ما بعد الاتفاق: هل يُعرقل الحرس الثوري فرصَ انتعاش الاقتصاد الإيراني؟

ما بعد الاتفاق: هل يُعرقل الحرس الثوري فرصَ انتعاش الاقتصاد الإيراني؟

3696

يبدو أن القطاع الخاص المحلي الإيراني والشركات الغربية على أهبة الاستعداد لاغتنام بعض المكاسب الاقتصادية بعدما وقَّعت إيران اتفاقًا نوويًّا نهائيًّا مع مجموعة “5+1” في 14 يوليو الجاري، فيما تأمل إيران بدورها العودة سريعًا وبقوة إلى أسواق النفط العالمية، والاندماج مجددًا في النظام المالي العالمي. بيد أن حصول القطاع الخاص المحلي والأجنبي على مكاسب عريضة لا يبدو احتمالا قريبًا. فرغم التعهدات السياسية قبل الاتفاق بشهور بتحسين بيئة الأعمال، وإتاحة الفرصة أمام انطلاق القطاع الخاص؛ لا يزال تغلغل مؤسسات الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني أهم الحواجز والعقبات الراهنة، فدائمًا ما كانت تحصل على مزايا وتفضيلات تحد من نشاط القطاع الخاص، ومن ثم فإن بقاء مثل هذه القيود يفرض سيناريوهين رئيسيين؛ إما أن تتمكن السلطات السياسية من كبح جماح شركات الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، أو أن يضطر القطاع الخاص للتحالف مجبرًا مع الحرس الثوري.

توقعات متفائلة:

من دون شك، زاد إبرام الاتفاق النووي النهائي بين إيران ومجموعة “5+1” من احتمالات عودة اقتصادها المتهالك إلى مظلة النظام الاقتصادي العالمي. وبموجب الاتفاق، سيتم رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بشكل تدريجي بالتزامن مع وفاء إيران بالتزاماتها في الاتفاق النووي. وسيكون بمقدور إيران استرداد أصول مجمدة بالخارج تصل إلى 100 مليار دولار، ومن المعتقد أن تعود قريبًا إلى شبكة المدفوعات الدولية (SWIFT)، بما سيمكِّنها من الاندماج في شبكة المنظومة المالية العالمية، والاستفادة من الفرص التمويلية المختلفة.

وأيًّا كانت الشكوك حول توقيت عودة إيران إلى سوق النفط العالمي، فأكثر التوقعات تشاؤمًا ترى أن إيران ستتمكن من زيادة إنتاجها النفطي بنحو 700 ألف برميل بنهاية 2016 ليصل إلى قرابة 3.5 ملايين برميل يوميًّا، علاوة على 40 مليون برميل أخرى كمخزون استراتيجي لديها. ومع استعداد الشركات الغربية لدخول قطاع البتروكيماويات والسيارات وضخ استثمارات كبيرة فيها، ستستطيع الخروج من ركودها الحاصل بالأعوام الماضية، وهو ما سيقود إلى نمو متسارع قد يصل إلى 5% و6% خلال عامي 2015/2016، و2016/2017 على التوالي، حسبما أشارت تقديرات معهد التمويل الدولي.

تخوفات غربية:

برغم عدم ترجمة زيارات الوفود الاستثمارية الأوروبية والروسية لإيران على مدار الأشهر السابقة للاتفاق النووي إلى صفقات حقيقية حتى الآن، فإنه بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، سيكون بمقدورها الدخول إلى السوق الإيرانية بسهولة. ولعل زيارة وزير الاقتصاد الألماني، سيجمار جابريال، إلى إيران خلال يوليو الجاري، تمثل إشارة إلى استعداد الشركات الألمانية للتنافس على حصة من مكاسب الاتفاق النووي. كما يعتقد أن وفدًا اقتصاديًّا فرنسيًا، سيقوم بزيارة إلى إيران قريبًا، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم لجنة الصناعة في مجلس الشورى الإسلامي، رمضان علي سبحاني، وقد دخلت شركات السيارات الفرنسية في مفاوضات سابقة مع السلطات الإيرانية لضخ استثمارات في قطاع السيارات الإيراني.

هذا السباق الغربي يعكس جانبًا من المنافع المشتركة التي أنتجها الاتفاق النووي. فعلى سبيل المثال، من أجل أن تتوصل إيران إلى إنتاج يومي بـ5 ملايين برميل، فهي بحاجة إلى استثمارات تناهز 100 مليار دولار، ما يعني نسبيًّا اعتمادها على الشركات الغربية، وفي مقابل ذلك، وفي ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط، تبحث الشركات المنتجة للنفط عن مواقع منخفضة التكلفة لإنتاج النفط مثل إيران.

