خمسة أسباب لتدخل تركيا عسكريا في سوريا

خمسة أسباب لتدخل تركيا عسكريا في سوريا

tsk_dan_suriye_de_hava_operasyonu_h52086_8c99f

نأت تركيا بنفسها طويلًا عن الحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات، وعن أي حرب أخرى في المنطقة؛ فهي -رغم أنها من أكبر الجيوش في حلف النيتو- لم ترفض فقط التدخل في وقت سابق في سوريا مع التحالف الدولي الذي شكل ضد تنظيم الدولة، بل فضلت كذلك الحل السياسي عندما طلبت السعودية منها المشاركة في الحرب ضد الحوثيين في اليمن.

التدخل العسكري بصفة عامة -ولاسيما البري- ليس نزهة، ومحفوف بالمخاطر دائمًا؛ إلا أن هذا لم يكن السبب الوحيد الذي جعل تركيا تحجم عن التدخل عسكريًا في سوريا، رغم موقفها الواضح المؤيد للثورة والمطالب للأسد بالتنحي.

بداية، كان انسحاب القوات العراقية -المدعومة من إيران- من مدينة الموصل شمال العراق في يونيو 2014 مقدمة لتسيطر عليها قوات داعش في العراق. وبنفس الطريقة كان انسحاب قوات بشار الأسد -المدعومة أيضًا من إيران- من مدينة عين العرب كوباني في يوليو من العام ذاته مقدمة كذلك لتتقدم داعش في المدينة ذات الأغلبية التركية والقريبة جدًا من الحدود التركية!

كانت المعادلة التي يريد النظام السوري ومن ورائه إيران إيصالها للغرب: إما أنا وإما داعش! ولا عجب أن طلب وزير الخارجية السوري وليد المعلم يعرض على الولايات المتحدة خدمات النظام في حرب داعش!

وحتى ذلك الوقت لم تكن تركيا تخشى من داعش بقدر خشيتها من وحدات حماية الشعب وغيرها من التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا؛ لأن سيطرة الأكراد بالقوة على مدن سورية على الحدود التركية يهدد بضم مدن ذات أغلبية كردية في جنوب شرق تركيا وإنشاء دويلة تحقق حلم الأكراد في المنطقة وهو ما ترفضه أنقرة بشكل قاطع.

لذلك؛ عزفت تركيا عن محاربة داعش، بل ذهب البعض إلى اتهام الحكومة التركية بتسهيل تدفق المقاتلين إلى داعش لإضعاف القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديدًا للأمن القومي التركي!

وقد ذهب جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في أكتوبر 2014 إلى اتهام تركيا ودول أخرى بتسليح الإرهابيين في سوريا، وهي التصريحات التي انتقدها أردوغان بشدة جعلت بايدن يعتذر عنها!

الظرف السياسي اختلف الآن، ورجح خيار التدخل العسكري في سوريا، لعدة عوامل:

1- حدوث تفجيرات داخل تركيا

هذه التفجيرات أحيت الاتهامات القديمة لحزب العدالة والتنمية “بالتسامح” مع عناصر داعش الموجودين في تركيا، أو “التساهل” مع تدفقهم عبر الحدود؛ مما يعني ضمنًا تحميل الحكومة التركية مسؤولية هذه التفجيرات، هذا فضلًا عن القصور الأمني والاستخباري. اتهامات مثل هذه لها وقع بالغ الخطورة على الحزب قبيل الانتخابات المرتقبة.

ما تحاول به الحكومة التركية الآن هو ترميم صورتها كحكومة قوية، وقادرة على حماية الأمن القومي التركي وحماية المواطنين الأتراك، بكل السبل الممكنة بما فيها التدخل العسكري، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تريد الحكومة التركية نفي تهم “التسامح والتساهل” عن نفسها بمساعدة مقاتلي داعش، سواء بإلقاء القبض على عدد كبير من المشتبه بهم داخل تركيا (وصل عدهم حتى الآن 851 شخصًا)، أو بضرب مواقع تنظيم الدولة في شمال تركيا؛ وهذا مهم جدًا قبيل الانتخابات المبكرة المتوقع إجراؤها.

2- عدم الاكتراث كثيرًا بالصوت الكردي هذه المرة

في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان حزب العدالة والتنمية يضع آمالًا كبيرة على عدم حصول حزب الشعوب الديمقراطي الممثل للأكراد على العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان (10%) مما يعني ذهاب كتلة الأصوات في المناطق الكردية إلى الحزب الذي يقع في المركز الثاني في هذه المناطق، أي العدالة والتنمية.

