حسب الأنباء الواردة من جنوب القوقاز، فإن أذربيجان تبدو عازمة على احتلال أجزاء من إقليم “ناغورني قره باغ” الذي يحظى بإدارة مستقلة، ويرتبط بعلاقة مع أرمينيا، باعتبار أن أكثر من 90 في المئة من سكانه من الأرمن أصلاً.
وعلى الرغم من أن الإقليم ليس به نفط أو غاز يُثير مطامع احتلال وسيطرة، فإن موقعه وتضاريسه الجبلية تمنحه ميزة استراتيجية لأرمينيا على أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، ويعمل سكانه بصورة رئيسة في الزراعة، مستفيدين من تعدد الأنهار ومياه الأمطار التي تهطل صيفاً في الري وتوليد الطاقة الكهربائية، كما يمارس بعضهم أنشطة اقتصادية من قبيل التنمية الحيوانية والصناعات الخفيفة.
ويشبه الإقليم أرمينيا أكثر من أذربيجان من حيث اعتماد اقتصاده على الزراعة وصناعة التعدين، حيث إن جباله غنية بالمعادن الثمينة وشبه الثمينة مثل الذهب والنحاس. وتُعد أرمينيا الشريك التجاري الرئيس لإقليم ناغورني قره باغ.
تحرص أذربيجان، بدعم من حليفتها القوية تركيا، منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين جارتها أرمينيا عام 1994، على ألا تستفيد جارتها من أي مشروعات إقليمية، خاصة ما يتعلق بأنابيب النفط والغاز إلى أوروبا. وتمر تلك الخطوط عبر الحدود بين أذربيجان وجورجيا، ثم إلى تركيا.
وتعاني أرمينيا حصاراً اقتصادياً بإغلاق الحدود بينها وبين أذربيجان من ناحية، وبينها وبين تركيا من ناحية أخرى، ولا يبقى لها سوى حدود قصيرة مع إيران جنوباً وجورجيا شمالاً. وبالتالي تُعتبر أرمينيا، ومعها إقليم ناغورني قره باغ، في وضع اقتصادي صعب منذ سنوات لعدم وجود أي منفذ بحري لها مثلما لجيرانها كلهم وللتضييق على حدودها الأطول مع الجارتين المعاديتين.
وبينما تعتمد أذربيجان على صادرات النفط والغاز كمصدر رئيس للدخل (تشكل صادرات الطاقة نحو 90 في المئة من صادرات أذربيجان)، تعتمد أرمينيا على صادرات المعادن الثمينة وغير الثمينة والآلات والمعدات وصقل الماس. فقطاع الصناعة مكون رئيس في الناتج المحلي الإجمالي لأرمينيا، البالغ نحو 14 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لأذربيجان يزيد على 47 مليار دولار، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدين يكاد يكون هو نفسه عند 4.6 ألف دولار. ويبلغ عدد سكان أذربيجان نحو 10 ملايين نسمة، بينما عدد سكان أرمينيا لا يزيد على 3 ملايين نسمة.
أما إقليم ناغورني قره باغ نفسه فلا يصل الناتج المحلي الإجمالي له إلى مليار دولار (في العام الماضي 2019 كان أكثر قليلاً من 710 ملايين دولار)، وعدد سكان الإقليم نحو 150 ألف نسمة. ومثله مثل أرمينيا اعتمد الإقليم على السياحة لما يحويه من آثار قديمة وغابات جبلية، لكن ذلك كله توقف تقريباً مع انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، كما هو الحال مع أرمينيا أيضاً.
ليست هناك إغراءات اقتصادية تثير المطامع في إقليم ناغورني قره باغ ، إنما هي فقط أهميته الاستراتيجية، رغم أن احتلال أذربيجان له لن يحل مشكلة أنها بلا حدود برية مع تركيا. وعلى الرغم من أن الحرب تُعتبر ذات تأثير سلبي أكبر على أرمينيا، لما يتعرض له اقتصادها من ضغوط زادت مع أزمة وباء كورونا، فإن أذربيجان أيضاً لديها نقطة ضعف تتمثل في خطوط أنابيب النفط والغاز من أراضيها إلى جورجيا.
