بدأت مؤشرات الانتخابات المقبلة في إيران تلوح من خلال نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، إذ فازت الفصائل المحافظة والمتشددة، بما في ذلك المرشحون المتحالفون مع “الحرس الثوري” بحوالى 221 مقعداً من أصل 290، أي 76 في المئة تقريباً من المجلس.
واعتبر البعض أن تلك الأرقام تعطي مؤشراً لمشهد برلماني يسيطر عليه المتشددون والمتحالفون مع “الحرس”، ما يمهد لوصول رئيس إيراني ينتمي إلى التيار المتشدد في الانتخابات المقبلة. وترددت أسماء مرتبطة بالحرس كمرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يثير التساؤل حول كيف ستكون إيران في حال فاز مرشح رئاسي ينتمي للحرس الثوري وليس إلى أحد التيارين المتشدد أو الإصلاحي، كما أنه من المؤكد أن نتيجة السباق الرئاسي في العام المقبل ستكون ذات تأثير كبير على إيران في حقبة ما بعد علي خامنئي.
مهمة فضفاضة
وعلى مدى عقود شكل الحرس الثوري الجيش الأيديولوجي للنظام الإيراني، بعدما بدأ على شكل ميليشيا صغيرة لتساعد المرشد السابق الخميني في بسط سيطرة النظام الجديد على إيران. لكن مع الوقت تطور دوره عسكرياً ليراقب تنفيذ “المبادئ الثورية” للنظام، وحددت المادة (150) من الدستور الإيراني واجباته بـ “حراسة الثورة ومنجزاتها”، وهنا نجد أن ثمة غموضاً يكتنف المادة التي لم تفسر حدود سلطات “الحرس الثوري” الأكثر تأثيراً سياسياً من الجيش النظامي.
ويعد المرشد القائد الأعلى للحرس ويعيّن قائده، مما يبسط سلطته لتقييد أية محاولات للتصرف وفق أجندة تختلف عن توجهاته. ويرجع تعاظم نفوذ “الحرس” سياسياً إلى اعتماد النظام عليه لقمع المعارضة منذ تأسيس النظام السياسي، وتطور دوره إلى ما هو أبعد من دوره الأصلي كحارس أيديولوجي لـ “النظام الثوري الوليد”، فحضوره قوي في النظام السياسي الإيراني الفصائلي، ويؤيد التيار المتشدد بشكل عام. كما تأتي عدة شخصيات إيرانية بارزة من بين صفوفه. وامتد نفوذ “الحرس الثوري” في مجال السياسة الخارجية من خلال “فيلق القدس” الذي يقوم بممارسة التأثير في كل أنحاء المنطقة من خلال دعم الحركات والمجموعات المؤيدة لإيران. ويتراوح عدد عناصر “فيلق القدس” بين 10 و15 ألف فرد يقدمون المشورة والدعم، ويوصلون شحنات الأسلحة إلى الفصائل المؤيدة لإيران أو لبعض الشخصيات في لبنان والعراق وسوريا وغزة والضفة الغربية وأفغانستان وآسيا الوسطى. وأصبح “الفيلق” يمثل الوجه العسكري للسياسة الخارجية الإيرانية ومنفذاً لتطلعات ما وراء الحدود التي تسعى إليها إيران تحت مسمى “تصدير الثورة”. وحالياً بعد السيطرة على البرلمان من قبل المتشددين والمتحالفين معه، يوشك “الحرس الثوري” أن يستولي على الدولة بكاملها، ومن ضمنها مؤسسة الرئاسة.
في الوقت الحالي يتم تداول أسماء عدد من الأفراد المنتسبين إلى “الحرس” والمحتمل ترشحهم لخوض السباق الانتخابي العام المقبل، ما يطرح تساؤلاً حول ما قد يتغير في حال فاز أحد هؤلاء وأصبح الرئيس الإيراني الجديد؟ بخاصة أنه معروف أن “الحرس الثوري” متفانٍ في مبدأ ولاية الفقيه.
من المؤكد أن فوز مرشح مرتبط بـ “الحرس” سيمنح هذا الفصيل قوة أكبر في الداخل الإيراني، تقترن بزيادة سيطرته على الاقتصاد، إذ سيتوسع في نشاطاته الاقتصادية تحت شعار “اقتصاد المقاومة”، أي زيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي والتهريب، ما يعني أيضاً توسيع نشاط الشركات التابعة له، لا سيما في ظل استمرار غياب الاستثمار الأجنبي.
أما أكثر النتائج انعكاساً في حال تولي أي من مرشحيه الرئاسة فهي زيادة عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما في الشرق الأوسط، فلطالما كان الحرس الثوري الإيراني وبخاصة فرعه خارج الحدود، “فيلق القدس”، المحرك الفعلي للسياسة الخارجية للنظام الإيراني في المنطقة، وبالتالي لن تتم عسكرة أجهزة صنع السياسة الخارجية الإيرانية وحسب، بل سيعزز طموح طهران لتقوية ما يسمى بـ “محور المقاومة” في حقبة ما بعد قاسم سليماني، والتي هي أهم الرؤى المسيطرة على إدراك المرشد، كما سيستمر في تسليح الميليشيات الموجودة مثل “حزب الله والحوثيين”، فضلاً عن تأسيس ميليشيات جديدة، يُضاف إلى ذلك استمرار استنفار وحشد المتطرفين والمتعصبين في الداخل الإيراني في مسيرات ومناسبات عدة للتنديد بالولايات المتحدة.
لقد أوضح المرشد الأعلى أنه سيفعل كل ما في وسعه لضمان استمرار رؤيته الإسلامية المتشددة، ودعا في أحد لقاءاته إلى اختيار رئيس متشدد أيديولوجياً، بل إنه أكد خلال لقائه بأعضاء مجلس الخبراء على أهمية انتخابات ذلك المجلس الذي سيختار المرشد المقبل. وأكد في رسالة لأعضاء المجلس المنتخبين بأن دور المجلس سيكون مهماً خلال السنوات المقبلة، وطالبهم بأن يكون المجلس “ثورياً” ويختار “مرشداً ثورياً يحافظ على ثورية النظام”. ومن ثم فإن اختيار رئيس من الحرس الثوري يعد ضمانة لاستمرارية ولاية الفقيه وتصدير الثورة، باعتبارها أهم المبادئ الثورية.
إن تناول الداخل الإيراني لا بد أن يكون من خلال عدسة تتفاعل فيها عوامل عدة، منها خلافة المرشد والسياسة الداخلية وتوازن القوى القائم الذي انتهى حالياً بسيطرة المتشددين على مختلف مؤسسات الدولة، ودور “الحرس الثوري”.
هدى رؤوف
اندبندت عربي