شبح الاغتيالات يطارد الناشطين العراقيين في كل مكان، حيث نفذ مسلحون مجهولون عدة عمليات اغتيال استهدفت ناشطين مدنيين عراقيين، اشتهروا كلهم برفض الفساد السياسي في العراق، والتنديد بالتدخل الإيراني. وفي هذا الإطار، اغتال مسلحون الدكتورة في مجال التغذية والناشطة ريهام يعقوب بعد إطلاق النار عليها داخل سيارتها وسط البصرة.
وقالت مصادر أمنية وطبية إن الناشطة العراقية قُتلت الأربعاء، وأٌصيب ثلاثة بجروح عندما فتح مسلحون مجهولون النار على سيارتهم في مدينة البصرة في جنوبي العراق. وقالت المصادر إن ريهام يعقوب قُتلت برصاص بندقية هجومية كان يلوح بها مسلحان على دراجة نارية. وريهام كانت ناشطة في الحركة الاحتجاجية المحلية منذ 2018 وقادت العديد من المسيرات النسائية.
وكانت الناشطة قد تعرضت لحملة تحريض استهدفت عدداً كبيراً من الناشطين العراقيين بتهمة العمالة للولايات المتحدة والتعامل مع القنصلية الأمريكية في البصرة. وهنا يشير ياسر جاسم، الكاتب والصحفي العراقي، إلى أن “استهداف ريهام جاء ضمن سلسلة كان بدايتها باستهداف حسين العابدي وزوجته، والمراسل أحمد عبد الصمد، وغيرهم” ويضيف أن “سبب هذا الاستهداف يكمن في الرأي المغاير للأحزاب الحاكمة” موضحاً أن “الأصوات الحرة والشجاعة وقول الرأي المغاير للمتحكمين بالسلطة بات يقلق الكثيرين”. مضيفاً: “للأسف أن يتم استهداف صاحب الرأي بعملية تصفية بدلاً من النقاش والحوار معه”.
وكانت محافظة البصرة الغنية بالنفط والواقعة جنوب البلاد السباقة في رفضها لفساد الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال المظاهرات التي لم تهدأ منذ نحو عام رغم الترويع والقتل الذي لاحق ناشطيها الرافضين، ويرى الدكتور مجاهد سمير، من المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن مقتل الناشطة ريهام يعقوب والنشطاء الاخرين جاء : “نتاجاً طبيعياً لسيطرة المليشيات على مدينة البصرة”.
ومن جانبها، أدانت الولايات المتحدة، الخميس، “بأشد العبارات الاعتداءات الأخيرة التي طالت ناشطي المجتمع المدني ومحتجين في البصرة، بما في ذلك عدد من الاغتيالات المستهدفة”. وقالت السفارة في بيان إن “هذه الاعتداءات تعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان”، داعية الحكومة العراقية إلى محاسبة المسؤولين عنها بموجب القانون. وأضاف البيان أن “الولايات المتحدة تؤكد مجددا على دعوتها بأن يتمكن الناشطون المدنيون من العيش والعمل بسلام وأمان دونما خوف من أعمال انتقامية عنيفة ضد نشاطاتهم”.
واعتبر عدنان الزرفي، رئيس ائتلاف النصر في البرلمان العراقي، أن “ما يحدث في البصرة من سلسلة اغتيالات بحق الشباب الأعزل ما هي إلا إعلان حرب ضد الدولة”، وأضاف أن “مسؤولية حماية المواطنين تحتم علينا أن نطالب بصولة كبرى يقودها جهاز مكافحة الإرهاب وبإشراف مباشر من القائد العام للقوات المسلحة لتنظيف البصرة من هؤلاء الشرذمة والمجرمين، فهم أشد خطراً من داعش”، بحسب قوله.
وفي تغريدة، قال رئيس الوزراء السابق إياد علاوي: “البصرة تُذبح وأبناؤها يتعرضون لحملة إعدامات غير مسبوقة على مرأى ومسمع من الحكومة وأجهزتها الأمنية من دون رقابةٍ أو حساب” وسأل: “هل سننتظر الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق جديدة.. سرعان ما ستفشل في إعلان النتائج كما فشلت سابقاتها”.
اغتيال ريهام ونشطاء آخرين دفع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى إقالة قائد شرطة البصرة وعدد من مدراء الأمن، إذ قال في تغريدة له على تويتر: “سنقوم بكل ما يلزم لتضطلع القوى الأمنية بواجباتها”. تغريدة الإقالة حملت في طياتها تشريحاً لواقع الحال الأليم الذي تعيشه الأجهزة الأمنية وانعكاس ذلك على أمن المدنيين، اذ أكد الكاظمي أن: “التواطؤ مع القتلة أو الخضوع لتهديداتهم مرفوض وسنقوم بكل ما يلزم لتقوم اجهزة وزارة الداخلية والامن بمهمة حماية أمن المجتمع من تهديدات الخارجين على القانون”.
تغريدة الكاظمي جاءت من واشنطن التي يزورها رفقة وفد عراقي كبير، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي ناقش معه العديد من القضايا المشتركة خاصة الأمنية منها والدور الإيراني في العراق. ويقول الدكتور مجاهد سمير، من المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن الاغتيالات التي حصلت مؤخرا هي: “تحد صريح لسلطة رئيس الوزراء الكاظمي وهي رسالة للولايات المتحدة الامريكية مفادها أن الكاظمي غير مسيطر على العراق وليس باستطاعته السيطرة”.
ويشير الدكتور مجاهد سمير، أن سلطة الميليشيات تزداد يوماً بعد يوم ويزداد معها القتل، والكاظمي أمام تحد كبير وعليه إيجاد طرق لإيقاف سيطرة الميليشيات على هذه المدينة وإيقاف عمليات التعدي على الناشطين وإيقاف عمليات القتل التي تطالهم والعمل على حمايتهم باعتبار ان التظاهر حق من الحقوق الأساسية المكتسبة بعد 2003.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن بومبيو أكد للكاظمي دعمه الكامل لحكومته شريطة مضاعفة جهودها لكبح جماح الميليشيات الموالية لإيران. كما نقلت الصحيفة عن بومبيو قوله أمام الصحافيين عقب لقائه بوزير الخارجية العراقي فؤاد حسن أنه: “لا يزال هناك عمل يتعين القيام به. لقد أعاقت الجماعات المسلحة التي لا تخضع للسيطرة الكاملة لرئيس الوزراء تقدمنا”.
وأضاف، أنه “يجب استبدال هذه الجماعات بالشرطة المحلية في أسرع وقت”. غير أن هذا الهدف لن يتحقق بسهولة بحسب مراقبين نظراً للمكاسب التي حققتها تلك الميليشيات في الفترة الماضية والتي يصعب تجريدهم منها. غير أن مراقبين يؤكدون أن عودة الكاظمي من واشنطن -هذه المرة- سيرافقها قرارات حاسمة تستهدف تقليص سيطرة تلك الميليشيات ، ما ينبئ بتوترات جديدة في عدة مناطق عراقية.
الأمر المثير للدهشة في عملية اغتيال ريهام يعقوب ، أن موقع وكالة مهر الايرانية الرسمية، نشر تقرير قبل ما يقارب عامان جاء بعنوان” دور القنصلية الامريكية في البصرة في تحريك الشارع العراقي” نشرت فيه قائمة بأسماء ناشطين عراقيين – بينهم رهام يعقوب – قالت إنهم يندرجون ضمن شبكة تم “استقطابها من قبل القنصلية الأميركية في البصرة” لتنفيذ مصالح أميركا في المنطقة، ومن بينها “استهداف مكانة إيران وتقسيم الشرق الأوسط ولاسيما العراق”.
لم يعد في العراق مجال الا وايران تمد نفوذها إليه في السياسة والاقتصاد والدين وحتى التحريض ضد شباب الحراك العراقي الذي يهدف من احتجاجاته بعراق تخليص خال من الفساد والطائفية والنفوذ الايراني الذي عمل على تمزيق الهوية العراقية الجمعية. وإنما التحريض الإيراني امتد للقنصلية الأمريكية في البصرة، لضرب المصالح الأمريكية في العراق للحفاظ على نفوذها فيه.
التقرير المشار إليه آنفًا الذي يعمل على تحريض ضد المصالح الأمريكية في العراق، وعمليات الاغتيالات المستمرة ضد المناهضين للنفوذ الايراني في العراق، هي محاولة من ايران للحفاظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية والإعلامية في العراق، وهي محاولة بائسة لأن المناهضين والمحتجون في العراق يعلمون علم اليقين بأن خراب العراق سببه إيران، ولا تستطيع إنكار ذلك، لو قامت وكالة مهر الإيرانية في اعداد ألاف التقرير المزورة للواقع العراقي. لأن حقيقة دور إيران التخريبي في العراق ساطعة كسطوع الشمس.
وحدة الدراسات العراقية