عكست إجراءات النظام الإيراني لمواجهة فيروس كورونا محاولة التيار المتشدد ونظيره الإصلاحي استغلال الأزمة، ليخصم كلّ منهما من رصيد الآخر، ويتضح ذلك من خلال تتبع الإجراءات التي سلكتها إيران لمواجهة الوباء، تلك الإجراءات التي تنافس فيها كلٌّ من الحرس الثوري وحكومة الرئيس حسن روحاني، التي أثارت جدلاً حول مَنْ يقود الأزمة داخل إيران.
فمع تفشي الوباء وتزايد الإصابات والوفيات التي جعلت إيران أعلى بؤر التفشي، لم تنجح الحكومة في بداية الأزمة، سواء من خلال فرض حجر صحي أو إغلاق الأماكن المقدّسة، ما دفع كثيرين إلى المطالبة بأن يتولّى فيلق الحرس الثوري المسؤولية.
ومع الانتقادات الموجَّهة إلى روحاني في ظل تزايد عدد الإصابات وإخفاق الحكومة، شكّلت الحكومة مركزاً وطنياً لمواجهة الوباء بديل المنظمة الوطنية للدفاع السلبي، التابعة إلى الحرس الثوري والمنوطة مواجهة التهديدات البيولوجية، ثم أصدر علي خامنئي أمراً مكتوباً يطلب من اللواء محمد باقري، القائد العام للقوات المسلحة المشتركة، تولي المسؤولية.
وفي حين اقترح العسكريون إغلاق طهران وبعض المدن، وكذلك الأعمال التجارية، والحدّ من تحرّكات الأفراد، وأن تفرض القوات المسلحة القيود لتنفيذ ذلك، كما فعلت الصين وإيطاليا، رفض روحاني، بحجة أن حكومته ليس لديها موارد، لدعم ملايين الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي، وأنّ الخدمات الأساسية ربما تنهار، ما يضرّ بالأمة في عمق الأزمة.
ومع ذلك، أعلن اللواء باقري أن الجيش سيقيد بشدة حركة المرور، ويغلق الشركات، ويُخرج الناس من الشوارع في طهران، وما لا يقل عن 11 بلدية، وقال إنّ المتطوعين الملحقين بالقوات المسلحة سيمسحون كل أسرة إيرانية للتعرّف إلى المرضى المُحتملين، فضلاً عن إقامة مستشفيات ميدانية للفحص والعلاج، وانتشرت صور قوات الباسيج والحرس الثوري وهي تعقِّم الشوارع، فضلاً عن إنتاج المعدات وأدوات الاختبار والأقنعة، كما أعلن الحرس الثوري أن 20 في المئة من رواتبهم، سيُتبرّع بها لجهود الإغاثة من فيروس كورونا، إلى جانب حشد الطلاب وغيرهم من المواطنين وتوزيعهم في لجان بمقرات المحافظات.
استغل الحرس الثوري أزمة فيروس كورونا لتقديم نفسه، باعتباره الطرف الأكثر فعّالية في مواجهة الوباء، ولرفع رصيده بين المواطنين، لا سيما أنه منذ بداية العام ضعفت صورته داخلياً وخارجياً على خلفية أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية، ومن قبلها قتل واعتقال المتظاهرين في التظاهرات التي اندلعت على مدار عامين، وآخرها احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، التي وُصِفت بأنها واجهت حملة قمع هي الأسوأ.
إنّ مواجهة أزمة كورونا بالاعتماد على الحرس الثوري وتشكيلاته والباسيج تشير إلى رغبة الحرس الثوري ذي العلاقة الوثيقة بالتيار المتشدد في خفض رصيد حسن روحاني، على الرغم من كون الأخير في السنة الأخيرة من حكمه، ولن يُعاد انتخابه مرة ثالثة، لكن الهدف هو تشويه التيار المحسوب عليه روحاني، بما يضعف موقفه لصالح التيار المتشدد، الذي بلا شكّ سيسعى للوصول إلى رأس السلطة التنفيذية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وكانت هناك تهيئة لتوسّع سلطة المتشددين، وهو ما بدا مع انتخابات البرلمان التي عُقِدت في فبراير (شباط) الماضي، ويرافق هذا المشهد الصحة المعتلة للمرشد الإيراني الذي ما زال هناك حديث عن المرشد القادم خلفاً له. كما تشير الأزمة أيضاً إلى تغلغل الحرس الثوري بشكل خلق نظاماً عسكرياً إدارياً موازياً للنظام الإداري الحكومي. ومن ثمَّ استمرار “أمننة فيروس كورونا”، أي إضفاء الطابع الأمني على الأزمة، سواء بإلقاء الاتهام بأنه حرب بيولوجية قامت بها الولايات المتحدة، أو من خلال التعامل الأمني مع نشر أي معلومات حول المصابين والوفيات، وأخيراً إعطاء صلاحيات للحرس تفوق الممنوحة للحكومة لمواجهة الفيروس في إيران.
هدى رؤوف
اندبندت عربي