أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات مستفزة حول الإسلام يوم الجمعة الماضي اعتبره فيها دينا «يعيش في أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم» قائلا إن على فرنسا التصدي لـ»الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز، وإنكار الجمهورية الفرنسية» ومحاربة «الانفصالية الإسلامية» التي عرّفها بأنها «أيديولوجيا تدعي أن قوانينها يجب أن تعلو على قوانين الجمهورية».
الخطورة في تصريحات ماكرون ليس في كونها نقدا للدين الإسلامي، فالرئيس الفرنسي ليس مفكّرا يطرح أفكاره للنقاش، بل هو المسؤول الأول في بلد يتراوح عدد المسلمين فيه بين 5 إلى 6 ملايين، وقد جاءت تصريحاته تمهيدا لمشروع قانون ضد ما سماه «الانفصال الشعوري» استغرق تحضيره أشهرا ويهدف، حسب واضعيه، إلى «مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية» وهو يهدف إلى فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد.
تأتي أقوال ماكرون بعد تصريح أيضا لوزير الداخلية جيرالد دارمانان قال فيها إن بلاده «في حرب ضد الإرهاب الإسلامي» وهو يجعل أي عمل عنيف يقوم به مسلم إرهابا يجرّم الدين كلّه وليس الأفراد الذين قاموا به فحسب، والحقيقة أن هذا التوجّه ليس اختراعا خاصا بماكرون ووزير داخليته، فقد كان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، أحد نجوم هذا الخطاب منذ كان وزير داخليّة، وهو اتجاه واسع ليس ضمن اليمين الفرنسي المتطرّف، بل ضمن شخصيات وأطياف موجودة في أوساط اليمين واليسار الفرنسيين أيضا، وقد زادت شعبية هذا الخطاب فلم يعد يستخدم خلال الحملات الانتخابية فحسب وهو يتجه، بفضل سياسيين مثل ماكرون، ليغدو سياسة رسميّة للدولة.
يمكن قراءة تصريحات ماكرون ضمن سياق إعلان استطلاع أمس، أن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان ستكون المنافسة الرئيسية للرئيس الفرنسي إذا أجريت الانتخابات الرئاسية الآن، بل إن لوبان، حسب نتائج الاستطلاع «ستكون الفائزة بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية» فهل يجب أن نقرأ تصريحات ماكرون ضمن هذا السياق التنافسي فحسب، أم أن علينا أن نعترف أنه لا يختلف اختلافا كبيرا عن لوبان؟
يعتبر المفكر الفرنسي الشهير أوليفييه روا أن ماكرون يقوم بخلط أشياء مختلفة ووضعها في الخانة نفسها: «السلفيون والجهاديون والإخوان المسلمون والمحجبات وعصابات شباب الأحياء الفقيرة واتباع «حياة السود مهمة» وحتى تجار المخدرات» وبالتالي فإن المستهدف من تصريحات ماكرون والقانون الذي يريد إقراره هو جمهور كبير عامّ لا يقتصر حتى على المسلمين، ورغم أن المستهدف فيه المسلمون خصوصا، لكنّه، بالنتيجة، يقوّض قانون 1905 الذي يحدد أطر ممارسة العبادة لعموم الفرنسيين.
هناك جانب آخر لهجوم ماكرون، ويتعلّق بسياسته الخارجية أيضا، والتي تقوم بأشكال من التدخّل العسكري المباشر أو غير المباشر، مرة تحت طروحات «مكافحة الإرهاب» في أفريقيا (ليبيا ومالي) والشرق الأوسط، ومرة تحت مبررات أخرى، كما في معارك إدارة ماكرون للسيطرة على شرق المتوسط ومصادر الغاز فيه، وبتحالفاته مع منظومة سلطات الاستبداد العربية في السعودية والإمارات ومصر، ومع إسرائيل، وفي كل هذه الجبهات تتقاطع سيوف قصر الإليزيه مع تركيا وزعيمها رجب طيب اردوغان، فيصبح لحديث ماكرون عن «أزمة الإسلام» تعريف جديد هو العداء لتركيا والتحالف مع خصومها في كل مكان.
القدس العربي