ورغم هذا، لن يكون الطريق ممهدًا على الإطلاق، حيث تظهر تخوفات غربية كبيرة من النشاط الاقتصادي لشركات الحرس الثوري الإيراني، ويعتقد رجال أعمال محليون وأجانب أن أبواب الاستثمار الأجنبي في البلاد لن تكون مفتوحة ما لم يتم تحجيم التوغل الاقتصادي للحرس الثوري في البلاد. وفي الوقت نفسه، ربما يخشى الحرس الثوري من فقدان نفوذه الاقتصادي بالبلاد، لا سيما أن فترة العقوبات الاقتصادية الممتدة طيلة 10 سنوات، سمحت بزيادة دوره داخل الاقتصاد الإيراني، والحصول على تسهيلات تمويلية وعطاءات حكومية كبيرة الحجم، في مناخ أعمال لم يوصف بالتنافسية أو التكافؤ.

وفي هذا السياق، تكشف خريطة القوى الاقتصادية الإيرانية عن أن شركات الحرس الثوري تساهم بما نسبته 15% من الناتج المحلي الإيراني، وتتحصل على 12 مليار دولار سنويًّا من التجارة غير المشروعة، كما تُساهم من الباطن في بعض الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء. وبصفة عامة، ظل دور القطاع الخاص بالاقتصاد الإيراني محدودًا، ولا تتجاوز مساهمته أكثر من 20%، في ظل تمدد شركات الحرس الثوري، علاوة على الدور التاريخي لكل من الشركات المملوكة للحكومة ومؤسسات “البونياد”.

ضغوط إصلاحية:

أمام هذا الدور المتوسع للحرس الثوري، وفي محاولة لجذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، تعهدت حكومة الرئيس حسن روحاني بمساندة القطاع الخاص المحلي والشركاء الأجانب، وهو ما انعكس في إعلان روحاني في جلسات في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس يناير 2014، عن اعتزام حكومته تقديم نماذج استثمارية جذابة لعقود النفط مع الشركات الأجنبية، ذات آجال أطول قد تصل إلى 25 عامًا، وعوائد أكبر.

وقبيل ذلك بشهور، وفي مواجهة قد تبدو مباشرة مع الحرس الثوري، أشاد روحاني في خطابه الرسمي في سبتمبر 2013 بمناسبة “يوم الدفاع المقدس”، بالأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري، ولكن في الوقت نفسه، حث الحرس الثوري على الدخول في المشاريع الكبيرة الحجم فقط، بما لا يزاحم استثمارات القطاع الخاص، وفي مناسبة أخرى في ديسمبر 2014، قال روحاني: ” إن أي شيء لا يجري في جو تنافسي، أو تكون إدارته احتكارية، معيب.. هذا خطأ، والمشكلة يجب أن تُنْهَى من جذورها”، في إشارة أخرى لانتقاد النفوذ المترامي لشركات الحرس الثوري.

تشابك معقد:

حتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان روحاني سيجبر الحرس الثوري على كبح جماح توغله بالاقتصاد الإيراني، ولكن على أية حال، يظل ذلك مستبعدًا، لا سيما أن أوجه الاعتراض التي أبدتها قيادات الحرس الثوري على بنود الاتفاق النووي أكثر من مساحات التلاقي مع المؤسسة الرئاسية، بما يعني أن مساحة التوافق ما بين المؤسسة الرئاسية والحرس غير واردة في الوقت الراهن، وهو ما يشير إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه الحكومة الحالية يتمثل في مساحة محدودة لانتشار القطاع الخاص المحلي والأجنبي، مع اتخاذ إجراءات موازية لتحسين بيئة الأعمال، ووقف منح المشاريع الحكومية لشركات الحرس الثوري.

ولا غرابة في استنتاج أن القطاع الخاص سيجد نفسه مجبرًا على الدخول في تحالف مع شركات الحرس الثوري، في بعض المشروعات، وهو ما يقود إلى مفارقة هامة، وهي أنه رغم معارضة الحرس لبنود الاتفاق، فإن شركاته ستكون الفائز الأكبر من تداعياته. وتأسيسًا على الوضع السابق، ربما يعني ذلك أنه على الحكومة الحالية تقديم الضمانات الكافية، حتى يتمكن القطاع الخاص من ضخ استثماراته دون عراقيل وحواجز كبيرة.

وباختصار، أصبح أمام السلطات الإيرانية مهمة ثقيلة لتهيئة بيئة أعمال مناسبة للقطاع الخاص، لا سيما في ظل غموض الدور المستقبلي لشركات الحرس الثوري، الأمر الذي قد يؤجل دخول القطاع الخاص بقوة إلى السوق الإيراني.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية