بينما أعلن الحزب الجمهوري رسمياً ترشيح الرئيس دونالد ترمب لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الأزمات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الأميركي ربما تزيد من صعوبة موقف ترمب.
الرئيس ترمب، الذي كان يتفاخر دائماً بالإنجازات الاقتصادية التي تحققت في عهده سواء على صعيد أسواق الأسهم أو معدلات التوظيف أو الناتج الإجمالي الأميركي، كل ذلك تحوّل إلى مجرد “ذكرى”، بعد تسبب جائحة فيروس كورونا في تحوّل كل المؤشرات من إيجابية إلى سلبية.
على صعيد الانكماش، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تراجع إجمالي الناتج المحلي 9.5 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، بعد تراجع 1.3 في المئة خلال الربع الأول، وفق الأرقام التي نشرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وتنشر السلطات الأميركية إحصاءات تستند إلى تغيرات بوتيرة سنوية، بلغت في الفصل الثاني سالب 32.9 في المئة، وهي أرقام لا يمكن مقارنتها مع تلك التي تصدرها الدول الأخرى.
وعلى صعيد الديون، تمثل الولايات المتحدة نحو 75 في المئة من إجمالي الديون الضخمة التي تطارد الأسواق المتقدمة في الوقت الحالي.
في الوقت نفسه، أظهر تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ أن الإنفاق الشخصي في أميركا يتراجع بمعدل قياسي يبلغ 34.5 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وانخفض الإنفاق الشخصي، الذي يشكِّل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي 34.6 في المئة سنوياً، وهو أيضاً الأكثر تسجيلاً.
وتوضح الأرقام مدى الدمار الاقتصادي الذي نجم عن عمليات الإغلاق التي أمرت بها الحكومة، وأوامر البقاء في المنزل، لإبطاء انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي أدّى فجأة إلى وقف التوسع الأطول أمداً في الاقتصاد.
تصنيفات “سخية” بشأن الاقتصاد
ويمنح الجمهور الأميركي الرئيس دونالد ترمب علامات منخفضة للغاية بشأن معالجته وباء فيروس كورونا والخلافات العرقية. لكن في أواخر يونيو (حزيران) الماضي، كان الجمهور لا يزال يعطي ترمب علامات إيجابية بشكل طفيف حول تعامله مع الاقتصاد، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ أوبينيون. لكن ربما تتآكل هذه الميزة الآن، لكن أرقام ترمب بشأن السياسة الاقتصادية لا تزال أفضل بكثير من القضايا المهمة الأخرى.
ومن الواضح، لماذا حصل ترمب على تصنيفات سخية بشأن الاقتصاد، إذ إنه قبل تفشي وباء كورونا في مارس (آذار) الماضي، كان قد ترأس المراحل الأخيرة من فترة التوسّع الاقتصادي الأطول على الإطلاق بالتاريخ الأميركي في فترة ما بعد الحرب.
لكن، العبارة الرئيسة هنا هي “ترأس”، نظراً لأن ترمب في الواقع لم يفعل أكثر منذ ذلك، وإذا كان أي شيء فإن تلك السياسات الاقتصادية التي نجح في إصدارها ربما تضر أكثر مما تنفع. وكان النمو الذي بدأ في عام 2009 قد دخل كتب التاريخ، إذ تجاوز بفارق ضئيل الطفرات المسجلة في فترة الستينيات والتسعينيات. لكن الفترة الزمنية ليست كل شيء، إذ يرجع استمرار التعافي إلى فترة طويلة لحد كبير إلى أن هناك صدمة كبيرة يمكن التعافي منها.
وعلى صعيد النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لكل فرد، كان هذا التوسع أبطأ في الواقع من غيره. وكان المكان الوحيد الذي يكشف التعافي الذي حققه ترمب هو تحقيق مكاسب اقتصادية لأصحاب الأجور المنخفضة. وبدأت أجور العامل بدوام كامل في المتوسط ترتفع بقوة خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية، واستمرّت زيادة الأجور في ظل حكم الرئيس ترمب.
لكن، هذا على الأرجح لم يكن بمثابة دليل على قيام ترمب بأيّ شيء، لكن ربما يعكس طول فترة التوسع الاقتصادي. ويكون العمال ذوو الأجور المنخفضة مع مستويات تعليم أقل هم أول من يجري فصلهم في فترات الركود الاقتصادي، وآخر من يجري تعيينهم عندما يتعافى الاقتصاد، ما يعني أن مكاسب الدخل الخاصة بهم تميل إلى أن تأتي فقط في نهاية فترات طويلة من النمو الاقتصادي.
