لم يمضِ يومٌ على اعتذار محمد توفيق علاوي عن مهمة تشكيل الحكومة العراقية، حتى نفّذ رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبد المهدي، تهديده بالانسحاب من المشهد، ولكن بمناورة تقطع الطريق على تسلم الرئيس برهم صالح السلطة التنفيذية، عبر الالتفاف على البند 81 من الدستور، وتكليف أحد نوابه بمتابعة عمله. ومع هذا التطور، ودعوة عبد المهدي إلى الإسراع في إجراء انتخابات مبكرة، يبدو أن العراق قد دخل أزمة سياسية مفتوحة، وغير مسبوقة.
ويستأنف مفاوضون يُمثّلون كتلاً نيابية وأحزاباً عدة في البلاد، اليوم الثلاثاء، مشاوراتهم بشأن البديل المناسب لعلاوي. وتعكس هذه الأزمة، في حيثياتها من ناحية أخرى، الصراعات داخل أطياف المكون الشيعي السياسية، الذي تسعى كتل وازنة فيه لصدّ أي محاولة هيمنة لـ”التيار الصدري”، فيما تحدثت مصادره، من جهتها، عن تصعيدٍ قريب في الشارع.
عبد المهدي يغادر المشهد
وأعلن رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي، أمس، “غيابه الطوعي” عن منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال، محذراً من خطورة الفراغ الدستوري في البلاد، وداعياً إلى الإسراع بإجراء انتخابات مبكرة مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ويأتي إعلان عبد المهدي تنفيذاً لتهديد سابق له بترك منصبه، وهو تحدث عن استشارة قانونيين وخبراء دستور حول صيغة “الغياب الطوعي” لرئيس الحكومة، والتي يتولى خلالها نائبه إدارة البلاد، في خطوة اعتبرت للحيلولة دون تنفيذ المادة 81 من الدستور التي تنقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية بعد نهاية مهلة الـ15 يوماً الممنوحة لتشكيل حكومة جديدة. كما تمنح الخطوة مزيداً من الوقت للقوى السياسية للخروج من الأزمة الراهنة، دون الاضطرار للجوء إلى خيارات أخرى.
ورأى عبد المهدي في رسالة وجهها إلى رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونواب الرئيس وأعضاء البرلمان، أن “أخطر ما يواجهنا حالياً هو حصول فراغ دستوري وإداري، وأن أفضل حلّ هو الالتزام بالمواد الدستورية ذات العلاقة، والقوانين السائدة، وعليه أعلن بعد التشاور مع دستوريين وقانونيين من أهل الاختصاص عن قرار اتخذته، وهو اللجوء إلى (الغياب الطوعي) كرئيس مجلس الوزراء، بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات”. وأضاف أن “هذا لا يعني عدم اللجوء لاحقاً الى إعلان خلو المنصب، إذا لم تصل القوى السياسية والسلطات التشريعية والتنفيذية إلى سياقات تخرج البلاد من أزمتها الراهنة”، مطالباً البرلمان بـ”عقد جلسة برلمانية طارئة لحسم قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية”. واقترح يوم الرابع من ديسمبر المقبل موعداً للانتخابات المبكرة، وأن يحل البرلمان نفسه قبل 60 يوماً من التاريخ المذكور، وأن يجرى مع الانتخابات استفتاء على تعديل الدستور.
في هذه الأثناء، من المفترض أن تنطلق اليوم عجلة المشاورات السياسية لاختيار بديل عن علاوي، الذي كان قدم رسالة اعتذاره أول من أمس الأحد، قبل ساعات من انقضاء المهلة الدستورية الممنوحة له. هذه المشاورات، والتي أكدت مصادر أنها بدأت منذ أيام، وصفتها مصادر سياسية أخرى، بأنها ستكون في بدايتها “جسّ نبض”، دون إبداء أيّ تفاؤل بشأن سهولة التوصل إلى اتفاق أو توافق مبدئي خلال الأيام المقبلة، حول اسم المرشح الجديد لتشكيل الحكومة. ويأتي ذلك على الرغم من أن المهلة الدستورية الجديدة هي 15 يوماً فقط.
وحول طبيعة المشاورات المنتظرة، قال القيادي في ائتلاف “دولة القانون”، سعد المطلبي، لـ”العربي الجديد”، إنها “كانت انطلقت قبل أيام من إعلان علاوي الاعتذار عن التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، وهي اتسمت بالجدية”. وبيّن المطلبي أن “اللقاءات شهدت خلال الأيام الماضية مناقشة عدد من الأسماء، بعضها طرح سابقاً، وهي نقاشات متواصلة، إذ لم تحمل حتى الساعة أي اتفاقات نهائية”. وأكد أن “قضية اختيار بديل لمحمد توفيق علاوي تحتاج إلى بعض الوقت، وهناك سعي وحراك للحسم قبل نهاية المهلة الدستورية”.
وفي هذا الإطار، جرى أمس الإثنين تداول أسماء عدة كبدائل عن علاوي، من بينها أسماء طرحت سابقاً مع استقالة حكومة عبد المهدي، إضافة إلى أخرى جديدة قيد النقاش والتفاوض، ومن بينها، أسعد العيداني، محافظ البصرة الذي رفض رئيس الجمهورية برهم صالح ترشيحه مهدداً بالاستقالة في حال فرض اسمه من قبل تحالف “الفتح” النيابي، وكذلك اسم رئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي، ومحافظ النجف السابق عدنان الزرفي، وهو أحد أعضاء كتلة “النصر” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، فضلاً عن السياسي والزعيم القبلي نعيم السهيل، والذي شغل مناصب مختلفة في حكومتي نوري المالكي وحيدر العبادي.
عادل النواب
العربي الجديد