هل يستطيع الاتحاد الأوروبي مساعدة الدول الأعضاء التي تعرضت لأكثر الأضرار الجسيمة بسبب تفشي فيروس كورونا؟ أم أن الدرس الحقيقي الذي نستخلصه من الأسابيع الماضية الأخيرة هو أنه حين تحلّ كارثة ما فإن كل بلد يواجهها وحده؟
فيما كانت أعداد الوفيات تتزايد في إيطاليا وإسبانيا الأسبوع الماضي، اجتمع زعماء دول منطقة اليورو في المجلس الأوروبي لتدارس ما إذا كان يجب تقديم دعم مالي مشترك للدول الأكثر تضرراً، ثم قرروا عدم القيام بأي شيء.
كانت الفكرة المحددة موضع النقاش، هي أنه يجب تقديم ما يسمى بـ “سندات كورونا”، التي يمكن بموجبها للبلدان أن تقترض المال لدعم اقتصاداتها الوطنية، على أن تكون ديونها مضمونة من قبل الدول الـ19 في منطقة اليورو. رفضت هولندا وألمانيا هذا الاقتراح. وبدلاً من ذلك طلبت دول الاتحاد الأوروبي من وزراء ماليتها وضع بعض الخطط خلال الأسبوعين المقبلين.
ولم يكن مستغرباً، أن يثير هذا الاستياء إيطاليا وإسبانيا، بل وحتى في فرنسا. وكان هناك رأي عبّرت عنه أميلي دو مونتشالين، وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية، بشكل جيد في لقاء أجرته معها محطة إذاعية فرنسية حين قالت، “إذا كان الاتحاد الأوروبي يعني سوقاً مشتركة فقط في الأوقات الجيدة، فهذا يعني أن وجوده لا معنى له”.
وقد أثار جوزيب كونتي، رئيس الوزراء الإيطالي، النقطة نفسها، حين قال إن” مشروع الاتحاد الأوروبي سيفقد مبرر وجوده” إذا أُساء إدارة الأزمة.
إذاً لماذا لم يتفقوا على سندات كورونا؟ سبب الرفض بكل بساطة هو أن هذا المقترح من شأنه أن يجعل الشمال البخيل، ألمانيا وهولندا وفنلندا وغيرها، ضامناً لجزءٍ من دَين الجنوب المبذر. بدلاً من ذلك، أشارت أنغيلا ميركل المستشارة الألمانية إلى وجوب استخدام “آلية الاستقرار الأوروبي”، التي استُعملت لإنقاذ اليونان بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008، عوضاً عن “سندات كورونا”. لكن هذا الخيار يُبقي البلد الذي يقترض المال رازحاً تحت عبء الدين الذي لا فكاك له منه. والحق أن اقتصاد اليونان ما زال مهشماً منذ أُخضع لهذه الآلية في 2008.
يلقى الموقف المتصلب لدول الشمال تأييداً قوياً في ألمانيا. فالناخبون الألمان قلقون من احتمال تغطية ديون أعضاء ضعفاء مالياً، كما كانت الحال مع اليونان. وإذا كان هذا الموقف يتناقض مع وحدة الاتحاد الأوروبي، فليكن.
نحن الآن في خضم هذه الأزمة، ومن الصعب في هذه المرحلة قياس ما سيصيب الاتحاد الأوروبي من أذى سياسي على المدى البعيد. فهو سيتضرر اقتصادياً مثلما هي الحال بالنسبة لبلدان العالم قاطبة. وربما سيعاني الاتحاد أكثر من غيره، لأنه يمثل منطقة ذات نمو اقتصادي بطيء، ويبدو أن جائحة فيروس كورونا وجهت إليها ضربات أقسى من مناطق العالم الأخرى. ولئن كانت الاقتصادات الوطنية المختلفة ستتعافى في نهاية المطاف، فهل سيتمكن مشروع الاتحاد الأوروبي نفسه من التعافي أيضاً؟
تحضرني هنا ثلاث مسائل، الأولى، هي أن أوروبا مرت بأزمات كهذه من قبل. فاليورو كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار خلال أزمة عام 2008 المالية، قبل تصريح ماريو دراغي، الذي كان يرأس البنك المركزي الأوروبي، بأن البنك سيفعل “كل ما يلزم” لإنقاذه. وقد نجح في مهمته. وواجه المشروع الأوروبي مرة تلو أخرى احتمالات قوية بالفشل، مع ذلك فإنه تمكن في كل مرة من النجاة، إذ ظلت الإرادة السياسية لإبقائه متماسكاً قوية بما فيه الكفاية لتحقيق هذا الهدف.
والمسألة الثانية، هي أن الفجوة بين شمال أوروبا وجنوبها أصبحت مكشوفة الآن أكثر من أي وقت مضى، وفي هذه المرة يبدو وكأن فرنسا تصطف مع الجنوب. لذلك سيكون عسيراً على الشمال الأوروبي مقاومة فعل شيء ما، على الرغم من أن حجم المساعدة لن يكون كافياً للتخفيف من عبء الديون على دول الجنوب. وحالما تراجع خطر الفيروس، ستجد البلدان كلها نفسها غارقة بدين وطني أكبر مما كان عليه في السابق. فإيطاليا التي تلي اليابان من حيث حجم الدين العام مقارنة بالناتج القومي الإجمالي، هشة بشكل خاص، غير أن السياسة ستدفع أوروبا إلى مزيد من تبادلية الدَين مستقبلاً.
أما المسألة الثالثة، فهي ليست مسألة مالية فقط، بل تمثل إحدى الرؤى: أي نوع من أوروبا تريد شعوبها لها أن تكون؟ كان مدى الفشل الذي بلغته دول الاتحاد الأوروبي، في مساعدة إحداها الأخرى، فائقاً. إن الصين هي التي أرسلت إمدادات طبية وخبراء لمساعدة إيطاليا وليس دول الجوار شريكاتها في الاتحاد الأوروبي. كما ساعدت روسيا أيضاً.
بإمكانكم أن تقولوا إن هذه ليست سوى مبادرات من قبل الصين وروسيا هدفها زعزعة العلاقات السياسية الأوروبية. إنها كذلك. لكن ما لم يتمكن النادي الأوروبي من إثبات أن عضويته تعطي قيمة إضافية للبلد العضو، لا ينبغي الاستغراب إذا تساءل الناس ما يعنيه الاتحاد الأوروبي فعلاً.
هاميش ماكراي
اندبندت عربي