رسوم جمركية ضاعفت أزمات التصنيع الأميركي
وفق التحليل، فإن ترمب جاء إلى السلطة في الوقت المناسب. لكن إلى أيّ مدى ينبغي أن يحصل ترمب على الفضل بسبب الحفاظ على استمرار التوسع الاقتصادي؟
يشير مؤيدو الرئيس الأميركي المتشددون إلى الحرب التجارية، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى إعادة هيكلة للوظائف الصناعية من الصين وأماكن أخرى. والواقع أن حرب ترمب التجارية لم تفعل شيئاً من هذا القبيل، حيث كان التعافي ضعيفاً بشكل غير معتاد في وظائف التصنيع.
ومن المؤكد تقريباً أن تعريفات ترمب جعلت الأمور أكثر صعوبة على شركات التصنيع في الولايات المتحدة من خلال زيادة سعر المكونات المستوردة، فعلى سبيل المثال تسبب فرض تعريفات الصلب في زيادة التكاليف لشركات صناعة السيارات الأميركية.
وعلاوة على ذلك، أضرّت التعريفات الاستهلاك، إذ توصّل كثير من الدراسات الاقتصادية إلى أن المستهلكين الأميركيين أجبروا على تحمّل كل تكاليف ضرائب الواردات التي فرضها ترمب تقريباً.
لكن، ماذا عن التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب؟ الإجابة تتمثل في أنه من الصعب رصد تأثير ذلك. ويفترض أن تعزز التخفيضات الضريبية للشركات النمو الاقتصادي من خلال تحفيز استثمار الشركات، وإذا لم يكن هناك ارتفاع في الاستثمار فربما لا يكون للسياسة تأثير كبير.
تداعيات خطيرة للحرب التجارية
كان تحليل قد صدر عام 2019 عن صندوق النقد الدولي ودراسة أجريت في العام ذاته من جانب خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي، أشارا إلى أن نمو الاستثمار بالكاد تسارع استجابة لإصلاحات ترمب عام 2017. وسيكون من الصعب قياس التأثيرات الطويلة المدى وسط جميع العوامل الأخرى التي تؤثر في قرارات الشركات الاستثمارية منذ ذلك الحين. لكن طول فترة التوسع الاقتصادي على الأرجح لم يكن بسبب التخفيضات الضريبية.
وإذا كانت الحرب التجارية التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي تضر الاقتصاد بشكل طفيف، وكانت تخفيضاته الضريبية ذات تأثير فوري ضئيل، فكيف يمكن للرئيس ترمب الحصول على الفضل في الحفاظ على التوسع الاقتصادي؟
وتكمن الطريقة الوحيدة الممكنة في علم النفس البشري، أو ما يسميه الاقتصاديون بغريزة الحيوانات. وإذا شعر رجال الأعمال، الذين يميلون إلى تأييد الحزب الجمهوري، بثقة أكبر من وجود رئيس جمهوري في البيت الأبيض، فقد يجعلهم ذلك أكثر استعداداً للاستثمار.
وفي واقع الأمر، ارتفعت مؤشرات ثقة الشركات خلال أول عامين من رئاسة ترمب على الرغم من أنها بدأت تتراجع في أواخر عام 2018. لكن حتى لو أدّى ترمب إلى زيادة مفاجئة لفترة قصيرة في التفاؤل الاقتصادي خلال عامي 2017 و2018، فلا يمكن اعتبار ذلك بمثابة حيلة يمكن تكرارها.
وبالفعل، كانت الحرب التجارية للرئيس ترمب تؤدي إلى انخفاض ثقة الشركات، والآن تتعهد الاستجابة الكارثية للفيروس بتهديد الاقتصاد سنوات مقبلة. وببساطة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن ترمب ورث تعافياً من سلفه، وأن هذا التعافي استمر فترة طويلة، لأن الاقتصاد كان ينتشل نفسه من هوة عميقة بشكل غير معتاد، وأنه أضر بشكل معتدل هذا التعافي من خلال سياسة التجارة السيئة.
واستمر القطاع الخاص في معالجة نفسه، مدعوماً بأسعار الفائدة المنخفضة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي. وفي ما يتعلق بأن كثيراً من الأميركيين لا يزالون يمنحون ترمب علامات تقييم جيدة بشأن الاقتصاد عبارة عن نتيجة مؤسفة للميل نحو منح الرؤساء الكثير من الفضل في تصرفات الآخرين.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي