هل تنقذ الطاقة الذرية كوكب الأرض زمن التغيرات المناخية

هل تنقذ الطاقة الذرية كوكب الأرض زمن التغيرات المناخية

يُنظر إلى استخدام الطاقة الذرية السلمية بمثابة بديل متاح عن حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة، والذي يعتبر السبب الرئيسي للتغيرات المناخية. ومع هذا فما زالت الأدلة العلمية والكوارث الحديثة تدعو إلى التساؤل إن كان بمقدور ذلك الاتجاه أن يحدث اختراقا بشكل آمن في كوكب متزايد الحرارة.

فيينا – تزداد قناعة المؤيدين بجدوى استخدام الطاقة النووية يوما بعد يوم وذلك لقدرتها وفاعليتها على تجنب ما هو أسوأ في كوكب “حزين” يعاني من الانبعاثات الضارة التي تسبب فيها الإنسان كونها خيارا أفضل وأنظف.

ومع هذا، لا أحد ينكر أن المحطات النووية الأقدم ذات البنية التحتية المهترئة، والتي عادة تخطت عمرها الافتراضي غير فعالة بالمرة وتحمل خطرا أكبر. وهنا تكمن المعادلة، إذ كيف يمكن تحقيق التوازن بين تقليص نسبة الانبعاثات وتجنب مخاطر تلك المنشآت القديمة.

ويؤكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية أن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للإبقاء على معدلات الاحتباس الحراري حول العالم أقل من درجتين مئويتين، سيكون مستحيلا تماما دون محطات الطاقة النووية.

ورأى غروسي قبيل زيارته لبرلين، حيث من المقرر أن يلتقي بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس وأن يشارك في مؤتمر القمة العالمية الذي تعقده منظمة الصحة العالمية وذلك خلال اليومين المقبلين، أن التخلص التدريجي من الطاقة النووية مثلما تقوم به ألمانيا، هو قرار سياسي، إلا أن العلم يشير إلى اتجاه مختلف.

ويعتقد الدبلوماسي الأرجنتيني بشأن التخلي عن الطاقة النووية، وهو الأمر المقرر في سويسرا وبلجيكا أيضا، بأن “الخيار السياسي أمر مشروع ومن الممكن للدول أن تختار سياسة أو أخرى”، لكنه استدرك بالقول إن “الحقيقة العلمية هي أن الطاقة النووية تعد مصدرا ذا انبعاثات منخفضة للغاية من ثاني أكسيد الكربون فمن الواقع التجريبي يتضح أن ثلث الطاقة النظيفة تأتي من البرامج النووية”.

وكلام غورسي يستند على تقارير أصدرتها اللجنة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية والوكالة الدولية للطاقة، حينما قالت إن “أي مسار للوصول إلى عتبة الدرجتين المئويتين اللتين حددتهما اتفاقية باريس هو أقرب من المستحيل إن لم يكن مستحيلا، دون الطاقة النووية”.

وتمتلك إحدى وثلاثون دولة حول العالم محطات طاقة نووية فاعلة، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلى العكس، سعت أربع دول فقط للتخلص تدريجيا من محطات الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما عام 2011، وبقيت خمس عشرة دولة معارضة لها.

وهناك دول أخرى ستنضم إلى السباق من منطقة الشرق الأوسط، فإلى جانب إيران وإسرائيل، بدأت الإمارات في تشغيل أول مفاعلين سلميين في محطة براكة، كما أن للسعودية خططا لبناء محطة نووية، وقد قطعت مصر أشواطا لبناء محطة الضبعة المطلة على البحر الأحمر.

وتزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من كل الدول تقريبا، وتتصدر الصين والهند والولايات المتحدة القائمة، بينما تشذ الدولة الإسكندنافية الصغيرة الدنمارك عن القاعدة إذ تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منها مع أنها لا تنتج الطاقة النووية بأي شكل من الأشكال.

ويشير العلماء المستقلون الذين يشكلون اللجنة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، في تقرير لهم، إلى أن هناك حاجة إلى بذل جهود أكبر لمعالجة مسألة السلامة النووية، وإدارة النفايات النووية، والمخاطر الأخرى الناتجة في حال لم يتم التوسع في الطاقة الذرية.

ومع ذلك فإن المناخ المتقلب والحرائق وارتفاع مستويات أسطح البحار والزلازل وارتفاع درجة حرارة مياه البحار والمحيطات، تزيد من خطورة الحوادث النووية، بينما تبقى قلة أمان تخزين النفايات المشعة خطرا ماثلا، وهذا ما يثير جماعات الدفاع عن البيئة أيضا.

ويزور غروسي ألمانيا وسط حالة من الجدل المتجدد بشأن موقع تخزين دائم للوقود النووي المستهلك، بعد أن حددت شركة النفايات المشعة التابعة للحكومة 90 منطقة كمواقع أخرى محتملة في سبتمبر الماضي. وتعتبر فنلندا الدولة الوحيدة حتى الآن، التي تبني مثل هذا المخزن النووي الدائم وقد تمت الموافقة مؤخرا على موقع آخر في السويد.

وعلى الرغم من أن هذا الأفق الزمني يكاد يتجاوز الخيال البشري، يعتقد مراقبون سياسيون وباحثون إن العلماء قادرون على القيام بمثل هذا التقييم بناء على أفضل المعلومات المتاحة، حيث لا يوجد حل مثالي لأي شيء في العالم لأن مسألة تقييم الخيارات وإيجاد أفضل حل منطقي مناسب لمشكلة ما تعتبر مهمة مضنية.

ويقول مارك جاكوبسون، مدير مشروع جامعة ستانفورد للطاقة والغلاف الجوي، إن منشآت الطاقة النووية الجديدة تقدم في الظاهر فرصة لحل مشكلة الاحتباس الحراري وتلوث الهواء وأمن الطاقة لكن ليست لها فائدة من ناحية الاقتصاد أو الطاقة.

وكل دولار يتم إنفاقه على الطاقة النووية ينتج خمس الطاقة التي قد يتم الحصول عليها من الرياح أو الشمس وبنفس التكلفة، كما أن الطاقة النووية تستغرق من خمس إلى سبع عشرة سنة حتى تصبح متاحة.

ومن المستحيل أن تساعد الطاقة النووية في الأهداف المناخية المتعلقة بخفض الانبعاثات بنسبة 80 في المئة بحلول عام 2030 بينما ينتظر العالم احتراق الطاقة النووية والفحم والبترول وتلويثها الهواء أيضا.

وبالإضافة إلى ذلك تحظى الطاقة النووية بمخاطر أمنية لا تسببها التقنيات الأخرى مثل التعرض للهجوم والانصهار ومخاطر إصابة العمال المعالجين لليورانيوم أو المخلفات بسرطان الرئة وغيرها من المشاكل الأخرى، التي قد تكون خارج نطاق الاحتمالات المعروفة.

العرب