توالت خلال الأشهر القليلة الماضية مجموعة من التطورات التي لن تشهد حسماً إلا بعد إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وترتبط تلك التطورات باستمرار العقوبات الأميركية على إيران ومستقبل الاتفاق النووي من جهة أخرى، فمنذ رفض مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي الخاص بمد حظر الأسلحة على طهران، الذي امتنعت الدول الأوروبية عن التصويت عليه، في حين صوت كل من روسيا والصين بالرفض. هنا اتخذت الإدارة الأميركية المسار الآخر المرتبط بتفعيل آلية سناباك لإعادة فرض العقوبات الأممية التي جرى رفعها في أعقاب إتمام خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، المعروفة إعلامياً بـ”الاتفاق النووي”.
وتعني آلية سناباك قيام أحد الأطراف الموقعة على الاتفاق بالتقدم بطلب إلى مجلس الأمن، بعدم تنفيذ طهران التزاماتها في الاتفاق، ومن ثمّ بدء عملية مفاوضات، وتحقق لمدة ثلاثين يوماً، وما لم يتم تقديم توضيحات وضمانات تعود العقوبات الأممية، أي التي فرضت من خلال الأمم المتحدة إلى التطبيق على إيران. وهو ما قامت به الولايات المتحدة في الـ20 من أغسطس (آب) 2020، مشيرة إلى تقرير صدر في يونيو (حزيران) من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، التي تشرف على عمليات التفتيش على البرامج النووية الإيرانية، الذي قال إن إيران لم تسمح بالوصول أو قدمت إجابات كافية بشأن موقعين ربما كانا المواد النووية غير المعلنة والأنشطة ذات الصلة بالأنشطة النووية في البلاد.
وبعد مرور شهر على تقديم طلبها إلى مجلس الأمن توقعت الولايات المتحدة من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الامتثال الكامل لالتزاماتها بتنفيذ هذه الإجراءات، إضافة إلى حظر الأسلحة، يشمل ذلك قيوداً مثل حظر مشاركة طهران في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، وحظر اختبار وتطوير الصواريخ الباليستية من قِبل إيران، والعقوبات المفروضة على نقل التقنيات النووية والصاروخية إليها من دول أخرى.
وترى الولايات المتحدة أن من شأن عودة عقوبات الأمم المتحدة أن تلزم إيران تعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يُسهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية.
وقد أثارت قضية تفعيل آلية سناباك الخلاف والجدل بين الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة، فقد اعتبرت الأولى أن الأخيرة ليس من شأنها طلب إعادة العقوبات الأممية، لأنها لم تعد طرفاً في الاتفاق بعد انسحابها عام 2018، في حين تعتبر الولايات المتحدة أن نص قرار 2231 الخاص بالاتفاق النووي ما زال يعتبرها طرفاً فيه، وأن عدم إعادة العقوبات الأممية في ظل سناباك سيفقد الأمم المتحدة مصداقيتها.
وفي ظل الجدل القانوني الذي أحدثته دبلوماسية الولايات المتحدة، أعلنت أنه في حال تقاعست الدول عن الامتثال لعودة العقوبات الأممية فإنها مستعدة لإصدار أوامر تنفيذية لفرض العقوبات. وفي الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2020 صدر أمر تنفيذي بفرض عقوبات على الحكومة وكيانات إيرانية، وقد حُدد المقصود بكيان، بشراكة أو جمعية أو ائتمان أو مشروع مشترك أو شركة أو مجموعة أو مجموعة ثانوية أو منظمات أخرى، وأن المقصود بحكومة إيران “حكومة إيران أو أي تنظيم إيراني سياسي فرعي، أو وكالة أو أداة لها، بما في ذلك البنك المركزي الإيراني، وأي شخص تتحكم به أو تسيطر عليه أو يعمل لصالح ونيابة عن حكومة إيران”.
لذا، فإن تقدم الولايات المتحدة بطلب تفعيل سناباك، يفسر لماذا أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، في بيان مشترك، في الـ28 من أغسطس، بأنه سيتمكّن المفتشون من الوصول إلى موقعين نوويين سابقين مشتبه بهما، وقد حدثت تلك الخطوة بضغط فرنسي مباشر على طهران، للسماح للوكالة بالدخول إلى هذين الموقعين. وأن الأمر لم يكن يعني وجود انفراج محتمل في الملف النووي، إنما استهدف تفادي الخطوة الأميركية لتفعيل سناباك، بتأكيد أن طهران تمتثل لطلبات الوكالة الدولية.
بصرف النظر عن قانونية تحريك الولايات المتحدة آلية سناباك أو من عدمه، فالأمر المؤكد أن إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران كنتاج لتفعيل سناباك، كما تتصور الولايات المتحدة، أمر غير محتمل، وسيستمر تأكيد الأطراف الأوروبية وروسيا والصين عدم إعادتها، لأن إعادة كل تلك العقوبات تعني رسمياً انهيار الاتفاق النووي، وأنه لم يعد قائماً، وهو الهدف الذي جعل إيران تتوافق مع الولايات المتحدة لإتمام الاتفاق عام 2015. بالتالي، سيترتب على انهيار الاتفاق عدم خضوع البرنامج النووي الإيراني لتفتيش ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية.
لذا، السيناريو الحالي في ما يخص العقوبات سيكون استمرار الولايات المتحدة في فرض مزيد منها، وتهديد الدول التي تتعامل معها بأن تشملها العقوبات. أما الحديث عن مستقبل الاتفاق النووي في ظل السباق الانتخابي الأميركي بين المرشحين دونالد ترمب وجو بايدن، فقد أكد بادين المرشح الديمقراطي المنافس ترمب، أنه إذا فاز في الانتخابات فسوف “يدخل الاتفاق النووي مجدداً، وسيلتزم التزاماً لا يتزعزع لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي”.
كما أنه سيعرض على طهران مساراً موثوقاً به للعودة إلى الدبلوماسية، بأنه إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فستعاود الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاقية كنقطة انطلاق لمفاوضات “سنعمل على تعزيز وتوسيع بنود الاتفاق النووي”، مع معالجة القضايا الأخرى ذات الأهمية، ويشمل ذلك العمل الجاد للإفراج عن الأميركيين المحتجزين ظلماً، ومطالبة النظام بوقف انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، والاحتجاز غير المشروع للسجناء السياسيين، مثل محامية حقوق الإنسان نسرين ستوده. وسيعمل على مساعدة حلفائه لتقليل التوترات والمساعدة في إنهاء النزاعات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في اليمن. والحال أنه إذا اختارت إيران المواجهة، فإنه على “استعداد للدفاع عن مصالح بلاده الحيوية وقواتها”، لكنه على “استعداد للسير في طريق الدبلوماسية، إذا اتخذت إيران خطوات لإظهار استعدادها”.
أما دونالد ترمب فقد حدد سياسته تجاه إيران منذ قدومه إلى الإدارة الأميركية واتباع سياسة الضغط الأقصى لدفعها إلى اتفاق جديد، فقد سبق وقال إنه عندما يفوز بولاية رئاسية ثانية سيبرم بسرعة اتفاقاً مع إيران، بديلاً عن اتفاق 2015، الذي انسحبت منه في مايو (أيار) 2018 بآخر يفرض قيوداً مشددة على برامج إيران النووية والصاروخية وسياستها الإقليمية.
وبالنظر إلى كلمة الرئيس الإيراني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال إن أي إدارة مستقبلية يجب أن “تستسلم” لإيران، وإن طهران ليست “ورقة مساومة” في الانتخابات الأميركية. وبتحليل مضمون تصريحات المرشحين الأميركيين والرئيس الإيراني، نستخلص أن سواء من كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية ترمب أو بايدن، فإن الخطوة التالية بشأن علاقة الإدارة الأميركية بإيران ستكون وجود اتفاق يشمل الولايات المتحدة سواء كان الاتفاق النووي المستمر منذ 2015 في ظل إدارة بايدن، أو اتفاق جديد مع ترمب لتهدئة الأوضاع التي لن تحتمل إيران أن تعيش معها اقتصادياً واجتماعياً أربع سنوات مقبلة.
لكن، الواقع أنه سيكون هناك إطار للتفاهم والتفاوض يشمل الدولتين. أما حديث الرئيس روحاني حول أن الإدارة المقبلة أياً كانت ستسلم لإيران، فهذا مجرد حديث للاستهلاك، ذلك أن طهران حريصة على التهدئة مع الولايات المتحدة، وتجنب أي تصعيد من جانبها خلال موسم الانتخابات الأميركية، حتى لا يحاول ترمب الذي لا تريد طهران عادة انتخابه توظيف سلوكها انتخابياً، والدليل أن إيران تجنبت أي رد على سلسلة الانفجارات التي شهدتها مناطق عدة أهمها مفاعل نطنز، كما حاولت التقارب مع الوكالة الدولية وعدم الرد على مقتل قيادات عسكرية إيرانية في سوريا بالغارات الإسرائيلية الأخيرة. ومن ثمّ فاستمرار العقوبات والاتفاق مرتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن أياً من كان المرشح الفائز فسيكون هناك إطار للتفاهم والتفاوض والمساومات، لكن شكل ذلك الإطار سيتوقف على من الرئيس الأميركي القادم.
هدى رؤوف
اندبندت عربي