أظهرت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة ولقاءه، الخميس، الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن العراق عاد إلى المربع رقم واحد في العلاقة مع واشنطن، وأن النفط والطاقة والاستثمارات والبعد الإيراني الاستراتيجي محور هذه العلاقة التي نجحت إدارة ترامب في ضبطها.
وقال ترامب إن شركات أميركية تشارك في العديد من مشاريع التنقيب عن النفط بالعراق، في حين أعلن الكاظمي أن بلاده ترحب بالشركات والاستثمارات الأميركية.
وخطف البعد الاقتصادي في الزيارة الأنظار بعد أن كشف وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار عن أن وزارة النفط وقعت اتفاقيات مع شركات أميركية رصينة بمليارات الدولارات لتطوير البني التحتية في قطاعي المصافي والغاز وتأسيس شركة طاقة جديدة في محافظة ذي قار.
لكنّ البعد السياسي، وخاصة ما تعلق بصراع النفوذ مع إيران، كان عنصرا محوريا في تصريحات الرئيس الأميركي الذي قال إن بلاده لديها عدد محدود من الجنود في العراق وأن الهدف هو “المساعدة في حال أقدمت إيران على أيّ شيء”، في إشارة واضحة إلى أن إدارة ترامب تضع كأولوية لها كسر النفوذ الإيراني، وهو العامل الذي فشل فيه من قبل جورج بوش الابن وباراك أوباما.وأبلغ ترامب رئيس الوزراء العراقي التزامه بخروج سريع لقوات التحالف الدولي من العراق في غضون ثلاث سنوات، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
ونقلت الوكالة عن ترامب قوله، خلال اللقاء “انسحبنا بشكل كبير من العراق وبقي عدد قليل جدا من الجنود”.
وأكد التزامه “بخروج سريع لقوات التحالف في غضون ثلاث سنوات”، مضيفا “الكاظمي رجل أنسجم معه جدا”.
وقبل مغادرته إلى الولايات المتحدة، استقبل الكاظمي خلال عطلة نهاية الأسبوع إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وسط تسريبات عن رفضه نقل أيّ رسائل من القيادة الإيرانية إلى ترامب.
وفي غضون ساعات قليلة، بين لحظة وصوله إلى الولايات المتحدة مساء الثلاثاء وموعد لقائه بالرئيس ترامب مساء أمس، عقد الكاظمي سلسلة من اللقاءات في واشنطن شملت لقاء وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجينا وأعضاء منتدى رجال الأعمال وغرفة التجارة الأميركية.
وذكرت المصادر، التي ترافق الكاظمي في زيارته إلى واشنطن، لـ”العرب”، أن التفاهمات الأولية بين الوفد العراقي والجانب الأميركي فيما يخص قطاع الطاقة واعدة للغاية، مؤكدة توقيع عقود في مجالي الكهرباء والغاز مع شركات أميركية كبرى بمبالغ تفوق الأربعة مليارات دولار.
وناقش الكاظمي في لقائه ببومبيو “أهم الملفات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير العلاقات بين العراق والولايات المتحدة على مختلف الصعد والمجالات”.
كما جرى التطرق إلى ملف العلاقات الاقتصادية والتعاون في مجالات التنمية والاستثمار، والتصدي لجائحة كورونا، فضلاً عن التعاون الثنائي في مجال مكافحة الإرهاب والحوار الاستراتيجي بين البلدين.
وبعد الاجتماع، أعلن وزير الخارجية الأميركي أن “المجموعات المسلحة لا تزال تسبب الكثير من المشاكل في العراق”، معرباً عن أمله في أن يكون “العراق خاليا من الفساد”.
وأضاف “نحن ملتزمون بمساعدة العراق لمنع التدخل الأجنبي وتحسين العلاقات مع الجيران وهذا ما يريده الشعب العراقي.. بلد مزدهر”.
وتابع “هناك استثمارات خاصة في العراق.. نحن نتمنى عراقا خاليا من الفساد”، لافتاً إلى أنه “جرت مناقشة ملف الطاقة مع الوفد العراقي”.
وأكد بومبيو “دعم واشنطن للانتخابات المقبلة في العراق”، مشيراً إلى أن “العراق وبلاده يتقاسمان أهدافا وتضحيات ورؤيا وأملا للمستقبل، هذه المبادئ تقود لشراكة مستقرة ومثمرة”.
وبحث الكاظمي في لقائه مع رئيسة صندوق النقد الدولي “عقد اتفاقية لدعم الاقتصاد العراقي، وتقليل حجم اعتماده على النفط، من خلال تأهيل القطاعات الأخرى وجعلها منافسة للقطاع النفطي بالشكل الذي يمكن عن طريقها امتصاص البطالة في البلاد”.
وخلال لقائه عددا من أعضاء منتدى رجال الأعمال وغرفة التجارة الأميركية، بحضور وزير الطاقة دان برويلت، أشار الكاظمي إلى “أهمية التعاون الاستراتيجي المستدام مع الولايات المتحدة، ومع الشركات والبنوك الأميركية، وأكد استعداد الحكومة لإزالة كل العقبات أمام عمل الشركات الأميركية في العراق”.
وأكد أن “الفرص الاستثمارية متاحة أمام رجال الأعمال والشركات الأميركية”، فيما دعا البنوك الأميركية إلى “التعاون في مجال تطوير النظام المصرفي العراقي، ليواكب المصارف العالمية بوصفه المنفذ الأساس إلى انفتاح اقتصادي كبير”.
ويقول مراقبون إن انفتاح الكاظمي على التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة بهذا الشكل العلني والمباشر يتقاطع وطموحات قادة الميليشيات العراقية الموالين لإيران، الذين لا يفضلون أن تتعامل بغداد اقتصاديا مع دول قوية قادرة على حماية مصالحها.
ولم تكن اللجان الثنائية بين البلدين أقل مباشرة في سعيها العلني لتطوير الشراكة بين العراق والولايات المتحدة.
واتفق الجانبان على “محادثات فنية منفصلة لإدارة التوقيتات والانتقال إلى المرحلة الجديدة، بما في ذلك أيّ عمليات إعادة انتشار خارج العراق مرتبطة بها”.
لكن الأنباء القادمة من العاصمة الأميركية، لم تعجب بعض الأطراف العراقية، ولاسيما الميليشيات التابعة لإيران وأذرعها السياسية، التي ترى في العلاقات الوثيقة بين بغداد وواشنطن أخطر تهديد لخططها الرامية إلى ابتلاع الدولة.
وبالرغم من أن عمليات الاستقبال البروتوكولية للزعماء والقادة والرؤساء في المطارات، انقرضت منذ حين، إلا أن ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، الذي يوصف بأنه من أكثر العراقيين ولاء لإيران، لم تجد سوى طريقة استقبال الكاظمي في واشنطن لاستخدامها دليلا على فشل الزيارة.
وقال النائب عن الذراع السياسية لميليشيا العصائب عبدالأمير التعيبان إن “طريقة استقبال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي من قبل الأميركان بهذه الطريقة المذلة تعكس أولا الغطرسة والعنجهية الأميركية تجاه الاخرين، وثانيا تعطي وللوهلة الأولى فشل تلك الزيارة”.
ورغم أن إجراءات استقبال الكاظمي تمت على أتم وجه، ونُقل عبر رتل كبير من العجلات الدبلوماسية إلى مقر إقامته المؤقت، إلا أن التعيبان، يرى أن “التعامل بهكذا أسلوب هو تعامل الغالب مع المغلوب، والقوي مع الضعيف والمتكبر مع الذليل”.
ويقول مراقبون إن هذه النبرة الغاضبة، التي لا تستند إلى تقديرات موضوعية أو خبرات دبلوماسية، تترجم الانفعال الكبير الذي يعتري مواقف أتباع إيران في العراق، وخشيتهم من أن تشد زيارة واشنطن من عضد الكاظمي وتمنحه شعبية كبيرة.
صحيفة العرب