لكن حزب الشعوب الديمقراطي حقق المفاجأة، وتجاوز العتبة الانتخابية، ليحصد 13% من أصوات الناخبين؛ لأسباب عدة أهمها تصويت القوميين -خصوم أردوغان- في المناطق الكردية لحزب الشعوب الكردي، وكذلك دعم إماراتي واضح للأكراد، وعدم قدرة أردوغان على استمالة الأكراد رغم بنائه مطارًا لهم أسماه مطار صلاح الدين، وحملات دعائية معارضة… إلخ.

هذا النجاح المفاجئ لحزب الشعوب جعل حزب العدالة والتنمية يفقد الأغلبية في البرلمان منذ حوالي 13 عامًا؛ مما جعل فرص الحزب لتشكيل حكومة ائتلافية صعبة للغاية.

ثم جاءت التفجير الأخير في مدينة سروج التركية ضد ناشطين “أكراد” متضامنين مع لاجئين “أكراد” نزحوا من مدينة عين العرب كوباني ذات الأغلبية “الكردية” لتجعل حظوظ العدالة والتنمية في الصوت الكردي في الانتخابات المبكرة القادمة -إن حدثت- منعدمة تقريبًا!

3- مد جسور التواصل مع القوميين لتشكيل حكومة ائتلافية

فلا شك أن التقارب السياسي بين أردوغان والأكراد، والتفاوض بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني أزعج القوميين الأتراك كثيرًا، وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري. الآن مع توجيه الحكومة ضربات لمسلحي حزب العمال ومنظمات كردية أخرى في العراق وسوريا، قد أسعد القوميين كثيرًا، وقوّى من حظوظ تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، دون اللجوء لانتخابات مبكرة.

4- انتهاز الظرف لتقليم أظافر المنظمات الكردية المسلحة

فعلى الرغم من أن الأنظار اتجهت إلى داعش بعد تفجير سروج؛ إلا أن الضربات وجهت أيضًا لحزب العمال الكردستاني. وعلى الرغم من أن التخوف جاء من سوريا؛ إلا أن الضربات شملت أيضًا مواقع الحزب في العراق. صحيح أن حزب العمال الكردستاني أعلن عن مسؤوليته عن قتل جنود أتراك عقب تفجير سروج؛ إلا أن وضع مواقع الحزب على قائمة بنك الأهداف التركي كان هدفًا تركيًا في خد ذاته.

5- دعم المعارضة السورية المسلحة

صحيح أنه حتى الآن لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا قرب الحدود التركية، لمنع مرور الطائرات الحربية التابعة لبشار فوقها No-Fly Zone، وصحيح أنه من المستبعد في الوقت الحالي أن يتم إرسال قوات برية -تابعة للنيتو أو لتركيا وحدها- لإقامة هذه المنطقة التي كانت ولا زالت مطلبًا تركيًا؛ إلا أن مشاركة تركيا في الحرب ضد داعش في سوريا، وفتح قاعدة إنجرليك الجوية التركية أمام طائرات التحالف الدولي ضد داعش يعني توجيه ضربات قوية ومتتابعة تضعف من قوة داعش في سوريا.

هذه الضربات التي تتلقاها داعش يمكن أن يستفيد منها ثلاثة أطراف: النظام السوري، الأكراد، المعارضة السورية. إلا أن إصرار تركيا على وجود ضباط أتراك في قاعدة إنجرليك يشرفون على الضربات التي سيقوم بها التحالف ضد داعش في سوريا الهدف منه ألا تصب الضربات في مصلحة أي من النظام السوري أو وحدات حماية الشعب الكردية، بل في مصلحة المعارضة السورية المسلحة فقط.

ربما يشعر أردوغان أن نهاية الأسد تلوح في الأفق، وأن الغرب بدأ يقتنع بوجهة النظر السعودية القطرية التركية أن النظام في سوريا جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل، وأن الأمور تتجه -بعد اتفاق إيران النووي- لتسوية سياسية في سوريا لا تشمل بشار الأسد.

التدخل العسكري التركي في سوريا ربما يعطي المعارضة المسلحة الزخم الذي تحتاجه لحسم المعركة ضد بشار، رغم النفي الحالي بالتدخل البري والاقتصار على الضربات الجوية. فهل تفعل تركيا مثل الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، تتدخل مؤخرًا وتربح كثيرا؟ أتمنى ذلك!