على الرغم من الشائع بين المحللين والسياسيين بتمني إيران عدم فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفترة ولاية ثانية، وأن يفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وعلى الرغم من وجاهة هذا الطرح، فإن إيران لم تتوان عن إرسال رسائل إيجابية عدة قبل الانتخابات، لترمب على مستوى عدد من الملفات الإقليمية في الفترة الأخيرة، والمقصود هنا ليس فقط تجنب التصعيد مع ترمب بل إرسال رسائل إيجابية لمساعدة ترمب في الدعاية الانتخابية، وطرح أسس يمكن البناء عليها للتعاون المستقبلي.
فمنذ تأسيس النظام الإيراني عام 1979، والعداء هو سمة العلاقات الإيرانية– الأميركية. وكان الخطاب العدائي الصريح المتبادل بين السياسيين من البلدين هو الأداة المستخدمة للتعبير عن حالة العداء تلك، والمستمرة حتى الآن، ومع ذلك هناك رسائل إيجابية مهمة ترسلها طهران لواشنطن، وهي التي ينبغي تتبعها للوقوف على الموقف الإيراني الفعلي وليس المعلن.
فتاريخياً وعلى الرغم من العلاقة العدائية، ثمة فترات شهدت تقارباً بينهما على أرضية المصالح المشتركة والبراغماتية، فقد اشترت إيران من الولايات المتحدة أسلحة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية من خلال إسرائيل، والمعروفة بقضية “إيران كونترا”، كما شهدت أفغانستان والعراق تنسيقاً أمنياً بين إيران والولايات المتحدة، على الرغم من قيام الرئيس جورج بوش بإدراج إيران على لائحة الإرهاب. وأخيراً وعلى الرغم من التوتر والتصعيد بينهما منذ قدوم الرئيس ترمب وإعادة فرض العقوبات وما هو معروف من وضع اقتصادي خانق تعيشه إيران، إلى جانب معركة مجلس الأمن من أجل منع رفع حظر الأسلحة عنها، فإنه من الممكن رصد عدد من الرسائل الإيجابية أخيراً، وأولها، عندما شهدت إيران فى شهر يونيو (حزيران) الماضي، سلسلة من الانفجارات في مواقع حيوية عدة اقتصادية وعسكرية ونووية مثل انفجار مجمع بارشين العسكري ومفاعل “نطنز”، والذي اعتبر مسؤولون إيرانيون أنه سيؤخر المشروع النووي لمدة عامين مقبلين، ومع ذلك فقد تجنبت طهران اتهام إسرائيل أو الولايات المتحدة بمسؤوليتهما عن الانفجارات، فالاتهام يفرض على إيران ضرورة القيام بتوجيه رد انتقامي، وهو ما تحاشت إيران أن تضع نفسها فى مواجهة هذا الأمر الذي لن تقوى على القيام به أو تحمل تبعاته.
ثاني الرسائل، كان أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لطهران، حين أعلن الرئيس الإيراني أن بلاده لا تتدخل في العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، ولم تنتقد طهران سياسة الكاظمي تجاه ميليشيات “حزب الله” التابعة لها، وهو ما يعني أن طهران توصل للكاظمي رسالة مفادها إمكان تعاونها الأمني معه للسيطرة على سلوك الميليشيات، وكذلك تمتد الرسالة لواشنطن بإمكانية التعاون فى هذا السياق. وحينما استمر سقوط صواريخ بعض الميليشيات العراقية على المجمع الذي به السفارات الأجنبية والسفارة الأميركية، والذي أعقبه تهديد الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في بغداد، سارع “الحشد الشعبي” إلى إدانة القصف الصاروخي.
أما الرسالة الثالثة، فتتعلق بالاتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بينهما. فقد جاءت المفاوضات فى سياق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها لبنان، وموجة من العقوبات الأميركية التي شملت وزيرين سابقين في الحكومة متحالفين مع جماعة “حزب الله”، الذي تعبتره تل أبيب منظمة إرهابية. ولم تعق إيران أو تضع عقبات من خلال “حزب الله” أمام سير المفاوضات، والتي جاءت نتيجة جهود ورعاية دبلوماسية أميركية مكثفة لتتم قبل الانتخابات الأميركية مباشرة. فالتوصل إلى اتفاق إطاري لترسيم الحدود هو إنجاز أميركي- إسرائيلي، لأنه سبق ورفض لبنان عرضاً أميركياً عام 2012 لترسيم الحدود البحرية بينهما.
وآخر تلك الرسائل للآن تتعلق بالملف اليمني، إذ تم تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين، في أكبر عملية تبادل لمئات الأسرى من بينهم مواطنون أميركيون، ويعد هذا إنجازاً بحد ذاته، حيث مراراً عرقلت حركة الحوثي تبادل الأسرى، وفقاً لاتفاق السويد.
وبتفحص تلك الرسائل مجتمعة يمكن القول، إن إيران لم تكن فقط تتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة منذ مقتل قاسم سليماني، وإنما عملت على تهدئة الأجواء وتهيئتها عبر عدم وضع عقبات من خلال وكلائها أمام الملفات المذكورة بما يعرقل إتمامها، والتي كلها ترتبط بجهود دبلوماسية أميركية، بما يمنح فرصة لفتح حوار مع ترمب في حال فوزه في الانتخابات من جهة، كما تريد أن تستعرض قدرتها على المساهمة في حل القضايا الإقليمية من جهة أخرى أمام الأطراف الغربية والعربية.
هبه رؤوف
اندبندت عربي