التهديد الكبير لإمدادات الطاقة
في هذا الشأن، قال محللون ومختصون، إن الصراع العسكري يحظى باهتمام عالمي؛ نظراً للتهديد الكبير لإمدادات الطاقة الوافدة للأسواق الأوروبية والدور اللوجستي الفاعل للمنطقة في هذا الشأن.
وذكر المحللون أن التهديدات تمس بشكل مباشر خطوط أنابيب النفط والغاز وتربط منتجي آسيا الوسطي بالأسواق العالمية؛ إذ تقع المعارك بالقرب من هذه الأنابيب، وقد تنذر الفترة المقبلة بتحالفات دولية للسيطرة على الأمر وكبح جماح الحرب في المنطقة.
وتضم المنطقة التي تُعتبر نقطة التقاء ومحطة عالمية رئيسة لنقل النفط والغاز، ثلاثة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم: روسيا، وإيران، وأذربيجان، بالإضافة إلى ثلاث دول تعتمد على واردات الغاز: أرمينيا، وجورجيا، وتركيا.
تركيا المتضرر الأكبر
قدَّر محللون أن زيادة الأعمال العسكرية على كلا الجانبين تؤدي إلى تفاقم الخطر على النفط الإقليمي الحالي والبنية التحتية للغاز. كما ستتضرر تركيا بشدة حال تصاعد الصراع لأنها تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من تلك المنطقة.
ويوجه خط أنابيب جنوب القوقاز الغاز الطبيعي إلى خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، وهو مكون رئيسي في جهود أنقرة لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية. وحاولت تركيا لسنوات تنويع وارداتها من الطاقة، لكن أنقرة لا تزال تعتمد بشكل كبير على موسكو.
ووفقاً للتقارير المنشورة سابقاً، فإن الغاز الروسي باهظ الثمن بالنسبة لتركيا، وتأخذه بمقابل ضعف ما يحصل عليه العملاء الأوروبيون، وهذا هو السبب في أن أنقرة متحفزة للتحرك بعيداً عن غاز روسيا.
ومن خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير. ويمكن أن تتعمق الشراكة الأذربيجانية التركية بشكل أكثر مع ظهور فرصة جديدة في عام 2021 عندما تكون صفقة الغاز الرئيسة بين تركيا وروسيا في انتظار التجديد.
وتوقفت المفاوضات بين أنقرة وموسكو في أبريل (نيسان) عندما فشل البلدان في التوصل إلى اتفاق. كل هذه الأمور مجتمعة تعني احتمال خسارة روسيا حصة سوقية في سوق تنمو بمعدلات عالية ومهمة لها للغاية.
ويمر خط الأنابيب الرئيس، خط أنابيب الغاز (باكو – تبيليسي – أرضروم)، الذي يمد تركيا بالغاز الأذربيجاني، عبر منطقة توفوز في أذربيجان. وتقع هذه المنطقة على الحدود مع منطقة تافوش في أرمينيا، حيث وقعت الاشتباكات.
في أحدث سلسلة من المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان، شهدت الحدود بين الطرفين، الأحد، اشتباكات هي الأسوأ منذ عام 2016، أوقعت خسائر بشرية ومادية، على وقع دعوات التعبئة الوطنية.
وحسب بيانات رسمية، شهدت المنطقة خسائر في الأرواح بينهم مدنيون وعسكريون في كلا الطرفين، وأخرى في العتاد ألحقتها قوات “قره باغ” بالطرف الأذري، عبر إسقاط 4 طائرات هليكوبتر، و15 مسيرة، وتدميرها 10 دبابات لأذربيجان خلال الاشتباكات، وهو ما نفته أذربيجان.
وفي تصريحات له، قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان “استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدسة”، في المقابل تعهد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بـ”الانتصار”، داعياً قوات بلاده للقتال على أرضها.
لمحة تاريخية
كان هذا الإقليم قد أعلن في نهاية عام 1991 استقلاله عن أذربيجان، من دون أن يحظى باعتراف أي دولة، ولا حتى أرمينيا.
وبين عامي 1988 و1994، شهد إقليم ناغورني قره باغ حرباً بين أرمينيا وأذربيجان، أوقعت نحو ثلاثين ألف قتيل، وأدت إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص غالبيتهم من الأذربيجانيين.
وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في مايو (أيار) 1994 بعد انتصار الطرف الأرمني، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي