بعد عام “قرع الطبول”.. هل يرحل “شيطان الحرب” عن الخليج في 2020؟

بعد عام “قرع الطبول”.. هل يرحل “شيطان الحرب” عن الخليج في 2020؟

على مدار 12 شهرا، تعززت احتمالات الحرب في منطقة الخليج، مع استهداف ناقلات ومنشآت نفطية، بخلاف مناورات وحشد وحشد عسكري مضاد غير مسبوق في الآونة الأخيرة.
كان عام 2019 امتدادا لتوترات متصاعدة في الخليج؛ جراء تخلي إيران عن بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، المبرم في 2015، إثر انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، وكذلك اتهام طهران باستهداف منشآت وناقلات نفط في الخليج، وهو ما تنفيه.
اتفق خبيران، على أن منطقة الخليج تتجه نحو مصالحات أو تفاهمات على أقل تقدير، ولن تشهد حروبا في 2020.
واستبعد أحدهم، أن تؤثر أحداث اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، الثلاثاء الماضي، وتداعياتها وأسبابها، في مسار تخفيف التوترات، معتبرها رسائل أكثر منها ممارسات جدية لتأزيم الوضع.

ما يعزز هذا الطرح، هو إطلاق طهران مبادرة للسلام واتفاقية عدم اعتداء مع دول الخليج، بالتوازي مع ما كشفته تقارير غربية عن مساعٍ سعودية “صامتة” للتهدئة، بعد تضرر إنتاجها النفطي من هجمات 2019.
وتصاعدت حدة التهديدات المتبادلة بمنطقة الخليج خلال 2019، وتُرجمت في إجراء مناورات وقيام تحالفات عسكرية ضخمة، بالتوازي مع مساعٍ للتهدئة.

توترات متصاعدة
في أبريل/ نيسان 2019، هددت رئاسة الأركان الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الحيوي لشحنات النفط العالمية، وذلك بعد نحو أسبوع من إعلان واشنطن وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني، التي كانت 8 دول حصلت عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
وتضاعف التوتر وقتها، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إرسال حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن”، إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية عن استعدادات إيرانية محتملة لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأمريكية في المنطقة.
وفي 12 مايو/ أيار، تعرضت 4 سفن شحن تجارية، اثنتان تتبعان السعودية وواحدة إماراتية والرابعة نرويجية، لعمليات تخريب، قرب المياه الإقليمية الإماراتية، على بعد نحو 70 ميلاً عن مضيق هرمز.
وبعد استهداف السفن بيومين، أعلنت الرياض تعرض محطتين لنقل النفط من حقولها لهجوم بطائرات مسيرة مفخخة، تبنته جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، في اليمن.
على خلفية تلك الاعتداءات، دعت المملكة إلى عقد قمتين طارئتين، خليجية وعربية، في مدينة مكة، يوم 30 مايو/ أيار.
وفي 20 يونيو/ حزيران، أعلن الجيش الأمريكي سقوط طائرة أمريكية مسيرة بصاروخ إيراني، في المياه الدولية، فوق مضيق هرمز. بينما قالت طهران إن الطائرة اخترقت سيادتها.
وبعد الحادث بيوم، ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن واشنطن تراجعت عن شن ضربات عقابية ضد طهران، دون توضيح الأسباب.
وفي 13 يونيو/ حزيران، تعرضت ناقلتي نفط نرويجية ويابانية لانفجارات في مياه خليج عُمان قرب السواحل الإيرانية.
وكشفت تقارير غربية أن إحدى الناقلتين كانت قد أبحرت من السعودية، والأخرى من الإمارات.
وفي 4 يوليو/ تموز، أعلنت حكومة إقليم جبل طارق (تابعة للتاج البريطاني)، إيقاف ناقلة نفط تحمل الخام الإيراني إلى سوريا، واحتجازها وحمولتها، قبل أن تفرج عنها بعد نحو شهر.
وردا على ذلك، احتجزت السلطات الإيرانية في 19 يوليو/تموز، ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” في مياه الخليج، بزعم أن الناقلة “لم تراع القوانين البحرية الدولية”، قبل أن تحل الأزمة.
ومنتصف سبتمبر/ أيلول، أعلنت الرياض السيطرة على حريقين نشبا في منشأتين تابعتين لشركة “أرامكو” النفطية؛ جراء استهدافهما بطائرات مسيرة، في هجوم تبناه الحوثيون، فيما حملت واشنطن مسؤوليته لطهران، وهو ما نفته الأخيرة.
بعد أيام من الهجوم، أعلنت واشنطن إرسال تعزيزات عسكرية إلى الخليج، بطلب من السعودية والإمارات.
وفي 11 أكتوبر/ تشرين أول، تعرضت ناقلة نفط إيرانية لانفجارات قبالة ميناء جدة السعودي، وقالت طهران إن دولة أجنبية تقف وراءها.
وفي الربع الأخير من 2019، شهد مضيق هرمز ومنطقة الخليج عامة استقرارا نسبيا، بعد أن كان بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت.

