أعلن رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمّد توفيق علاوي الأحد اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة وهو ما يزيد حال عدم اليقين في البلاد التي تشهد أزمة سياسيّة، في وقت سقط صاروخان ليلا في المنطقة الخضراء في بغداد قرب السفارة الأميركية.
وكتب علاوي في تغريدة على تويتر “قدمت رسالة إلى رئيس الجمهورية أعتذر فيها عن تكليفي بتشكيل الحكومة. كنت أمام هذه المعادلة، منصب رئيس الوزراء مقابل عدم صدقيتي تجاه شعبي والاستمرار بالمنصب على حساب معاناته. فكان الخيار بسيطا وواضحا هو أن أكون مع شعبي الصابر وخصوصاً عندما رأيت أن بعض الجهات السياسية ليست جادة بالإصلاح والإيفاء بوعودها للشعب، ووضعت العراقيل أمام ولادة حكومة مستقلة تعمل من أجل الوطن”.
واعتذر علاوي في كلمة متلفزة عن عدم تشكيل حكومة. وقبل ذلك وجّه رسالة إلى صالح قال فيها “رأيتُ أنّ بعض الجهات السياسيّة ليست جادّة بالإصلاح والإيفاء بوعودها للشعب”.
وأضاف علاوي أنّ “وضع العراقيل أمام ولادة حكومة مستقلّة تعمل من أجل الوطن كان واضحا”، ودعا في الوقت نفسه المتظاهرين إلى “مواصلة الضغط بالاحتجاجات السلمية لكي لا تضيع التضحيات سدىً”.
وجاء اعتذار علاوي بعد فشل مجلس النواب العراقي أمس الأحد، وللمرة الثانية، في عقد جلسة منح الثقة للحكومة بسبب خلافات سياسية عميقة، إذ انقسمت الكتل السياسية إلى معسكرين، أحدهما داعم لرئيس الوزراء المكلّف، ويتمثل في تحالف “سائرون” المدعوم من التيار الصدري، و”الفتح” (الجناح السياسي لمليشيات الحشد الشعبي)، و”الإنقاذ والتنمية” برئاسة أسامة النجيفي، مقابل الجبهة الرافضة لعلاوي وهي “تحالف القوى العراقية” برئاسة محمد الحلبوسي، والقوى الكردية، و”ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي.
وفي هذا السياق، قال مظهر محمد صالح، المرشح ضمن حكومة علاوي لوزارة التخطيط، وهو المستشار المالي لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، إن “خطة محمد توفيق علاوي كانت تقتضي استبدال وزراء عادل عبد المهدي بآخرين قريبين أكثر من الأحداث العراقية، وتحديداً الشخصيات التي من الممكن أن تُحدث نقلة نوعية على مستوى العمل الوزاري وإنهاء المحاصصة التي شرعنتها الأحزاب وهي أساساً ليست شرعية”.
وبحسب محمد صالح، فإن “تشكيلة علاوي الوزارية كانت مستقلة، وهي تمثل التكنوقراط الحقيقي الذي طالب به الشعب العراقي عبر التظاهرات”، معتبراً أنها “لو نجحت لكانت قد أسست نظاماً سياسياً واقتصادياً جديداً للعراق، بعيداً عن المحاصصة الحزبية والطائفية، ولكانت ستسيطر على الموازنة المالية العامة وتُبعد الحزبيين عنها”.
وأضاف أن “علاوي والوزراء الذين اختارهم كانوا على دراية تامة أن نجاحهم في الحصول على الثقة البرلمانية يعني أنهم سيواجهون معارضة شرسة من القوى السياسية، وكانوا سيضعون العصا بدولاب أعمالهم”.
وتابع قائلاً “كنا مدركين أن المعارضة الشعبية ستكون قاسية علينا أيضاً، لأن المتظاهرين لا يؤمنون بأن المراحل الانتقالية هي أساس التغيير، وليس الثورة السياسية والتغيير النوعي السريع كما يطمح الشبّان في ساحات الاحتجاج”.
وفور إعلان المكلف بتشكيل الحكومة العراقية محمد توفيق علاوي اعتذاره عن تأليفها، دعا رئيس الجمهورية برهم صالح القوى البرلمانية إلى اختيار بديل يكون مقبولاً سياسياً وشعبياً، لتتوالى بعد ذلك ردود الفعل بشأن الاعتذار. ففي وقتٍ عدّ مؤيدوه، وأبرزهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن انسحاب علاوي تم بضغط “الفاسدين”، في حين يرى معارضوه أنه أخفق في تشكيل الحكومة بسبب محاولته التفرد.
وقال الصدر، في تغريدة على “تويتر”: “حب العراق أوحى لك (علاوي) بالانسحاب، فجزيت عن العراق خيراً”، متسائلاً “إلى متى يبقى الغافلون ممن يحبون المحاصصة، ولا يراعون مصالح الوطن، ويتلاعبون بمصالح الشعب؟ وإلى متى يبقى العراق أسيراً لثلة فاسدة؟ وإلى متى يبقى العراق بيد قلة تتلاعب بمصيره ظانين حب الوطن وهم عبيد الشهوات؟”. وتابع: “فإني براء من الفاسدين إلى يوم الدين، وإنني براء ممن عصوا الله تعالى وصاروا أسارى لشهواتهم وملذاتهم”.
