بلاء العراقيين أخطر من فايروس كورونا

بلاء العراقيين أخطر من فايروس كورونا

موجة الهلع العالمي من المرض القاتل كورونا مبررة كجزء من دفاع الإنسان عن حياته ضد وباء لا يميّز بين دولة وأخرى، أو بين رئيس محصّن بأنواع أجهزة الأمن والمخابرات وبين مواطن فقير جائع أو مشرد. ما عدا أولئك المحصنين بنعمة العزلة في الغابات من دون وجع الرأس بالحضارة والمدنية وأموال البشرية التي يتلاعب بها الكبار.

لا شك أن للإنسان قيمة كبيرة تستوعبها وتنظم تدابيرها عقول المهتمين بالدفاع عن الحياة، وحين تهاجم البشرية بوباء تصطف موّحدة لمواجهته والقضاء عليه. ولا شك أن كورونا مهما بدت وحشيته لكن محاصرته على المستوى الفردي سهلة بالوقاية البسيطة، والقضاء عليه ممكن عن طريق إجراءات مراكز العلم والتقنيات الصحية. وخلالها تكشف الدول عن جانب مهم من قدراتها وصدق علاقاتها مع شعوبها، وليس كالمثال الإيراني الذي دلّل على كذبه ومراوغاته في نقل وقائع المرض وحرصه على استمرار تدفق الزائرين بينه وبين جيرانه في منطقته الحيوية العراق وسوريا ولبنان التي لا يريد الانقطاع عنها رغم مخاطر الموت.

يستطيع مجلس الأمن الدولي المبادرة إلى تفعيل البند السادس في الولاية على العراق بعد أن أصبح بلا حكومة مركزية تقوده، وبتعرض أبنائه إلى مخاطر الموت البطيء

نظام طهران من أجل تحقيق أهدافه العقائدية والقومية لا يهتم بحياة الناس، وتاريخياً هو ذات النظام الذي كان يدفع بعشرات الألوف من المتطوعين الإيرانيين في صفوف الحرس الثوري إلى حدوده الجنوبية مع العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، 1980 – 1988، ويلقي بهم في محرقة الموت تحت راية أن القدس تنتظرهم للتحرير وهي تقع خلف التلال الإيرانية.

الأرقام الحالية لكورونا لا تثير الهلع ولا يمكن مقارنتها بأعداد الملايين من الضحايا البشرية الكبيرة التي روعت العالم من خلال كوارث الأمراض في الأزمنة القديمة.

للوباء الحالي كورونا دروس للإنسانية تؤكد أهمية الحفاظ على حياة الإنسان وسبل الدفاع عنه، لكن بذات الوقت تشكل مناسبة مهمة للتذكير بما عاناه، ويعانيه، شعب العراق وهو واحد من أعضاء الأسرة العالمية من استمرار الموت البطيء وحرمانه من حق الحياة التي يديرها بعد الاحتلال العسكري الأميركي النظام الميليشياوي الإيراني.

جميع أنظمة الحياة في العراق انهارت بعد عام 2003 في مقدمتها النظام الأمني وتقدم عليها نظام الموت متعدد الأشكال. في المرحلة الأولى ما بين 2003 إلى 2011 كان الجنود الأميركان يقتلون المواطنين العراقيين في الشوارع والمدن والقرى بلا محاسبة وفق نظام الاحتلال، بشراكة الميليشيات التي نمت وانتشرت كالفايروس بسرعة، وتولت مسلسل القتل الذي تصاعد بإشراف قاسم سليماني عام 2006. كل مواطن عراقي غير موال لتلك الميليشيات ولطهران أصبح معرضا للموت أو الاعتقال لحد اليوم.

أنظمة حماية الإنسان العراقي من الموت البطيء انهارت. فالنظام السياسي للأحزاب وحكوماتها المتعاقبة تعلن مانشيتات كاذبة حول برامج الإصلاح، لكنها في الواقع تتفنن في طرق وأساليب نهب المال، ولم يتحقق إنجاز واحد للمواطنين. لا وجود لنظام صحي وبسبب تلوث المياه يموت ما نسبته واحد من ثمانية من الأطفال، وإن أكثر من 80 في المئة من العراقيين لا يستخدمون مياها صالحة للاستعمال.

الأرقام الحالية لكورونا لا تثير الهلع ولا يمكن مقارنتها بأعداد الملايين من الضحايا البشرية الكبيرة التي روعت العالم من خلال كوارث الأمراض في الأزمنة القديمة

بسبب تلوث المدن الكبيرة بالمواد الكيماوية توجد أكثر من مائتي ألف حالة سرطانية، ولا وجود لمستشفيات يتوفر فيها الحد الأدنى من الخدمات التي تحمي المرضى من الموت أو الإعاقة. انهار النظام الاقتصادي الذي يوفر الحد الأدنى من الأمن الغذائي للمواطنين بغلق المصانع وتفكيكها، وبسبب الأعداد الكبيرة من العاطلين فتكت المخدرات القادمة من إيران بشباب العراق.

تعويم المسؤوليات بين زعامات الأحزاب كان هو السائد خلال السنوات الماضية، لكن بتولي الميليشيات الموالية لطهران مسؤوليات التحكم بالسياسات العليا للبلد أصبح الشعب العراقي رهن مشروع الموت البطيء بعد تحويل العراق إلى ساحة إيرانية للنزاع مع واشنطن وإخضاع المواطن العراقي وارتهانه لمناخ الهلع والقلق على الحياة، ما يمنعه من المطالبة بالحقوق الاقتصادية والمدنية، وهذه الميليشيات تسعى من خلال برنامج القتل والاختطاف لسحق الانتفاضة وإشغال الناس بأجواء التعبئة الحربية ضد الوجود الأميركي في العراق.

برنامج الموت البطيء الذي تنفذه إيران ووكلاؤها ضد العراقيين يتطلب وقفة جادة من المجتمع الدولي مثلما يقف اليوم بوجه فايروس كورونا، ويستطيع مجلس الأمن الدولي المبادرة إلى تفعيل البند السادس في الولاية على العراق بعد أن أصبح بلا حكومة مركزية تقوده، وبتعرض أبنائه إلى مخاطر الموت البطيء، وأن يتم تشكيل لجان تقصي حقائق دولية تفرض إجراءات عاجلة لقيام حكومة مؤقتة بإشراف دولي.

العرب