مناورات وتحالفات
شهد 2019، مناورات عسكرية ضخمة، أبرزها “درع الجزيرة المشترك 10″، في فبراير/ شباط، بالسعودية، بالتزامن مع مناورات إيرانية عُرفت بـ”الولاية 97” في مضيق هرمز، وشهدت لأول مرة إطلاق صواريخ من غواصات.
وأُجريت مناورات عسكرية، هي الأولى من نوعها، بين روسيا والصين وإيران، في 27 ديسمبر/ كانون الأول، لمدة 4 أيام شمالي المحيط الهندي وبحر عُمان.
وقالت طهران إنها للحفاظ على الأمن البحري والمصالح الاقتصادية.
فيما ذكرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية أنه من المرجح أن تنظر واشنطن إلى تلك المناورات على أنها استفزازية.
وأعلن الأسطول الخامس الأمريكي، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، افتتاح مركز قيادة في البحرين (مقر الأسطول)، لتحالف بحري عسكري تقوده واشنطن؛ لحماية الملاحة في منطقة الخليج.
ورأت طهران أن المساعي الأمريكية لتأسيس تحالف في الخليج “ستجعل المنطقة غير آمنة”، داعية إلى حل الخلافات بالحوار.

مبادرات سلام
بالتوازي مع حالة التعبئة، قادت دول، على رأسها باكستان وسلطنة عمان والعراق والكويت، جهودا لخفض التوتر في المنطقة.
ومنتصف ديسمبر/ كانون الأول، أفادت وسائل إعلام أمريكية، بينها صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن السعودية تحاول “بصمت” إصلاح العلاقات مع إيران وأعداء إقليميين آخرين.
وأضافت أن المسؤولين السعوديين أصبحوا “أكثر قلقا من المخاطر التي يشكلها النزاع على اقتصاد” المملكة المعتمد على النفط.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين وغربيين قولهم إن ممثلين من المملكة وإيران والحوثيين تبادلوا رسائل بشكل مباشر، في الأشهر الأخيرة، وتواصلوا أيضا عبر وسطاء في سلطنة عمان والكويت وباكستان.
وبخلاف ذلك، دعت طهران، في مايو/ أيار، دول الخليج إلى التوقيع على اتفاقية عدم اعتداء، لكن دون استجابة خليجية.
وفي سبتمبر/ أيلول، أعلنت جماعة الحوثي استعدادها لإجراء محادثات مع السعودية، ووقف إطلاق النار من جانب واحد.
وردت الرياض بوقف جزئي للقتال، فسره خبراء بأنه اتجاه “جديد” للتخفيف من حدة التوترات.
ويدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، منذ 2015، قوات الحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء جنوب المملكة منذ 2014.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إن طهران مستعدة للدخول في حوار مع الرياض “مباشرة أو عبر وسطاء”.
وتطرق إلى “مبادرة هرمز للسلام”، التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني في سبتمبر/أيلول، داعيا جميع دول الخليج إلى إحلال السلام في المنطقة بالحوار.
ودعت الإمارات، في نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى “عدم التصعيد” ضد إيران، واللجوء إلى “الحلول الدبلوماسية” معها، بالتزامن مع تأكيد من إيران على وجود “علاقة جيدة جدا بينها وبين الإمارات وقطر والكويت”.

تسويات ومصالحات
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، جواد الحمد، توقع أن تتجه المنطقة نحو المصالحات، مستبعدا اندلاع حرب في الإقليم خلال العام الجديد.
ودلل الحمد على توقعه بـ”المساعي الدولية لاحتواء الأزمات القائمة عبر أطراف متعددة، سواءً خليجية أو عربية، أو حتى عبر الاتصالات المباشرة بين الأطراف المتصارعة”.
وعن المناورات الأخيرة بين الروس وإيران والصين، رأى أنها “مجرد محاولة لتشكيل نوع من القوة والردع تجاه التحرشات الأمريكية بإيران ليس إلا”.
وفسر ذلك بتعاون الدول الثلاث عبر اتفاقيات للدفاع المشترك، وليس تشكيل حلف عسكري بالمعنى المعروف.
وعن فرص نجاح مبادرات السلام، خلال 2020، في كبح توترات 2019، قال إن “مبادرة هرمز للسلام، ومبادرتي الوساطة من الكويت وباكستان، يمكن أن تحدث اختراقا قويا لحلحلة الأزمات بالخليج”.
وأضاف: “بعيدا عن مبادرة هرمز الإيرانية، التي تأتي من طرف واحد لأهداف خاصة بطهران، فإن الحراك الكويتي والباكستاني تمكن من احتواء الموقف، ونجح بشكل كبير في نزع فتيل السخونة في الخليج، كما حدث عام 2017” في إشارة إلى الوساطة الكويتية بالأزمة الخليجية.
وربط الحمد أيضا بين تهدئة المنطقة ومساعي إيجاد مصالحة أولية، أو على أقل تقدير تفاهمات بين الرياض والدوحة، والتي ستؤثر مباشرة على الوضع في المنطقة، وفق قوله.
وتواصل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، منذ 5 يونيو/ حزيران 2017، قطع علاقاتها مع قطر وفرض إجراءات عقابية عليها، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
وبالنسبة لتحالفات واشنطن والمناورات الأمريكية بالخليج، اعتبرها الأكاديمي الأردني “محاولة من واشنطن لابتزاز دول الخليج ماليا وعسكريا، بجانب كونها محاولة ضغط على إيران للخضوع أكثر للسياسة الأمريكية في عدد من مناطق الاحتكاك الخاصة بحلفاء واشنطن، ولاسيما القضية الفلسطينية”.
وتابع: “الضغط الأمريكي على إيران ما زال جاريا، وفي حال ما إذا أبدت طهران مرونة في التفاوض والاتفاق النووي، ربما يكون هناك تحول مهم نحو تبريد المنطقة ثانية”.
وعن توقعاته لمستقبل المنطقة في ضوء سخونة أحداث 2019، قال إن “أطراف المواجهات المسلحة بالمنطقة قد استنفدت طاقاتها، وبدأت تستنزف الهدف والاستراتيجية والخزائن المالية، إضافة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في دول، على رأسها اليمن”.
وتوقع الحمد أن تشهد المنطقة في 2020 تسويات تحقق الحد المشترك من المصالح بين كل الأطراف.
ورأى الباحث المصري في القانون الدولي والعلاقات الدولية، محمد حامد، أن “التسوية قادمة لا محالة”.
وتوقع حامد أن “يشهد العام الجديد نهاية للخلاف القطري السعودي، وإعادة فتح معبر سلوى الحدودي بين البلدين”، مستشهدا بمؤشرات الحضور القطري رفيع المستوى في قمتي مكة والتعاون الخليجي بالسعودية.
كما توقع أن “يشهد العام الجديد تهدئة حقيقية بعد الوساطة الباكستانية بين إيران والسعودية، بتفاهمات محددة لتهدئة الصراع الحالي الساخن بين البلدين عبر وكلائهما في المنطقة، خاصة أنه عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية”.
ودلل حامد على ذلك أيضا بما تواجهه طهران من ضغوط داخلية (احتجاجات شعبية)، ترى على إثرها ضرورة تهدئة المنطقة، ما دفعها إلى طرح توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع دول الخليج، ما قد يمهد لإنهاء الأزمة اليمنية، التي دخلت عامها الخامس.

اقتحام السفارة الأمريكية
وعن أحداث اقتحام سفارة واشنطن في بغداد، الثلاثاء، قال حامد إنها حملت رسائل إيرانية إلى الولايات المتحدة، دون أن تتمادى طهران في ممارسات عبر أدواتها بالمنطقة قد تضيف مزيدا من العقوبات عليها.
والثلاثاء، اقتحم عشرات المحتجين الغاضبين، حرم سفارة واشنطن ببغداد؛ احتجاجا على هجمات جوية أمريكية، الأحد الماضي، على كتائب “حزب الله” العراقي، أحد فصائل الحشد الشعبي، في محافظة الأنبار العراقية، ما أدى إلى مقتل 28 مقاتلاً من الكتائب وإصابة 48 آخرين.
وحمّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو، إيران، مسؤولية الاعتداء على السفارة، وهو ما رفضته طهران واعتبرته “تلويحا بالحرب”.
وفي هذا الصدد توقع حامد أن “تستوعب إيران الدرس دون التمادى في مثل هذه الممارسات”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة سبق أن تعاملت بجدية مع حوادث مماثلة، وهو ما تعيه إيران”.
وهدف الاقتحام، بحسب حامد، “التذكير بأحداث اقتحام السفارة الأمريكية في إيران عام 1979 (بعد أشهر من الثورة الإيرانية الإسلامية)، للضغط على واشنطن لتخفيف العقوبات، وصرف الأنظار عن ثورة الشعب العراقي ضد النفوذ الإيراني”.
كما اعتبر الحادث “مساعٍ إيرانية لتوريط الإدارة الأمريكية قبيل انتخابات 2020، لذا طهران تريد التأثير والضغط على إدارة ترامب بأن يكون الاقتحام وجبة دسمة على مائدة الناخب الأمريكي”.

(الأناضول)