العراق يواجه خيارات اقتصادية “صعبة” مع تدهور إيراداته النفطية

العراق يواجه خيارات اقتصادية “صعبة” مع تدهور إيراداته النفطية

مع ازدياد التوقعات المالية سوءاً يوماً بعد يوم، ينظر العراق في إمكانية الاقتطاع من الرواتب العامة الضخمة، في خطوة ستلقى رفضاً شعبياً وقد تجدّد موجة الاحتجاجات مع تولي حكومة جديدة زمام الأمور.

ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9.7 في المئة العام الحالي، وقد تتضاعف أيضاً معدلات الفقر، بحسب توقعات البنك الدولي، ما يجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ الغزو الأميركي للإطاحة بصدام حسين في عام 2003.

وتضرّر ثاني أكبر منتجي منظمة أوبك جرّاء ضربة مزدوجة، أولاً بانهيار أسعار النفط، وثانياً بجائحة (كوفيد-19)، ما أثّر بشكل دراماتيكي على عائداته من النفط.

الإيرادات في أقل مستوى
وبحسب ما نقلته وكالة “أ.ف.ب”، فقد بلغت إيرادات العراق من النفط الشهر الماضي 1.4 مليار دولار، أي أقل من ثلث مبلغ الأربعة مليارات ونصف التي تحتاجها البلاد شهرياً لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية.

وفي مواجهة هذه الأزمة، قد يضع المسؤولون كشوفات الرواتب الضخمة على لائحة الاقتطاع، وفق ما يؤكد مسؤولان كبيران مشاركان في نقاشات لاقتراح حلول.

والأرجح أن تبقى أسس الرواتب على حالها، وأن تطال التدابير التقشفية “المخصصات” الكبيرة التي شكلت ثلثي ميزانية الـ36 مليار دولار للرواتب في عام 2019.

وتتضمن تلك المخصصات مكافآت أو امتيازات كالسيارات والمنازل، استناداً إلى عوامل تشمل الأقدمية والمستوى التعليمي والأطفال، أو بشكل غير رسمي العلاقات السياسية والأسرية.

ويقول مسؤول عراقي إن “التخفيضات التي ندرسها تشمل خفض مخصصات الموظفين العامين رفيعي المستوى بأكثر من النصف، والمستوى المتوسط بنسبة 50 في المئة، والمستوى المنخفض بنحو 30 في المئة”.

خفض الإنفاق العسكري مع إجراءات تقشف أخرى
وستدرس الحكومة أيضاً تجميد عمليات التوظيف والترقية، وخفض الإنفاق العسكري، ووقف صيانة المباني الحكومية لتوفير المزيد من المال. وقد تقوم السلطات حتى بطباعة العملة لدفع الرواتب، الأمر الذي سيجبر المصرف المركزي على استخدام احتياطاته الأجنبية البالغة 60 مليار دولار لدعم سعر صرف الدينار في مقابل الدولار.

وتعدّ هذه الإجراءات جزءاً من “وثيقة تمويل الطوارئ” التي تبلغ 54 مليار دولار، أي ما يزيد قليلاً على ثلث المبلغ المرصود في مسودة ميزانية عام 2020 التي لم يمررها البرلمان حتى الآن.

ويضيف المسؤول “إنها المرة الأولى التي يتعين علينا القيام بشيء مماثل”.

ويقول المحلل الاقتصادي العراقي، علي مولوي، إنه مع تزايد العجز كل شهر “أي نوع من الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الآن لمحاولة تجنب الكارثة الاقتصادية، هي في الحقيقة قليلة جداً ومتأخرة جداً”.

وتدفع الحكومة رواتب لأربعة ملايين موظف، ومعاشات تقاعدية لثلاثة ملايين، ومساعدات لمليون، ما يعني أن واحداً من كل خمسة عراقيين يتقاضى ما يمكن اعتباره مدفوعات من الدولة.

ويقول مولوي إن حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كسابقاتها، عيّنت موظفين لإرضاء حلفاء سياسيين.

ويضيف أن “أسعار النفط ارتفعت عندما تولى عبد المهدي منصبه، ما أدى إلى شعور زائف من حكومته بالأمان، فتوسعت في القطاع العام إلى مرحلة فقدان السيطرة، وهو ما أدى إلى هذه الأزمة المالية الخطيرة”.

زيادة في مصروفات الرواتب
وبالنسبة إلى عام 2019، رصدت الحكومة زيادة بنسبة 13 في المئة في مصروف الرواتب، وقفزت بنسبة 127 في المئة المعاشات التقاعدية، وفقاً لتحليل البنك الدولي.

وفي أواخر العام الماضي، وظفت الحكومة 500 ألف شخص في الأقل كمحاولة لإرضاء المتظاهرين الغاضبين المناهضين لها والمحتجين على البطالة والفساد، ما أدّى إلى تضخم نفقات الرواتب مرة أخرى بنسبة 25 في المئة.

والوظائف العامة موروث من الحقبة السابقة في العراق، إذ يتم توظيف خريجي الجامعات نظرياً من وزارة ذات صلة فور تخرجهم. لكن هذه الاستراتيجية أثقلت القطاع العام الذي ينخره الفساد.

وتعني الفوائد المرتبطة بالمناصب الحكومية أنها تباع بمبالغ تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات بحسب الرتبة، في حين أن القطاع الخاص متردٍّ بشكل مؤسف.

ويثير ذلك مشاكل في بلد لديه نمو سكاني متسارع، ومن المقرر أن يزيد عشرة ملايين في العقد المقبل ليصل إلى 50 مليون نسمة.

ويقول منصور “إذا كانوا يريدون فعلاً إحداث تأثير، فالمكان الوحيد للقيام بذلك هو الرواتب”.

إلا أن إجراءات تقشف مماثلة “يمكن أن تثير مزيداً من الاضطرابات الاجتماعية، مع ضعف الخدمات العامة أصلاً وارتفاع معدلات البطالة”، بحسب البنك الدولي.

مخاوف من رد الفعل إزاء التخفيضات
وكان رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي يأمل في ألا يضطر إلى أن يبدأ ولايته بالتخفيضات، لكن الخوف من رد الفعل العام منع حكومة تصريف الأعمال برئاسة عبد المهدي من تنفيذ الاقتطاعات.

ويقول مسؤول ثان مشارك في تطوير إجراءات الطوارئ إن “أحداً لم يرغب في تحمل المسؤولية”.

ويصف المسؤول نفسه الاجتماعات التي كان فيها وزراء تصريف الأعمال أكثر تركيزاً على توقيع عقود اللحظة الأخيرة التي ستكسبهم رشى سريعة، لعلمهم أن أيامهم في الحكومة باتت معدودة.

ونظراً إلى توقعات حصول انخفاض أكبر بعائدات النفط في مايو (أيار) مع انخفاض الأسعار والطلب، قد تسوء الأمور.

ويقول المسؤول “إذا لم نتفق على شيء سريع فلن تكون هناك أموال في يونيو. سيتعين علينا إعلان إغلاق حكومي كامل، وهذه سابقة”.

اندبندت عربي