تحت عنوان “مات سلطان، هل ستنجو الدبلوماسية الاستثنائية؟” قال هيو إيكان المتخصص بشؤون عمان والخليج، إن وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد تترك عددا من الملفات في حالة من الغموض وهل سيواصل خليفته السياسة التي انتهجتها عمان في مجال الحياد الإيجابي، سواء في ملف أمريكا وإيران والدفع بعلاقة مع إسرائيل أم في مجال رعاية المحادثات السعودية – الحوثية.
وقال الكاتب إن السلطان قابوس واجه في أول عامين من إدارة دونالد ترامب وضعا صعبا، حيث كان المتمردون الحوثيون الذين تدعمهم إيران قريبا من حدوده في اليمن، وكانت إسرائيل تهاجم حلفاءه الفلسطينيين في وقت تخلت فيه واشنطن عن الخيار الدبلوماسي في الشرق الأوسط.
وبدلا من البحث عن ملجأ له من الإدارة في التحالف الذي تقوده السعودية مع الدول السنية قرر المضي بطريق مختلف. فدعا أولا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى قصره في مسقط وبعد ذلك رحب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومدير الموساد يوسي كوهين في زيارة رسمية لبلاده. وقال إن استقبال دولة عربية لرئيس الجمهورية الإسلامية ورئيس وزراء الدولة اليهودية أمر لم يكن يتخيله أحد. وبالنسبة لقابوس الذي توفي في العاشر من كانون الثاني (يناير) بعد 50 عاما على رأس بلاده، فهذه الدبلوماسية جزء من تعزيز وضعية عمان الإقليمية كمقرب للآراء ووسيط. ومع أنه ظل غير معروف في الدوائر الدبلوماسية إلا أنه كان وفي معظم فترة حكم عمادا لا يمكن الاستغناء عنه في النظام الدولي. وفي السنوات الأخيرة بدا وكأنه جزء من فترة ماضية.
ففي تشرين الثاني (نوفمبر) نظمت عمان محادثات بين السعودية والمتمردين الحوثيين في محاولة لإنهاء الحرب المدمرة، إلا أن أهم نجاحات السلطان قابوس كان التقارب الذي هندسه بين إيران والولايات المتحدة والذي قاد إلى الاتفاقية النووية عام 2015.
وبدأت هذه الجهود في عام 2009 أي بعد فترة قصيرة من وصول الرئيس باراك أوباما إلى الحكم. وعرض مبعوث عماني إمكانية فتح المفاوضات مع الولايات المتحدة. وتفاوضت عمان من أجل الإفراج عن ثلاثة من الأمريكيين الذين اعتقلتهم إيران. وفي عام 2012 بدأ عدد من المسؤولين في الخارجية عقد محادثات سرية مع نظرائهم الإيرانيين في مسقط لوضع الخطوط العامة للاتفاقية النووية. وبعد انتخاب حسن روحاني عام 2013 والذي كان ينظر إليه كمعتدل سافر قابوس إلى طهران حيث رأى أن هناك فرصة والتقى مع روحاني والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. ومع نهاية العام استطاع قابوس تعبيد الطريق للمفاوضات على اتفاق مبادئ بين طهران وواشنطن. وقد تم التخلي عن الاتفاقية التي وقعت عام 2015 من قبل الولايات المتحدة وإيران في وقت يؤكد فيه الجيل الجديد من المتشددين المستبدين في الجزيرة العربية، ولا يعرف إن كانت دبلوماسية قابوس الكوزمووبوليتية المطلقة ستنجو بعد وفاته. وبالنسبة له فلا تناقض بين البحث عن أرضية مشتركة مع قادة إسرائيليين وأعدائهم في إيران وفلسطين، كما لا يوجد تناقض بين الملكية المطلقة والمجتمع الليبرالي الحديث المتعدد الذي كان يحكمه. وفي الوقت الذي استقبلت مسقط الدبلوماسيين والمتمردين للتفاوض من خلف الأبواب المغلقة، احتفل قابوس بافتتاح بيت الأوبرا بحضور المغني الأوبرالي بلاسيدو دومينكو وفرانكو زيفيرلي خريف عام 2011. وهو العام الذي كان فيه الربيع العربي يطيح بالحكام العرب. وشهدت عمان ربيعها ولكن تمت جره تحت السجادة. ووصفه نتيناهو بعد زيارته عام 2018 بأنه الرجل “الذي يحمل روح فنان” ووجدت أننا نقرأ نفس الكتب. وكان من الصعب التكهن بإنجازات قابوس في الوقت الذي أطاح فيه بوالده بانقلاب دعمه البريطانيون عام 1970. وكان والده سعيد بن تيمور قد منع كل أشكال التكنولوجيا أو معظمها ومنها النظارات. وواجه في سنواته الأولى تمردا في إقليم ظفار قاده الماركسيون وهدد بتمزيق البلد. واستطاع السلطان الشاب بدعم بريطاني وإيراني التغلب على الثورة. ومع اكتشاف النفط بكميات قليلة بدأ بعملية تنمية سريعة تركزت على المدارس والمستشفيات والتأكيد على الهوية العمانية. وبسبب تاريخها على المحيط الهندي وامبراطوريتها فيه فقد تشكل المجتمع العماني من تنوعات بشرية من بلوشستان وسكان يتحدثون بالسواحيلية من شرق إفريقيا وعرب. ورغم الغالبية السنية التي تتبع مذهب الإباضية إلا أن هناك أقلية شيعية وبعض التجمعات الدينية الأخرى. ومن خلال استخدام الثقافة المزيجة حول قابوس عمان إلى مجتمع قوي موحد، عدد سكانه الآن 4.6 مليون نسمة. واستطاع التحكم بالبلاد من خلال الحفاظ على منصب وزير الدفاع والمالية والخارجية ورئاسة الوزراء وقيادة القوات المسلحة. وتحولت عمان في بداية الثمانينات من القرن الماضي إلى عمان النهضة حيث استطاع قابوس استخدام مهاراته كموحد في السياسة الخارجية. ففي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية احتفظت عمان بعلاقة مع الطرفين واستضافت معاهدة سلام. وفي بداية القرن الحالي أصبحت عمان ماهرة في حل الخلافات السنية والشيعية. وفي الوقت الذي انشغل فيه السلطان بحل الخلافات الخارجية بدأ نظامه المستبد يتعرض لضغوط من الداخل حيث تراجعت أموال النفط وزادت نسب البطالة. وفي عام 2011 شهدت البلاد تظاهرات شارك فيها الشباب الذين عبروا عن غضبهم على الأوضاع والنظام. وطالبوا بتغيير الدستور وتوفير فرص العمل واشتبكوا مع الأمن. وشعر السلطان قابوس بالهزة ولهذا سارع بالإعلان عن 50.000 وظيفة جديدة ومنح المجلس الاستشاري سلطات جديدة. ولكنه وضع قيودا جديدة على حرية التعبير وتم اعتقال عدد من المدونين. ويرى الكاتب أن الأحداث التي شهدتها عمان في تلك الفترة لم تؤثر على شعبية السلطان. إلا أن الكثيرين عبروا عن مخاوفهم من المستقبل بسبب زيادة مناخ الرقابة. وزاد الوضع سوءا في السنوات الأخيرة حيث زادت نسبة البطالة إلى 50% وهي الأعلى في دول الخليج. ومما يزيد من المخاوف هو أن خليفة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ليست لديه خبرة طويلة في السياسة، ولكنه وعد بمواصلة نهج السلطان قابوس بمساعدة يوسف العلوي، المستشار المعروف للشؤون الخارجية. وليس لديه نفوذ سلفه ولا يمكنه التعويل على العلاقة مع الولايات المتحدة. فبعد وصوله إلى البيت الأبيض التقى ترامب مع كل ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء عمان. وقطع الدعم العسكري عن عمان وعزز علاقته مع السعودية حيث بات ينظر للسلطنة كدولة قريبة من إيران. وقد تكون وفاة قابوس ليست مجرد وفاة أحد قادة الشرق الأوسط الحازمين بل نهاية للدبلوماسية السرية التي أسهمت وعلى مدى السنوات لنزع فتيل الأزمات في المنطقة ومثل السلطان لا وريث لها.
القدس العربي