هل تنخرط تركيا مباشرة في المعركة بين أرمينيا وأذربيجان؟

هل تنخرط تركيا مباشرة في المعركة بين أرمينيا وأذربيجان؟

واصلت القوات الأذرية تقدمها في منطقة قره باغ التي تحتلها أرمينيا، وسيطرت على مواقع إستراتيجية فيها، وسط تصاعد نذر الحرب بين الدولتين، في حين اتهمت أرمينيا تركيا بالتدخل العسكري المباشر في الهجمات التي تشنها قوات أذرية عليها.

وقالت وزارة الخارجية الأرمينية في بيان، إن تركيا لها “وجود مباشر على الأرض، وإن خبراء عسكريين من تركيا يقاتلون جنبا إلى جنب مع أذربيجان” التي قالت يريفان إنها تستخدم أيضا أسلحة تركية من بينها مقاتلات “إف-16” (F-16) ومسيّرات بيرقدار التركية.

سرعة وصرامة
وقد اتسم الدعم التركي لأذربيجان بالنسقية والعلنية والسرعة والصرامة، كما لو كان الاعتداء واقعا على أنقرة، وتناولته كل المستويات التركية رئاسيا ووزاريا وشعبيا، وهدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، من أن أرمينيا “ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان”.

طائرات “إف-16” التركية ضمن مناورات في أذربيجان (رويترز)
وعقب زيارات وتنسيق على أعلى المستويات العسكرية، أعلن إسماعيل دمير رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، أن قطاعه مستعد لمساعدة أذربيجان، مضيفا “صناعتنا الدفاعية، بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها، من طائراتنا المسيرة إلى ذخائرنا وصواريخنا وأنظمتنا الحربية الإلكترونية، تحت تصرف أذربيجان دائما”، متعهدا بالمساعدة في تحديث الجيش الأذربيجاني.

وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، بدا أن الدولة التركية بلورت طريقة لتحويل دعمها الخطابي الموجه إلى أذربيجان لقوة رادعة وتحركات عملية، حيث عقد البلدان حينئذ مناورات مشتركة تحت اسم “النسر التركي الأذري”.

ووفقا للبيانات العسكرية الرسمية الصادرة عن وزارتي الدفاع في البلدين، فقد تدرب الجيشان على تطهير بعض المناطق الإستراتيجية من الأعداء الافتراضيين، والدعم النيراني المشترك بريا، والإنزال المروحي، وتنفيذ المهام الجوية الأساسية مثل قصف الأراضي والاعتراض والهجوم ليلا ونهارا.

وتضمنت المناورات اختبارات لجاهزية الطائرات الحربية لجيشي البلدين، واختبار جاهزية القوات لتنفيذ أوامر القيادة العسكرية، وإطلاق النار من المركبات المدرعة والمدافع ومدافع الهاون على أهداف افتراضية للعدو، كما تخللها تدريبات بالذخيرة الحية وشملت مناطق حدودية مع أرمينيا، وشارك في ختامها وزير الدفاع وكبار قادة الجيش التركي، واعتبرت بمثابة رسالة واضحة باستعداد تركيا للتدخل في حال واصلت أرمينيا هجماتها، الأمر الذي اعتبره الرئيس الأذربيجاني بأنه “يخيف أرمينيا”.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل عادت القوات والمعدات العسكرية التركية الكبيرة -التي شاركت في المناورات العسكرية بين القوات المسلحة التركية والأذربيجانية قبل شهر في باكو- إلى تركيا، أم أن الهدف من المناورات كان إبقاء القوات هناك للاستعداد لأي مواجهة مقبلة؟

ومن جهتها، سارعت يريفان للحصول على عتاد عسكري مشابه لذلك الذي حصلت عليه باكو من أنقرة، لكن من الشرق الأوسط، من الأردن هذه المرة، ولا يزال التنافس مستمرا.وفي هذا السياق، يذكر إسماعيل حقي نائب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في رئاسة الأركان التركية، أنه بناء على اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وباكو، فإن الجيش التركي أرسل مستشارين عسكريين لمساعدة نظيره الأذري في حربه الحالية ضد أرمينيا كما يقدم له التدريب.