أمّا النائب السابق عزت الشابندر، فعلّق على اعتذار علاوي بالقول: “اعتذار الأخ محمد علاوي عن التكليف يجسد تاريخه الناصع الذي أعرفه عنه، وينسجم مع بدايته التي أعلن فيها ثوابته ورؤيته لإدارة المرحلة”.
من جهته، قال القيادي في “تيار الحكمة” فادي الشمري على حسابه في “تويتر”: “مع اعتذار المكلف لرئاسة الوزراء علاوي، وفشل تمرير حكومته، ثم رسالته الباهتة والعائمة التي لم يذكر فيها القوى التي أصرت على الاستقلالية والنزاهة، وخولته بكل ثقة لاختيار كابينته، أصبح لزاماً من يوم غد (اليوم الإثنين)، أن تبدأ القوى الفاعلة بالبحث عن بديل مقبول مستقل”، على أن يكون “مقبولاً سياسياً وشعبياً، وهناك أسماء بالأفق”.
وفي أول ردّ فعل كردي على اعتذار علاوي، اعتبر مستشار رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” كفاح محمود، أن رئيس الوزراء المكلف أخفق في تشكيل الحكومة بسبب محاولته التفرد.
ونقلت وسائل إعلام كردية عن مستشار مسعود البارزاني قوله إن “علاوي يحاول تعليق فشل آليته في تشكيل الوزارة على شماعة الضغوطات السياسية، مدعياً أنه دفع ثمن عدم تنازله لها”، وخاطبه قائلاً: “لا أبداً، فقد قدمت كل التنازلات لكنها جاءت في الوقت الضائع، وتم رفض نهجك وآلياتك حرصاً على العراق، لكي لا تتفرد أنت، ومن أرادك قائداً للضرورة”.
وقالت مصادر سياسية مقربة من الرئاسة العراقية للصحافة العربية، إن الرئيس برهم صالح سيبدأ اليوم الإثنين اتصالاته بالقوى السياسية، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن البديل عن محمد توفيق علاوي في تشكيل الحكومة الجديدة، مبينة أن القبول السياسي والرضا الشعبي سيكونان من أهم المعايير التي يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء الجديد، كي لا تتكرر واقعة الرفض في البرلمان.
وفي السياق، قال الخبير في الشؤون السياسية والأمنية العراقية هشام الهاشمي، إن العبرة التي تعلمها قادة تحالفَي “سائرون” و”الفتح” (الداعمين لعلاوي) هي أن “ساحات التظاهر هي الركن القوي والشديد والنقي الذي ينبغي أن يأوي له رئيس الوزراء عند الإصلاح ومكافحة الفساد”، مضيفاً: “وعند إهمال الساحات، لن تستطيعوا أن تنبذوا رأي البارزاني والحلبوسي والمالكي (الرافضين لعلاوي) وتجعلوه خلف ظهوركم، ولن تستطيعوا الحكم”.
اعتذار علاوي عن تشكيل الحكومة، يعيد هذا التطور المأزق إلى بدايته، فقد استغرق الاتفاق على تكليفه أسابيع طويلة سابقاً، لاسيما أن التنافس والاختلاف بين الكتل والأحزاب على أعلى مستوياته وأشده. وقد ينتهي بفراغ المنصب إذا قرر عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء السابق الذي يقود حكومة تصريف الأعمال، ترك منصبه.
فمنذ سنوات والبيت الشيعي يشهد تصدعا كبيرا واختلافا في الأيدولوجيات والمواقف، ولعل المصلحة السياسية والحزبية هي السبب الرئيس الواضح، غيران اختلاف التوجه الديني والعقائدي يقف أيضا حجر عثرة بين الجهتين، ما سيزيد الطين بلة في احتمالية اتساع الصراع بين هذه الجهات، يتمثل بفقدان عراب الكتل السياسية والعسكرية في العراق داخل البيت الشيعي “أبو مهدي المهندس” الذي قتل بغارة أمريكية في فجر الـ 3 من كانون الأول/ يناير الماضي بغارة أمريكية قرب مطار بغداد والذي كان يشغر رسميا منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.
جميع الاحتمالات متوقعة في البلاد، فاختيار مكلف جديد برئيس الوزراء سيكون أكثر صعوبة من جميع الحكومات الأربع التي تشكلت عقب الغزو الأمريكي، إضافة إلى أن الصراع الأمريكي الإيراني في العراق سيكون أشد من ذي قبل على اعتبار ان علاوي كان يشكل أخف الضررين لإيران، وبرفضه بات البحث عن بديل يرضي السياسيات الأمريكية والإيرانية والمتظاهرين والكتل السياسية والفصائل المسلحة كمن يبحث عن إبرة في أكوام من القش.
وحدة الدراسات العراقية
مرك الروابط البحوث والدراسات الاستراتيجية