهة عمليات محاكمته أمام الكونغرس. وكل هذا بدون التفكير في ثمن قراره على العراق الذي وجد نفسه وسط تنافس مر بين الولايات المتحدة وإيران منذ الغزو الأمريكي عام 2003 والذي كانت طهران هي المستفيد الأول منه.
وسلمت حرب العراق السلطة إلى الشيعة ومنحت بالتالي فرصة لسليماني كي يبني محورا شيعيا في منطقة الشرق من العراق إلى سوريا ولبنان وممرا إيرانيا من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط. وقضى سليماني الذي أصبح ضابطا في الحرس الثوري أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) والتي دعم فيها الغرب صدام حسين، معظم حياته ينسق الجهود من الظل. وخرج إلى العلن بعد اجتياح تنظيم الدولة مناطق واسعة من العراق وسوريا عام 2014 وظهر على جبهات القتال مع الميليشيات الداعمة لإيران والتي بناها فيلق القدس وكان هدفها دفع تنظيم “الدولة” بعدما فشل الجيش العراقي النظامي الذي دربته أمريكا من مواجهة الجهاديين.
وكان تدخل فيلق القدس في سوريا عبر نشر مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية الأخرى محورياً في محافظة بشار الأسد على منصبه وهزيمة جماعات المعارضة المسلحة وحتى تدخل روسيا عام 2015 والذي جاء بناء على طلب من سليماني نفسه، وهو الذي حرف ميزان الحرب لصالح نظام دمشق.
وكان سليماني أمير حرب موهوبا، طور ميليشيات محلية وسلحها بالصواريخ والتي لم يكن منافسوها السنة قادرين على الرد عليها. إلا أن القوة العسكرية جاءت بدون الالتفات إلى شرعية وتجاهل الحكم مما أدى إلى اندلاع الثورات الشعبية المطالبة برحيل الإيرانيين في العراق ولبنان. وكانت هذه سببا في قلق الحكومة الدينية في إيران التي أرسلت سليماني في الأسابيع الماضية إلى بغداد وبيروت لحث الحلفاء المحليين الحفاظ على الوضع القائم.
وظل الرد الإيراني على الأحداث قويا ولكنه كان محسوبا. فالهجمات الصاروخية التي استهدفت الوجود الأمريكي في العراق كانت مجرد إزعاج وليس خطرا، حتى الصاروخ الذي قتل فيه متعهد أمريكي قرب كركوك حيث أمر ترامب يوم الأحد بغارات على مواقع ميليشيا كتائب حزب الله التي قتل قائدها مع سليماني يوم الجمعة، مخلفة أعدادا من القتلى في صفوف الفصيل المسلح.
وردت الميليشيا باختراق الحراسات الأمنية وحاصرت السفارة الأمريكية في بغداد. وجرت المقارنة بين حصار بغداد واحتلال السفارة في طهران عام 1979، وكان هذا هو السبب الذي دفع ترامب لاغتيال سليماني، مع أن الإدارة تقول إن لديها أدلة عن تورط سليماني بخطط لمهاجمة الأمريكيين في العراق.
ويقول الكاتب إن إيران وجماعاتها الوكيلة استوعبت هجمات عدة ضد مقاتليها وأرصدة تابعة لها قامت بها إسرائيل في سوريا وأمريكا في العراق والسعودية في اليمن. وبعد خروج ترامب من الإتفاقية النووية الموقعة عام 2015 وإعادة فرض العقوبات على إيران، قامت هذه بالتصعيد البطيء من خلال ضرب الناقلات النفطية في الخليج، ثم جاء الهجوم على منشآت النفط السعودية الذي لم تكن الرياض قادرة على الرد عليه ولم يرد عليها ترامب بشكل نشر الخوف وسط حلفاء واشنطن بالمنطقة. ولكن العملية الأمريكية في مطار بغداد والتي جمدت فيها قائدا عسكريا تم تحضيره للمناصب العليا ورفع مقامه إلى محل الأسطورة يعني ردا قويا من طهران وبدون تردد.
القدس العربي