ولم ينف حقي -في حديثه للجزيرة نت- استخدام الجيش الأذري لأسلحة تركية من بينها طائرات “إف-16” وطائرات بيرقدار المسيرة في حربه الحالية، لكنه أكد أن أذربيجان اشترتها بأموالها في وقت سابق من تركيا.

ويشدد على أن الأسلحة الثقيلة التي استخدمها الجيش التركي في المناورات المشتركة مع نظيره الأذري، قد عادت الى تركيا بعد انتهاء المناورة التي جرت في باكو.

ويقول نائب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في رئاسة الأركان “تركيا لن تشارك ميدانيا بجيشها وجنودها في الحرب الدائرة إلا إذا تقدم الجيش الأرميني، واحتل مساحات جديدة وهدد المشاريع التركية هناك، وذلك بالتنسيق مع باكو”.

ويضيف حقي “روسيا لا تقف مع أرمينيا في هذه الحرب، ولدينا معلومات أنها لن تتدخل ميدانيا على المدى المنظور”.

هل تضرب تركيا أرمينيا؟
يرى الكاتب التركي المقرب من الحكومة إبراهيم قراغول، أنه لو نجحت اللعبة التي تلعبها روسيا وفرنسا والإمارات من خلال أرمينيا فستغلق البوابة الشرقية لتركيا تماما، لذلك تتدخل تركيا لإفشال الحصار من ناحية الشرق مهما كلفها الأمر.

ويقول قراغول للجزيرة نت، إنّ المناورات العسكرية التي نفذتها تركيا مع أذربيجان يمكن أن تتحول لحقيقة عند الحاجة، وستكون جبهات أذربيجان جبهات قتال كذلك بالنسبة لتركيا.

ويضيف “إننا أمام سيناريو جديد يهدف لإضعاف أذربيجان، وإغلاق بوابات تركيا الشرقية، فأعداؤنا يختبرون بهذه الهجمات قوة تركيا ومقاومة أذربيجان، وممرات المواصلات وخطوط النفط في بحر الخزر وجنوب القوقاز، لهذا فإن تركيا لن تتخلى عن أذربيجان أبدا، فهجمات أرمينيا تستهدف تركيا في الأساس، فالأمر لا يختلف كثيرا عن الهجمات التي نفذوها بواسطة داعش وحزب العمال الكردستاني”.

ويؤكد قراغول “إن الدفاع عن أذربيجان يعتبر دفاعا عن تراب تركيا، فهذه هي هويتنا ووعينا السياسي، وهذه هي عقليتنا الجيوسياسية وإستراتيجياتنا الدفاعية”.ويذكر القيادي في حزب العدالة الحاكم بيرول دمير، أن أرمينيا بحاجة لموسكو في ظل العداء التاريخي بينها وبين تركيا، لكن روسيا تتردد في زيادة التقارب معها، على الرغم من إبرامها تحالفا طويلا يتضمن بقاء القاعدة العسكرية الروسية على أراضيها حتى 2044. ووفقا لوكالة “سبوتنيك” (Sputnik) الروسية، تمتلك موسكو قاعدة عسكرية في أرمينيا تضم نحو 5 آلاف جندي.

ويعتبر دمير، في حديثه للجزيرة نت، أن تجديد الاشتباك هو رسالة روسية لإزعاج أنقرة ومحاولة لإرباكها في أكثر من جبهة إقليمية، موضحا أنه لهذا كان الرد التركي واضحا ليس فقط بالوقوف إلى جوار أذربيجان، بل ومسارعتها بتنسيق الزيارات والمواقف على مستوى القيادات العسكرية.

وينوّه إلى استخدام روسيا للصراعات العرقية في منطقة جنوب القوقاز لمصلحتها الخاصة، وتتمثل إستراتيجيتها في منع الصراعات من الانفجار، لكنهم يريدون إبقاءهم متوترين حتى لا تشعر أذربيجان ولا أرمينيا بالقوة الكافية للشعور بالاستقلالية.

ويلفت دمير، إلى أن وجود القاعدة العسكرية الروسية جعل الأرمن يشعرون بالدعم الروسي مقابل شعور الأذريين بأن تركيا معهم، حيث تمتلك أنقرة قاعدة عسكرية في أذربيجان وتقف تاريخيا مع باكو ضد يريفان.

الجزيرة