الباحثة شذى خليل*
بعد تصويت البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، ضمن تداعيات مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وتمرير القرار بدعم من الكتلة الشيعية القوية المقربة من إيران، وقاطع النواب السنة والكرد جلسة التصويت.
وعلى الرغم من أن قرارات البرلمان لا تعد مُلزمة للحكومة، لأنها حكومة تصريف أعمال، ويرى محللون أنه إذا اضطرت الولايات المتحدة فعلا إلى مغادرة العراق، فإن ذلك سيفسح شهية إيران لبسط نفوذها ليس على العراق وانما المنطقة.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، “إذا طلبوا منا المغادرة، إذا لم نفعل ذلك بطريقة ودية للغاية، سوف نفرض عليهم (ويقصد العراق) عقوبات، لم يسبق لها مثيل من قبل”، مضيفًا “ستجعل العقوبات الإيرانية تبدو هينة بعض الشيء”.
وأضاف ترامب: “لدينا قاعدة جوية باهظة التكلفة للغاية، لقد كلف بنائها مليارات الدولارات، مؤكدًا: “نحن لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا مقابل ذلك”.
وتشير المصادر إلى ان هذه العقوبات ستكون اقتصادية ويمكن للبيت الأبيض استخدامها لمحاولة عزل ومعاقبة أي شخص أو كيان أو حكومة، بما في ذلك من فرض عقوبات على الشركات الأمريكية في حال عملت مع أخرى عراقية، و منع أي شخص أو كيان من التعاطي مع الاقتصاد والقطاع المالي في الولايات المتحدة يمكن أن يمثل عقوبة شديدة للغاية.
وضع اقتصادي منهار: رغم ثروات البلد المتعددة والمتنوعة، كالبشرية مثلاً، فالعراق من البلدان الفتية والغنية بطاقات شبابية قادرة على بناء اعظم المجتمعات لكنها لم تجد الفرصة والأرض الصالحة لاستغلالها واستثمارها، والثروات المادية كالنفط والغاز والمعادن والزراعة وثروات أخرى لاتعد ولا تحصى، لكنه يعاني بسب الإدارة الفاشلة لإدارة تلك الثروات.
حيث يصنف العراق كثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك، ويشكل النفط اكثر من 90% من موازنة العامة للدولة العراقية، والممول لرواتب العراقيين، اضافة الى الفساد في العقود النفطية التي لا تخدم المصلحة الوطنية المثقلة على كاهل تلك الميزانية بالأخص التي عقدها حسين الشهرستاني، المسؤول عن ملف الطاقة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، للشركات الأجنبية جانبا كبيرا من عوائد الإنتاج وتفرض على بغداد تغطية مصروفاتها، إضافة إلى إعطائها الحق في رفض خطط التطوير والاستكشاف، وقد كشفت تحقيقات دولية عن أدلة فساد في تلك العقود.
بالإضافة الى توقف معظم المشاريع مثل الاعمار والصناعات البتروكيماوية والنفطية التي نتج عنها العجز في مصادر الطاقة والتي يعوضها العراق باستيرادها من ايران، واليوم البلد بناه التحتية منهارة بشكل شبه كامل.
حيث أصبح النقص في مجال الطاقة أزمة مزمنة في بلد يطفو على بحيرة من النفط، وتسمح واشنطن حتى الآن لبغداد باستيراد ما تحتاج اليه من إيران لتوفير ساعات إضافية من التغذية يوميا.
التعرض للعقوبات الاقتصادية تفاقم مشاكل العراق، حيث يعيش واحد من كل خمسة أشخاص تحت خط الفقر، ويعاني شاب من كل أربعة شباب البطالة، وحسب وزارة التخطيط، فإن المؤشر الرسمي لقياس نسبة الفقر المعتمد محلياً، وفي البنك الدولي، هو 22.5%، أي أن نحو ربع العراقيين فقراء ففي محافظة البصرة (جنوب) توجد فيها 100 ألف أسرة تعيش تحت خط الفقر المدقع، من غير المعقول أن تطفو المحافظة على بحر من النفط ولا يحصل أبناؤها على أبسط مقومات الحياة، بسبب السياسات الحكومية الفاشلة، مما يجعل فرص العمل صعبة للغاية.
وارتفاع نسبة الفقر في محافظة المثنى الى مستوى تسبب في زيادة نسبة الجريمة..
هل يمكن تجنب آثار العقوبات فالمشاكل متشابكة اقتصادية سياسية واجتماعية:
في الأوساط الشعبية والأكاديمية حول تبعات أي إجراءات تتخذ ضد العراق، أصدر المجلس الاستشاري العراقي ورقة بحثية تضمنت 10 حلول لتجنب تلك الآثار.
في تقريرها “حلول ومعالجات مقترحة لتفادي آثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية المحتملة على العراق1- من الأجدر تفادي أية عقوبات محتملة مباشرة أو غير مباشرة منعاً لتداعيات مماثلة يصعب تداركها لعقود قادمة.
واستشهد بأمثلة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخراً على إيران وروسيا، وذكر ما شهده العراق في تسعينيات القرن الماضي، مع الإشارة إلى أن “العراق تمكن آنذاك من تخطي مجاعات مخيفة بفعل تطبيق نظام البطاقة التموينية، فضلاً عن كون تعداد سكانه أقل مما هو عليه اليوم، إلى جانب امتلاكه لقطاع زراعي منتج وقاعدة صناعية وبنى تحتية، ورغم ذلك كانت آثار وتبعات الحصار كارثية، ولم يتعافى العراق منها حتى يومنا الحاضر”.
اقتصاد العراق هش كونه ريعي بسبب اعتماده على الصادرات النفطية وافتقاره للقطاعين الصناعي والزراعي وعدم امتلاكه القدرة على تصدير ما ينتجه إلى العراق لزيادة الدخل القومي من العملات الصعبة.
ولخص تداعيات فرض العقوبات المباشرة أو الثانوية على العراق بـ “انهيار الدينار العراقي، ما يؤدي إلى زيادة حجم التضخم النقدي، وزيادة حجم التضخم المفرط، ونزول القوة الشرائية للدينار، وارتفاع غير مسبوق لأسعار البضائع والسلع ونزول قيمة المدخرات.
وأضاف، أن الاقتصاد العالمي يعتمد على الدولار، وإذا ما قررت الولايات المتحدة حصر أو تحديد تدفق الدولار على العراق، حتما سوف لا يصمد امام التحديات الداخلية والخارجية، خاصة وأن البنك المركزي مرتبط بشكل مباشر ووثيق مع النظام المصرفي الأمريكي منذ 2003.
أما فيما يتعلق بالحلول فاقترح المجلس الاستشاري مجموعة خطوات، لكن قبل ذكرها، يؤكد مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية من خلال الدراسات الاقتصادية المقدمة ، ان أي حل يجهض بامتياز ما لم تكن إدارة الدولة العراقية من قبل رجال عراقيين ينتمون للعراق ولتربة العراق أولا وليس الولاء لدولة أخرى أو لدين أو لعقيدة او لحزب فقط، في هذه الحالة يمكن الأخذ باقتراحات وحلول وخطط لإعادة نهضه البلد .
ومن تلك المقترحات وهي: “تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على مبيعات النفط، والاهتمام بالقطاعات غير النفطية مثل الصناعة والزراعة والسياحة، وتحويل نسب معينة من خزين الدولار لدى البنك المركزي الى عملات صعبة أخرى، وتغيير أنظمة وقوانين المصارف وقانون البنك المركزي لمواكبة تطور الأنظمة المصرفية في العالم الحديث، وفتح قنوات التعامل مع المصارف الأوروبية الكبيرة واعتمادها كمصارف وسيطة للتحويلات المالية وفتح السندات الحكومية”.
والاهم اتباع سياسة الأمن الغذائي وتأمين ما تحتاجه هذه السياسة من متطلبات لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتشجيع الصناعات الغذائية والتعبئة والتعليب والتسويق، والذي سينعكس بدوره على تشغيل المزيد من الأيدي العاملة العراقية والحد من تفشي البطالة.
وتشجيع التعليم الحرفي والتقني، وانشاء صندوق لدعم المشاريع الحرفية الصغيرة، وتطوير الحوار الدبلوماسي مع الدول المؤثرة في العالم، وتفعيل التفاهم المشترك معهم ومع الولايات المتحدة الأمريكية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وإنشاء صندوق النقد السيادي من خلال تمويله بنسبة معينة من مبيعات النفط الشهرية”.
وأثارت المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية في العراق، مخاوف من تحول البلد إلى ساحة نزاع مفتوحة بين واشنطن وطهران، وذلك قبل أن تتراجع حدة التوتر في الأيام القليلة الماضية.
وينتشر نحو 5 آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، لكن البرلمان العراقي صوت في الخامس من كانون الثاني ألفين وعشرين، على قرار لإخراج القوات الأجنبية بغياب النواب السنة والكرد، وعلى إثر ذلك، هدّد ترمب، بفرض عقوبات اقتصادية على العراق إذا قرّرت بغداد إخراج الجنود الأمريكيين.
في الختام.. لازال العراق واحد من بين أكثر دول العالم فسادا، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية، على مدى السنوات الماضية، وترد تقارير دولية على الدوام بوجود عمليات اختلاس وهدر للمال العام، وحلّت الدولة في المرتبة 169 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد.
وكان الفساد سببا رئيسا في ضعف الأداء الحكومي وضعف القرار وهشاشة الدولة وسيطرة القوى الخارجية، كالتدخل الإيراني وسيطرة الميليشيات الإيرانية على إدارة الدولة سواء أحزاب او اشخاص، وبالتالي يصبح الولاء لإيران وليس للعراق، وأصبح الشباب العراقي واع واثار غضبه ونزل الى الشارع لإرجاع الوطن الى اهله.
وحدة الدراسات الافتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية